بقلم: محمد حبوشة
الممثل المبدع مثل الفنان القدير الراحل (حمدي غيث)، الذي مرت مئويته يوم 7 يناير الماضي، كان واحدا من عتاولة التمثيل، حيث يشعر برغبة فى تحقيق اتصال مباشر وحقيقى مع الجمهور، وهذا الاتصال يتأسس فى المقام الأول على قدرة الممثل على إدهاش ومفاجأة الجمهور.
وهذه الخاصية لاتتحقق إلا إذا استطاع الممثل أن يدهش ويفاجئ نفسه أولا، والممثل المبدع (حمدي غيث) لايحجم عن الأدوار الصعبة والمركبة والعنيفة، حتى وإن اقتضت جهدا وعناية ووقتا.
(حمدي غيث) يوجد لنفسه دائما لغة خاصة به، تتشكل مفرداتها من الحركة والايماءة والنبرة وهو لايعتمد فقط على التقنية، التى هى معرفة مكتسبة من الخبرة ولكن بدرجة أكبر على الحدس والغريزة الارتجال عنصر ضروري لكنه تلقائى ومدروس فى أن.
الممثل القدير (حمدي غيث) يفهم جوهر علاقته بالنص المسرحي أولا، والمخرج باعتباره مؤلفا للعرض ثانيا، وفريق العمل ثالثا، ومن ثم علاقته بالعناصر الدرامية الأخرى سعيا وراء تكامله وتجديد قدرته على الأداء الفني الإبداعي المتقن.
إن المكونات الأساسية لأي عرض مسرحي من وجهة نظر (حمدي غيث) هى: (النص، والإخراج، والتجسيد)، فاذا أراد الممثل الوصول إلى التكامل المنشود فإن عليه النظر إلى هذا الثالوث بقداسة تؤدي إلى استنباط جوهره وفهم مكنونه وجملة الأفكار المنبثقة عنه.
كما أن (حمدي غيث) يسعى بالحرص الشديد على تبنيها، بل على تفاعلها داخل مختبر روحه الحالمة، فالنص هو ما سيعمل على تجسيده فريق العمل كله، كل حسب تخصصه.
أما الإخراج فهو (إعادة تأليف النص وفق عرض مسرحي فني مرئي ومسموع ومحسوس وملموس ضمن وحدات قوانين وأساليب الإخراج سواء المتوارثة أم المستحدثة أم المبتكرة)، أما التجسيد فهو (التطبيق العملي لعناصر الفعل المكتوبة والمتخيلة من خلال النص والمخرج والممثل والمصمم).
(حمدي غيث) ليس ناقلا للنص حسب
على الممثل أن يخلق في كل دور يلعبه حياة إنسانية كاملة بروح ينبغي أن تظهر كل النواحي الجسمانية والفعلية والعاطفية وهى تحيا حالة من التقارب مع روح المؤلف، ولكي يتحقق هذا الهدف الجميل فإن عليه الغوص في النص لتحليله وتفكيكه ودراسته وسبر أغواره القصة، كما كان يفعل (حمدي غيث) في كل مسرحه.
على ألا يتحول الممثل (حمدي غيث) إلى ناقل للنص فحسب، بل عليه أن يكون مساهما مع المؤلف والمخرج في خلق الشخصية بأسلوب فني إبداعي وديناميكي.
ومن أجل تحقيق هذا عليه أيضا أن يتدرب كل يوم على استنباط أغوار الشخصية والوصول إلى ما لم يتم الوصول إليه سابقا، فضلا عن عمله الدائم على خلق التكامل الفني للعرض المسرحي عن طريق إدامة علاقته بالمؤلف والمخرج وبقية العناصر الفنية الأخرى.
باختصار شديد كان على الممثل (حمدي غيث) أن يكون مبدعا، وأن يتحلى بصفات المبدع التي هى الضمانة الأكيدة لعدم تعنته وتناحره، وأحسب أن من صفات المبدع الذي يسعى حقاً إلى التكامل هو أن يكون هذا المبدع: (عادلا، منصفا، محبا للإبداع وللمبدع الآخر).
يدرك (حمدي غيث) أن العنصر الأساسي في المسرح هو الممثل، الذي ظل مصدر النزاعات حتى صار كاهن المسرح بمختلف أفضيته الداخلية والخارجية، ارتدى هذا الممثل وخلع، ولكنه العنصر الأساسي في المسرح منذ بداياته وحتى القرون الألفية الراهنة والقادمة.
