كتب: محمد حبوشة
من أول وهلة يبدو لك مسلسل (على باب العمارة) عمل كوميدي جميل ويخلو من العيوب والمشاكل والأخطاء الفنية، لكن سرعان ما تكتشف أن رأيك نابع عن عاطفة، فحين يخضع المسلسل لمقاييس النقد الموضوعية فيبدو لك المسلسل مكدس بالأخطاء الفادحة.
لاشك أن مسلسل (على باب العمارة) يحوي بداخله بعض الومضات الجميلة إلى حد ما، على مستوى الفكرة الجيدة، حيث تتعرض لقصة (عوض ابن العمدة) الذي جسده (حاتم صلاح) في أولى بطولة مطلقة له.
إقرأ أيضا : محمد رضوان.. (رمضان حريقة) الذي قلب موازين الكوميديا!
فيبدو لك (عوض) نرجسي مغرور، والذي ولد وفي فهمه ملعقة من ذهب، وهو في الواقع يعيش متكئا على نفوذ والده (العمدة حامد/ محمد رضوان)، ويتمادى طوال أحداث الحلقات في غروره ونرجسيته.
يخيره والده بين أن يحرمه من الميراث أو يذهب للقاهرة ليعمل (بواب) لنفس العمارة التي كان يعمل بها والده في بداية حياته، كي يصير رجلا يمكن الاعتماد عليه من بعده.
يذهب عوض للقاهرة ويلتحق بالعمل بوابا للعمارة، لكنه يتعرض للعديد من المشكلات من خلال أحداث كوميدية ودرامية، ويحاول أن يكتشف قدرته على العيش وتكوين حياة ومستقبل بعيدا عن اسم أبيه وعموديته وماله بما يعني أنه رجل يتحمل المسئولية.
ويمكننا القول بأنه عندما طرد (أبو حامد) ابنه من البيت كأن يريد أن يرسخ في ذهنه حكمة (ابن عطاء الله السكندري) التي تقول: (ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع صار المنع عين العطاء).
من هنا تبدو الفكرة جميلة ورائعة، ولكن هل الفكرة وحدها تكفي؟
لا بالطبع، فالفكرة في الأفلام السينمائية أو الدراما التلفزيونية تحتاج إلى قصة جميلة وجيدة تخدم بشكل كبير هذه الفكرة وتوضحها للمشاهد البسيط، هذا أولا، وثانيا تحتاج إلى سيناريو جيد جدا يجعلك تفهم هذه الأفكار وتعيش وتنسجم مع أحداث المسلسل، ومن خلال هذه القصة والسيناريو الجيدين تستطيع أن تتشرب الفكرة وتتعايش مع أحداث حقيقية غير مفتعلة.
ضياع فكرة (على باب العمارة)
ولكن جاء مسلسل (على باب العمارة) للأسف على عكس تلك الحقيقة تماما، فكانت القصة إلى حد كبير ضعيفة، فلم تكن جدية كما كان متوقعا، حيث يغلب عليها الهزل والسخرية، مما أدي إلى ضياع الفكرة وعدم وضوحها.
نعم القصة لم تكن واضحة المعالم في مسلسل (على باب العمارة) الذي يمتد لعشر حلقات، بمعدل نصف ساعة لكل حلقة (أي بإجمالي 5 ساعات) مع أنه كان يمكن تلخيص القصة في ربع ساعة فقط أو عشرين دقيقة على سبيل الملل الدرامي السائد هذه الأيام.
ولعلي لاحظت أن (على باب العمارة) – على قصره – أن أبرز عيوبه هو الحشو والمط، فضلا عن قصة غير واضحة المعالم، بل يمكن القول أنه لم يكن هناك تركيز على القصة من الأساس، بقدر التركيز على الكوميديا الهزلية التي تشبه فيديوهات (التيك توك).
