بقلم: محمد حبوشة
تلعب الموسيقى دورا مهما في حياتنا اليومية، وتسهم في تشكيل هوية الفرد والمجتمع، وهى شكل فني كوزموبوليتاني لا تحده لغة أو تعبير (عالمي)، وهو ما ممكن الفنان اللبناني (مارسيل خليفة) أن تكون انعكاسا للزمان والحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنضال الفلسطيني.
استخدم (مارسيل خليفة) الموسيقى للتعبير عن عدم رضائه عن الأوضاع السياسية أو الاقتصادية، أو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، أو الغناء الجماعي في المسيرات الثورية، لما للموسيقى من قوة كبيرة وقدرة على توحيد الهدف لدى الجماهير، ليشعر الفرد أنه ليس وحيدا في الشعور بروح المقاومة ضد أشكال الظلم المختلفة.
لذا جعل (مارسيل خليفة) الموسيقى شكلا من أشكال الاحتجاج، لكنها أيضا يمكن أن تدعم المنظمات السياسية وتعبيرا صارخا ضد الحتل الصهيوني، حسب رؤية واتجاه مؤلف الموسيقى أو مغنيها.
إقرأ أيضا : (فلسطين) .. جمعت حناجر كل المطربين العرب ! (1)
تمكن (مارسيل خليفة) أن تمثل موسيقاه وأغانيه، سردا لتاريخ السكان الأصليين في أرض فلسطين، ضد الاحتلال والإبادة الجماعية لهم، حتى إذا تم استبعادهم من كتب التاريخ، تظل موسيقاه وأغانيه تحكي قصصهم للعالم، وتؤكد وجودهم الإنساني وتاريخهم الثقافي.
لقد جعل (مارسيل خليفة) من الأغاني الثورية الفلسطينية تعد جزءا لا يتجزأ من التراث الفلسطيني، وهي التي تعبر عن آلام وآمال الشعب الفلسطيني في رحلة البحث عن الحرية والاستقلال.
كما أكد (مارسيل خليفة) وفي كل مناسبة يغني فيها على مسارح العالم على أن (الفلسطينيين) يرفعون في الموسيقي أذان وتراتيل استقلالهم وأنه لا مفر من الحرية، قائلا: لقد قلبت آلاتكم الموسيقية كل المعايير و أعادت الكثير مما غاب عن المعاني، لقد اكتشف العالم أنكم موجودون.
(مارسيل خليفة) والقضية الفلسطينية
ولد مارسيل خليفة عام في بلدة (عمشيت) في جبل لبنان، و هو أحد أهم الفنانين العرب المنحازين والملتزمين بالقضية الفلسطينية، وهو مؤلف موسيقي ومغني وعازف عود ويتميز مارسيل دوما بأغانيه التي تأخذ الطابع الوطني.
شعر أبيض تغزوه بعض الشعيرات السوداء، عينان مضيئتان تحملان داخلهما ذلك الحلم القديم والوطن والحياة، ومن بين ثنايا جبال لبنان الشامخة استمد صوته، ومن جمال شجر الأرز.
استمد عوده ليعزف به ألحان الحياة الساحرة حين تمتزج بصوته الواضح الشجي، فيعطي كل ما يملكه من ألحان ويحتفظ بكل الحب والعيون المترقبة التي لا تحمل سوى رسائل فرح، تحمل نسائم الحب والحرية في موسيقى تطوف بالوجدان.
إقرأ أيضا : (فلسطين).. أطلقت شرارة الثلاثي (أم كلثوم ونزار وعبدالوهاب)
(مارسيل خليفة)، قيثارة الحب والأرض والخبز، موسيقى عوده تعيد في النفوس ليالي الأندلس وبغداد القديمة، وصوت يحرض على الحرية والانتماء والحياة، فنجح في خلق تجربة فنية فريدة أن يسافر بدراويشه إلى عوالم الفن الراقي، وأن يصبهم بتلك (العدوى) ليروا النور من خلال صوته.
ويرى في الموسيقى لفرقته الدائمة فيقول (الموسيقى شريكة حياتي، هى النفس الذي أعيشه يوميا، هى حلمي الجميل الذي يمنحني لذة نادرة، عشت الحرب والهجرة والمنفى وكانت الموسيقى تحميني وتعطيني قوة للأمل.. للحلم.. للصمود).