إن الممثل (حمدي غيث) مثل (السوبر ماريونيت)، مادة بيضاء لا تطفئ ما يوجد فيها، وقد ساهم مخرجون مبدعون مثل (فاختنجوف وتادوش كانتور)، بإزالة الزيف عن الممثل، وقام (ليستراسبورج وغروتوفسكي) باكتشافات مهمة طورت من أداء الممثل.
يعرف جيدا إن تجسيد الممثل لدوره يعتبر رؤية إبداعية تصل بنا إلى الفن المبدع في المسرح، فكل المسرحيين الذين أضاءوا لنا المسرح إضاءة غير تقليدية لم يتخلف عنهم الممثل ولم يستطيعوا أن يتخلوا عنه، ولأن التجريب تطور، كان على الممثل (حمدي غيث) أن يطور من أدوات لغته.
لقد تجاوز وتخطى (حمدي غيث) بهذا الثراء الفني حدود المسرح، فكانت الورشة المسرحية لديه تخطيا لما كان يسمى أو يعرف بالمسرح، لقد وصل مثل غروتوفسكي إلى الحد الأقصى في التجريب.
فلسفة الممثل والنص عند (حمدي غيث)
فلسفة الممثل ونص الممثل والممثل المؤلف والممثل المخرج والممثل عند (حمدي غيث) تكمن في (السينوغراف) الذي يعتبره بدوره هو روح تكمن في الأداء التمثيلي التشخيصي الأدائي التعبيري المترجم للمعنى عبر مبنى والمترجم لوجهة نظر المخرج المسرحي الذي يترجم النص المسرحي بصريا أو قل يركب النص سينوغرافيا.
ومن هنا تمكن (حمدي غيث) من الوصول إلى صوفية الأداء والانسجام والصدق في الأداء الذي يظهر لنا مع هذا الثلاثي من الممثلين ويبلغ رسالة مفادها أن المسرح هو حضرة الممثل.
ومن أجل الممثل كتب المؤلف للمسرح وللممثل كان المسرح خشبة وإنارة ومؤثثات وجغرافية وجدارات وستارات ومن الممكن أن يكون فضاء مشرعا أو تعبيريا بشكل من الأشكال.
ويأتي المخرج بفضل الممثل وتأتي أدوار ومهام باقي التقنيين لإبراز الممثل وخدمة له تم تتأتى للمتلقي فرجته بالممثل وعن الممثل، ومن خلال ما يرسله الممثل (حمدي غيث)، في بساط عرض له ما قبله بتعدد وله حينه بتعدد وله ما بعده بأبعاد.
التنوع الثقافى في شخصية (حمدى غيث)
مع النسمات الباردة يوم 7 يناير من العام 1924، دوت فى الفضاء صرخات الطفل الرابع للعمدة (الحسينى غيث) عمدة قرية كفر شلشلمون بمحافظة الشرقية، اختار له اسم (حمدى) ليكون فرعا جديداً فى شجرة العائلة العريقة التى يعود تاريخها وجذورها إلى أرض الحجاز.
حفظ (حمدي غيث)، القرآن الكريم كاملا، وهى من الأمور النادرة جدا التي قد نجدها لدى فنان، كما أنه كان دائم الاطلاع والتعلم في المجالات المختلفة، من خلال مكتبة كبيرة كانت تضم كتبا متنوعة منها في القانون والفنون والأدب والشعر، بالإضافة إلى الكتب السماوية (الإنجيل والتوراة) اللذان كان على دراية كاملة بهما.
لعب التنوع الثقافى والفكرى فى رسم ملامح شخصية (حمدى غيث) منذ سنواته الأولى، ما بين الأب الذى درس الطب فى أوروبا قبل أن يعود ليتولى مهام العمودية، غير أن الأب رحل، تاركا الصغير بين يدى جده وخاله عالمى الأزهر الشريف، اللذين كانا يقيمان فى القاهرة، منهما تشرب (حمدى) علوم الدين واللغة العربية الفصحى.
مع افتتاح أول معهد عالى للتمثيل فى مصر، قرر أن يلتحق بالدراسة به فى دفعته الأولى، وتخرج فيه بتفوق فى 1947، وبدا أن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة له فسافر فى بعثة تعليمية إلى عاصمة النور ليصقل موهبته الخام بدراسة المسرح والتمثيل.
وعقب عودته تم تعيينه أستاذا للتمثيل فى المعهد، وبالتوازى مع خطواته الأكاديمية قدم (حمدي غيث) أول أعماله على شاشة السينما فى فيلم (صراع فى الوادى) عام 1954، وتوالت بعدها الأدوار التى قدمته للجمهور كممثل من طراز خاص.