أما السيناريو فلم يكن منسجما أبدا مع القصة، فهى عبارة عن مشاهد أو فيديوهات منفصلة يبدو الغرض منها إضحاكنا فقط (على طرقة التيك توك)، أو التركيز على الكوميديا فقط بعيدا كل البعد عن انسجامها مع القصة بحيث يبدو السيناريو متسقا مع القصة بشكل مقبول.
عقدة (على باب العمارة) جيدة ولكن؟
على مستوى البناء الدرامي دعني أعترف أن العقدة كانت جيدة إلى حدما، أقصد (عقدة عوض) الذي كان ابن عمدة ونرجسي ومغرور، وكان يعيش عيشة رغدة، ولكن فجأة يجد نفسه يعمل بوابا في عمارة تبدو سخصيات ساكنيها متناقضة جدا.
وقد بدت المشكلة هى نزول (عوض) من مستوى أعلي إلى مستوى أدني تتلخص في أنه أصبح بواب عمار، وبعدها نأتي إلى مسألة الصراع، بمعنى صراع (عوض) مع نفسه وغروره ونرجسيته مع مكابرته في التعامل مع سكان العمارة وكل من يقابله.
فضلا عن صراعه مع أبوه الذي حرمه من الميراث والعمودية معا، وقد انعكس ذلك في شكل صراع كوميدي درامي هزلي مع سكان العمارة، ودعني أقوا هنا أن الصراع يصل بنا في (على باب العمارة) إلى حد التفاهة.
الصراع كان بين بعض الأحداث الجيدة التي مربها عوض في العمارة، وأحداث أخرى لاضرورة لها على الإطلاق، بما يعني أنه لو تم اختصار المسلسل في خمس حلقات كان أفضل بكثير من عشر حلقات، بل أنه كان أن يزيد عن 3 حلقات فقط.
إقرأ ايضا : محمد عبد العظيم.. قدرة سحرية على أداء الكوميدي والترجيدي
فلا الأحداث غير الضروية خدمت القصة ولا السيناريو من الأصل، ومع ذلك فإن حل العقد كان منطقيا إلى حد ما لأنه غير متوقع، فالمسل انتهى والقصة انتهت، ولكن رأينا (عوض) كان لديه دافع في إثبات أنه رجل، عندما أحب والتقى نصفه الثاني.
الفكرة كانت جيدة من المؤلف بأنه جمع بين الجانب العاطفي لـ (نوسة/ آية سماحة) الذي يتمثل في المرأة التي تكون السبب في أن الرجل يتحمل المسئولية، رجل يعمل ويأكل عيشة بالحلال، رجل حقيقي.
وعند الحديث عن المؤلف (مصطفي حمدي) لابد ألا ننكر أنه صاحب تجارب جيدة سابقة، مثل مسلسل (وضع أمني) لعمرو سعد على مستوى الكوميديا والأكشن، وأيضا له فيلمي (من أجل شلبي) و(زيكو)، ولكنه لم يكن موفقا بالمرة في مسلسل (على باب العمارة).
ربما كتب (مصطفي حمدي) مسلسل (على باب العمارة) على عجل، فلم يولي له نفس أهمية أعماله السابقة، خاصة أنه مؤلف قاردة على صناعة دراما وأحداث على مستوى عال من الجودة.
نهاية (على باب العمارة) غير موفقة
ولهذا كانت (نهاية المسلسل) لاعلاقة لها بأحداث المسلسل، أو ربما كان يقصد أن يكون هناك جزء ثان مع (أحمد أمين) من خلال قصة أو مغامرة أخرى لعوض، هنا قد تكون النهاية منطقية ومتسقة مع الأحداث القادمة. إلى حد ما.
وإذ لم يكن هناك جزء ثان فإن هذه النهاية تبدو لي غير مفهومة تماما، وطبعا من ناحية الحبكة فلا وجود لها في (على باب العمارة)، لأنه لم يكن هناك تركيز على القصة وهذا يعد عيبا قاتلا في المسلسل.
وعلى مستوى بناء الشخصيات كان مصطفي حمدي موفقا إلى حد ما في (على باب العمارة) فشخصية (عوض) بنرجسيتها وغروره، وحتى وهو بواب عمارة، وكيف تطورت الشخصية، وأيضا (نوسة) الخادمة أو (آية سماحة)، بما فيها طاقة تتمسك فيها بأي قشة.