لم تختلف نشأة (مارسيل خليفة) عن كتير من أهل لبنان في ذلك الوقت، إلا أن ميلاده في بلدة (عشميت) بجبل لبنان أعطته القوة والصلابة بشكل كبير، فكان والده يعمل سائق أجرة في القرية ليوفر العيش لأسرته المكونة من زوجته وأبنائه (مارسيل وأنطوان وشقيقاتهما الأربع).
(مارسيل خليفة) بدأ بعزف العود
وفي خلال طفولته بدأ العزف على العود لتغزل يده على أوتاره صداقة قوية تجاوزت النصف قرن، وفي عام 1976 ترك خليفة لبنان إلى العاصمة الفرنسية باريس برفقته مجموعة من أصدقائه اليساريين.
حيث لم تكن لبنان وقتها تستوعب وجود الميول اليسارية، ليصدر أول أسطوانة له في حياته الفنية وشملت أربع قصائد لمحمود درويش، منها أغنيته الشهيرة (جواز سفر) ولحنها في طريق سفره من لبنان إلى باريس.
وكانت الأغنية تتناسب مع حالتها وقتها، وكان مطار بيروت مغلقا حينها، فاضطر إلى السفر بالطريق البري، (لم نتوحد مع الكون بل توحد الكون فينا).. بكلمات بسيطة نجح مارسيل أن يصف العلاقة الفريدة بينه وبين الشاعر الفلسطيني (محمود درويش) والتي تجاوز 30 عاما، ولم تنته بموت الشاعر الفلسطيني فما زالت أعمالهم المشتركة تحمل ذكراهم معا.
وقد دمج بين الموسيقي العربية والآلات الغربية كالبيانو وقد أدخل (الساكسفون) إلى الموسيقي العربية في واحدة من أهم أغانيه (يعبرون الجسر)، و قد عاد العود علي يده إلي الواجهة فارضا نفسه كآلة عزف منفرد بعد أن تخلت عنه الموسيقي العربية.
إقرأ أيضا : حريق المسجد الأقصى يلهب أغاني (فلسطين) بحناجر الكبار والشباب ! (3)
ومكنه في منتصف القرن العشرين لصالح آلات أكثر حداثة، خلال آواخر السبعينات والثمانينات لحن (مارسيل خليفة) أولا قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش مطلقا ظاهرة غناء القصيدة الوطنية الفلسطينية التي تمتزج فيها صورة الحبيبة بالأرض و الوطن.
وكانت البدايات مع (ريتا و البندقية، وعود من العاصفة)، وكانت مزجا بين جمال الكلمة المكتوبة وسحر اللحن مزجا بين العود و شعر محمود درويش فجاءت أغنية (أمي، جواز السفر) كشعار يردده الجمهور العربي في فترة ما بعد النكسة.
ثناية (مارسيل خليفة) و(محمود درويش)
شكل (مارسيل خليفة) و(محمود درويش) ثنائيا فريد وجميلا في أذهان الناس، جاء السحر الكامن في أغاني مارسيل وكلماته ليس فقط من قوة أدائه وموهبته ولكن أيضا من شخصيته وسماته الإنسانية.
ولمحمود درويش في قلب مارسيل مكانة خاصة (استخدمت قصائده في أعمالي لمدة 7 سنوات دون أن أسأله، واعتبرت أشعاره ملكية عامة للعالم العربي كله، بعد أن بدأت الحرب كنت في قريتي، محجوزا في مكان لم أكن متوافقا مع الخط السياسي فيه.
وكنت مضطرا لأن اختفي في منزلي، ولم يكن معي سوى أشعار (محمود درويش) وعودي، بعد 7 سنوات التقيت به وكان لقاءا رائعا، وكان فرح بأنني أوصلت هذه القصائد لكل الناس، حتي من لا يعرف منهم القراءة والكتابة، كطائر النورس يرحل بين البلاد و القارات ليقدم موسيقاه في سعي دؤوب لتوصيل فنه الراقي الساحر إلي أقصي حدود العالم.