وكان لنشأة الفنان الكبير حمدى غيث دور كبير فى تكوينه الفنى وقوته الإبداعية هذه النشأة والتربية فيما تمتع به الفنان حمدى غيث من قوة الشخصية والإمكانيات الفنية.
والده يدرس الطب فى إنجلترا، وأثناء الحرب العالمية عاد إلى مصر ولم يستطع الرجوع لاستكمال دراسته، وتولى العمودية فى قريته شلشلمون بمنيا القمح، وبعد وفاة الأب فى سن الشباب ترك 5 أبناء، أصغرهم عبدالله غيث المولود فى 28 يناير عام 1928 الذى كان رضيعًا وقت وفاة والده.
بينما كان شقيقه (حمدى) المولود فى 7 يناير 1924 فى سن الرابعة، ورغم فارق السن البسيط تعامل حمدى منذ لحظة وفاة والده مع شقيقه الأصغر باعتباره ابنه، كان (حمدى وعبدالله) شقيقان من الأب والأم، وكان لهما أشقاء من الأب حيث كان والدهما متزوجا قبل زواجه من والدتهما.
إقرأ أيضا : عبدالله غيث .. العملاق الذي أجاد التمثيل باللغة العربية الفصحى (2/2)
اصطحبت الأم طفليها (حمدى وعبدالله غيث) بعد وفاة زوجها إلى القاهرة لتسكن فى حى الحسين بالأزهر، حيث كان والدها وشقيقها من شيوخ الأزهر، وهو ما أثر فى إتقان الأخوين للغة العربية وفن الإلقاء.
ورغم أنها لم تكن متعلمة، فإنها كانت تحب الفن والمسرح وتصطحب ولديها إلى المسارح ودار الأوبرا، ومن هنا بدأ عشقهما للفن، بعد دخل بخطوات لم يكن يدرى أنها ستحدد مصير حياته.
دخل الممثل المصري حمدي غيث مع والدته للمرة الأولى إلى دار الأوبرا المصرية ليشاهد عرضا مسرحيا بعنوان (مصرع كليوباترا) عام 1937 من تأليف أحمد شوقي، ليرى الشاب الصغير وقتها نجومًا بحجم زينب صدقي وحسين رياض وزكي رستم وسراج منير.
هذه اللحظات الأولى لمعرفته بالمسرح ظلت في وجدانه يستشعرها دائما، ولم يغب عن ذهنه هذا العالم الرائع الذي دخله وعمره 12 عاما، ليتمنى وقتها أن يجسد دور (أنطونيو)، الأمر الذي تحقق بالفعل في فترة الدراسة بالمرحلة الثانوية على خشبة مسرح المدرسة.
عشق (حمدى غيث) المسرح منذ طفولته
نعم عشق (حمدى غيث) المسرح منذ طفولته وكان يهوى القراءة، والتحق بكلية الحقوق بالتزامن مع دراسته بمعهد التمثيل حتى وصل إلى السنة النهائية بكلية الحقوق، ولكنه رشح لبعثة إلى فرنسا لدراسة الفنون المسرحية لمدة 4 سنوات فغلبه حب الفن ولم يدخل امتحان الحقوق، وكان الأول على دفعته بمعهد الفنون المسرحية.
وساهمت نشأة الفنان حمدى غيث فيما اشتهر به من قوة شخصيته فى العمل، فكان الفنانون يهابونه، وعمل مخرجا مسرحيا، وأستاذا بمعهد الفنون المسرحية، وتولى منصب نقيب الممثلين لأكثر من دورة.
كانت البداية الفنية للفنان (حمدى غيث) عام 1954 مع أول الأفلام التي شارك فيها وهو فيلم (صراع في الوادي) وتوالت بعدها أدواره، وتألق على المسرح مخرجاً وممثلا عدد كبير من المسرحيات بدأها بمسرحية (كسبنا البريمو).
ثم مسرحية (تحت الرماد)، وبعدها (سقوط فرعون)، وتوالت أعماله المسرحية وقدم عدد من مسرحيات الأدب العالمى ومنها (عطيل وماكبث).
ووصل عدد الأفلام التى شارك فيها إلى 19 فيلما سينمائياً منها: (الرسالة، بنت الليل، الحكم آخر الجلسة، الناصر صلاح الدين، التوت والنبوت، حارة برجوان، أرض الخوف، ثمن الحرية، بنت الليل، صراع العشاق، من القاهرة إلى الزقازيق، اغتيال مدرسة، التوت والنبوت).