وأيضا الشخصيات الأخرى (عم فؤاد/ محمد محمود)، والعمدة (حامد/ محمد رضوان)، و(منصور/ محمد عبد العظيم)، و(دنيا – الراقصة/ ريهام الشنواني)، وكذلك (المدرسة وفاء/ عزة لبيب)، و(المحامي صلاح/ أمير عبد الواح) كلها شخصيات جيدة.
وظني أن بناء الشخصيات في السيناريو هو أفضل ما صنعه (حمدي) في السيناريو، لكن الحوار جاء سطحيا وتافها للغاية، بما احتواه من تكرار، حتى أنه يمكن أن يتم تصفية في (3،4) جمل في المسلسل كله، أما البقية فكان الحوار سيئ جدا.
كان الحوار في (على باب العمارة) مرتبطا بالكوميديا، وقد تبدو غير سيئة، لكن يظهر هناك هناك تذبذب رغم أنها كانت تشكل أكثر من 90%، وللأسف لم تكن جيدة، لأن التكرار واضح جدا، والإفيهات سحطية، والشيئ الذي يمكن أن نقول أنه حفظ ماء وجه الكوميديا في المسلسل هو كوميديا الموقف، أو كوميديا الثقافة.
وتبدو كوميديا الثقافة في الصراع بين عوض الصعيدي من جذور بدوية مع أهل القاهرة، وهو ما بدا في التصادم بين العادات والتقاليد المجتمعية، وهو الذي خلق من تناقض الثقافات نوعا من الكوميديا الثقافية، وهو ماصدر لنا الضحك إلى حد ما.
كوميديا الموقف وكوميديا الثقافة في (على باب العمارة) جعلتنا نحتمل متابعة الحلقات، ولكن الإفيهات والحوار السحطي كان يفسد متعة المشاهدة، ومع ذلك كان فريق العمل التمثيلي جيدا.
التمثيل جيد في (على باب العمارة)
فبالنسبة إلى (حاتم صلاح) الذي ربما يرى البعض أنه استجعل البطولة، لكن ظني أن اختياره كان غير صائب بالمرة، ولو أنه كتمثيل وكارزيما يعتبر أنقذ (على باب العمارة) إلى حد ما، فهو ممثل جيد على مستوى المسرح والسينما والكوميدي والتراجيدي.
لقد شاهدنا (حاتم صلاح) في أعمال سابقة ولاحظنا قدرته على التقمص ولعب أي شخصية، ولكنه في (على باب العمارة) لم يظهر تلك القدرات، رغم أن قماشته واسعة في مجال الأداء الاحترافي.
أما (آية سماحة) فقد لعبت دورها بشكل جيد في دور الخادمة من حيث لغة الجسد كما ظهر في حالات الابتسام أو السخرية من حالها، كما يحسب جودة الأداء لكل من (أمير عبد الواحد، ومحمد رضوان، ومحمد محمود، ومحمد عبد العظيم، وأيضا بوسي شامي في دور (هلا).
وعندما نصل إلى الإخراج فـ (خيري سالم) هذا هو أول عمل يقوم بإخراجه منفردا، وهو ما عكس نقص أدواته على مستوى الرؤية الإخراجية، بحيث يبدع في القصة والسيناريو ويتفادى كثير من الأخطاء التي حظي بها المسلسل.
ولنا في النهاية أن نقول أن مسلسل (على باب العمارة) كان به بعض المشاهد الكوميدية الجيدة التي أضحكتنا، ولكنها اختفت وراء سطحية القصة والسيناريو والحوار والإخراج.
الخلاصة أن المسلسل كان يحتاج إلى نوع من الجدية في العامل مع قصة وسينارية وحوار مسلسل كوميدي كان يمكن أن يكون مبهرا إلى حد كبير لو تم تفادي تلك الأخطاء التي ذكرناها.