وشارك (حمدي غيث) فى حوالي نحو 60 مسلسلا من روائع دراما الدراما التلفزيونية، ومنها (الشهد والدموع، الفرسان، محمد رسول الله الجزء الثاني، السيرة الهلالية، ذئاب الجبل، بوابة الحلوانى، المال والبنون، زيزينيا، الجزار الشاعر، العملاق، الضحية، والساقي، والرحيل، في الفترة من 1964 وحتى 1967).
وشارك أيضا في مسلسلات (الفتوحات الإسلامية، لا إله إلا الله، الوعد الحق، عصر الأئمة، طائر في العنق، خالتي صفية والدير، امرأة من زمن الحب، وكانت آخر مشاركة رمضانية له في مسلسل (يا ورد مين يشتريك) عام 2004.
أما على المسرح فقد قدم (حمدي غيث) أروع أدوار التراجيديا، سواء بالتمثيل أو بالإخراج، فى مسرحيات (مأساة جميلة، راسبوتين، أرض النفاق، الزير سالم، الحسين ثائرا، الفتى مهران، زيارة السيدة العجوز، الوزير العاشق).
وظل فن حمدى غيث وإسهاماته محل تقدير من قبل الدولة المصرية، فتم تكريمه فى عيد الفن عام 1978، كما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، بالإضافة إلى جائزة الدولة التقديرية للفنون.
(حمدي غيث) أستاذا بأكاديمية الفنون
عمل (حمدي غيث) أستاذا بأكاديمية الفنون ومعهد التمثيل، ولم يكتفي بعمله كممثل فقط، بل عمل بمجال الإخراج أيضا، حيث عمل كمخرج وممثل بفرقة المسرح الحديث، وممثل بالإذاعة، وعمل كمخرج فى مسارح التلفزيون، ومشرف على المسرح الحديث، ومدير للمسرح القومي، ومدير للإدارات الثقافية والمهرجانات.
وتولى منصب وكيل وزارة شؤون الثقافة الجماهيرية، مما سمحت له الفرصة حينها بلعب دور كبير فى مجال المسارح، حيث قام بإنشاء مسرح الأقاليم، وتولي منصب نقيب الممثلين على مدار دورات متتالية.
كان الفنان الكبير (حمدي غيث) ناصريا، ولكن رغم ذلك تم اتهامه في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالشيوعية، وتم فصله من المسرح القومي.
ووقتها كانت الإذاعة تعرض مسلسلا أدى فيه (حمدى غيث) شخصية الصحابي الجليل (أبو ذرالغفاري)، وسمعه عبدالناصر، وأعجب به بشدة، وأشار إلى أنه لا يمكن أن يكون الممثل الذي يؤدي شخصية هذاالصحابي بهذا الإتقان شيوعيًا أو ملحدا.
ومن ثم أصدر قرارا فوريا بعودة (حمدي غيث) لعمله بالأجر الذى يحدده، وفى المكان الذي يريده، بحسب رواية لابنته ميادة التي أكدت أن أصعب المواقف التي مرت على والدها كانت وفاة عبدالناصر.
بعد رحيل شقيقه الأصغر الفنان (عبد الله غيث) إثر أزمة قلبية مفاجئة أثناء مشاركته في مسلسل (ذئاب الجبل) أصيبب (حمدي غيث) بأزمة نفسية شديدة، بعدها أسند المخرج (مجدي أبو عميرة) إليه دور (عبد الله) في مسلسل (المال والبنون)، وبالفعل جسد (حمدي غيث) دور شقيقه الراحل.
وقال حمدى غيث حينها: (لقد اعتبرت عبد الله ابني وليس شقيقي فقد رحل والدنا وعبد الله عمره عام واحد فقط ومن هذااليوم اعتبرته إبنا لي، كنت اصطحبه في جميع أعمالي).
وبالتالي كان يقلدني في أعمالي وعشق الفن والمسرح من خلال أعمالي وعندما عدت من بعثتي التعليمية بباريس اقترحت عليه أن يترك (العمدية) ببلدنا بالشرقية ويلتحق بمعهدالتمثيل ليصقل موهبته الفطرية، وقد كان وأصبح (عبد الله) فنانا عالميا، فقد نافس النجم العالمي (انتوني كوين) في فيلم (الرسالة).
وبعد الانتهاء من أداء دور شقيقه الذى أداه تحت ضغط نفسي شديد في (المال والبنون) أصيب الفنان (حمدى غيث) بأزمة صحية حادة وصلت إلى فشل كلوى والتهاب حاد بالرئة ثم رحل إثر أزمة قلبية عن عمر ناهز 82 عاما في 7 مارس من عام 2006.
أشهر أقوال حمدي غيث:
** المسرح شعر ، ويستحيل أن ينفصل المسرح الحقيقي عن الشعر ، ولابد من وجود طاقة الشعر فى المسرح ، لأن المسرح فن تركيبي وفن تكثيف اللحظات الدرامية لدى الإنسان مثل الشعر ، فليس أنسب إطلاقا من التعبير في المسرح من الشعر ، لذا يطلق على كاتب المسرح حتى الآن فى أوروبا ( الشاعر).
** عن مسرح أحمد شوقي قال غيث: شوقى بلا شك شاعر عظيم ، وهو شاعر غنائي نستطيع أن نضعه في صفوف أعظم شعراء العربية مثل المتنبي وأبي تمام وغيرهم فهو يقف معهم في ميدان الشعر الغنائى ويفضلهم في الشعر الغنائي الدرامي.
** أما عن رأيه فى المونولوجات الطويلة قال حمدي غيث: أنا شخصيا أحبها بالرغم من أنها مونولوجات طويلة لكنها مشحونة بالطاقة التعبيرية وقد أعطت اعجابا وطاقة كبيرة للجمهور وتجاوبا كبيرا معها.
** دخلت عالم المسرح من باب أحمد شوقى وأول مسرحية رأيتها فى حياتى سنة 37 وهى مسرحية (مصرع كليوباترا)، وكان يؤديها فطاحل المسرح وقتها.
** وصف الفنان الراحل (حمدي غيث) علاقته بشقيقه بأنها أشبه بعلاقة الأب بابنه عنها من علاقة الأخ بأخيه قائلًا: كان عبد الله قطعة مني فقد توفي والدنا وعمره لم يتجاوز العام فشعرت بمسؤوليتي تجاهه وأنه ابني لا شقيقي.
** عندما احترفت التمثيل كان يلازمني ويقلدني (عبد الله)، وكان يقول لي إنني قدوته وكنت أشجعه وأعتقد أنه كان ممثلا بارعا وموهوبا.
وفي النهاية لابد من تحية تقدير واحترام لروح الفنان الكبير والقدير الراحل (حمدي غيث) الذي مرت مئويته في صمت، رغم أنه أحد وحوش التمثيل وعمالقة المسرح فى عصره الذهبى، صاحب الصوت المميز والذي يمكنك تمييزه من وسط ملايين.
وحتما ينتابك الشك عندما ترى (حمدي غيث) على الشاشة، هل هو (المعلم هدهد) تاجر الحشيش الأول فى الباطنية، صاحب الفلسفة العميقة والمبادئ الراسخة؟
أم (الشيخ بدار البدرى)، الرجل الصعيدى الصلب الذى لا يلين قلبه إلا أمام ابنته الوحيدة، أو القائد الإنجليزى الذى لا يعرف الخوف (ريتشارد قلب الأسد) أمام صلاح الدين ورجاله؟
هل هو الفتوة الظالم (حسونة السبع)؟، كما رسمته أنامل نجيب محفوظ، وغيرها من الشخصيات التى تقلب بينها الفنان الراحل حمدى غيث ببراعة شديدة ليظل اسمه علامة مضيئة فى تاريخ السينما المصرية فى ذكرى ميلاده المائة.
رحم الله (حمدي غيث) فقد كان فنانا مبدعا ومتوهجا حتى آخر أعماله، اتسم أداؤه بالمصداقية الشديدة والبراعة في تقديم شخصيات العمل الفني كما يجب أن تكون، وكان كل من يشاهده يدرك أنه أمام ممثل عظيم لايقل أبدا عن أي ممثل عالمي.
وأجاد في تقديم جميع الأدوار التي أسندت إليه على اختلافها وتنوعها، كما أبدع في تقديم أعمال فنية باللغة العربية الفصحى، وأطلق عليه (أنتوني كوين العرب) بعد أدائه المدهش في فيلم (الرسالة).
رحلة عطاء فنى كبيرة كان خلالها (حمدي غيث) أحد عمالقة الفن ورواده وأساتذته الذين علموا أجيالا وترك بصمته فى وجدان الملايين بعشرات الأعمال الخالدة وسجل اسمه للأبد في سجلات المبدعين.