غني (مارسيل خليفة) للحب وللسلام، وللوطن، وأنتج البومات موسيقية (أحمد العربي، عود من العاصفة، عالحدود، سلام عليك، ركوة عرب، مداعبة، جدل العود، كونشيرتو الأندلس، تصبحون علي وطن، حلم ليلة صيف، بساط الريح، الجسر، سعادة، تقاسيم، شرق).
إقرأ أيضا : (طوفان الأقصى) يتجسد في ألبوم (يا قدس يا حبيبتي) تحية لشعب (فلسطين)
وظني أن (مارسيل خليفة) صاحب رؤيا وهو مبدع، شغوف و هائم و عالمه الموسيقي يتغير بتنامي خبرته، فالعوالم الموسيقية المتعددة ذات شفافية وهي حاضرة داخله، لقد ركز مارسيل منذ التسعينات إلى الآن علي التلحين الموسيقي البحت أكثر من الغناء وأحدث ثورة في العزف علي العود و أخرجه من صورته النمطية .
وقام (مارسيل خليفة) أيضا بتأليف موسيقي تصويرية في العديد من المسرحيات مثل (حلم ليلة صيف، الأندلس، الحلم المفقود وإليسا، ملكة قرطاج) وقام مارسيل بقيادة فرقة اوركسترا شارك بها العديد من العازفين العالميين، وأصدر ألبوما جديدا باسم تقاسيم.
وقام بتأليف عمل موسيقي ضخم باسم (الشرق)، وتم عرضه في أوبرا لاسكالا في ميلانو .
(مارسيل خليفة) والتوزيع المعقد
لقد درس مارسيل الموسيقي العربية والغربية معا فيقول: (كنت أسمع المؤذن في المسجد القريب منا و الكورال يرتل بالكنيسة و أطرب لكليهما، يهزني (بيتهوفن) كما تهزني أم كلثوم.
وعندما استعملت الأوركسترا لم يكن ذلك فقط بغرض استخدام التوزيع المعقد وتنوع الآلات الموسيقية بل لأقول: (إن موسيقي العرب تستطع أن تتفاعل مع الرؤية العلمية والقواعدية لمفهوم الاوركسترا و هي جزء من موسيقي العالم).
و قد حصلت علي جائزة العمل الأول من أكاديمية (تشارلز كروس) في فرنسا لأنهم صدقوا محاولتي ولم يعتبروها تجريبا بل عملا فنيا مكتملا.
عندما استضافه الإعلامي (محمود سعد) لبرنامج (البيت بيتك) في 17 ابريل 2008، ومن خلال الحوار معه عبر مارسيل عن نفسه وموسيقاه وهمومه ورؤاه بشكل بسيط وعذب.
إقرأ أيضا : سينما (فلسطين) تشرب من نفس كأس ظلم القضية ! (1)
فعندما سأله (محمود سعد): هل تشعر أنك حققت شيئا؟، أجاب (مارسيل خليفة): ما زلت حتي اليوم أبحث عن جملة موسيقية جديدة وعمل جديد، أي إنني في حالة بحث مستمرة.
لان السعي لتحقيق شيء أجمل بكثير من الوصول إليه، وإذا شعر الفنان أنه قد وصل، فهو يعلن حينها إن رسالته انتهت، وقد عبر (مارسيل خليفة) عن علاقته بفن (سيد درويش).
فقال: شكل سيد درويش مرحلة مهمة في تاريخ الغناء العربي وأصبح له كيان، ولا يوجد عمل فني اليوم ليس متأثرا بأعماله، وبأن هذا التأثير لازال ممتدا ومستمرا حتي يومنا هذا.
وأضاف (مارسيل خليفة): إن سيد درويش حقق انجازا كبيرا في فترة زمنية قصيرة حيث أنه لم يعش طويلا، ويري بأن ما يميز سيد درويش هو: البساطة الصعبة جدا، ففي أعماله بساطة تحتاج من مبدعها لمجهود كبير حتي تصل إلي الناس بهذه السهولة.
كانت هموم الناس في ذهنه وريشته، ونصه ومسرحياته، فهو لم يهمش الناس، ولكن كان يستفيد من كل ما يجري علي الساحة حتي يستعمله في أعماله الفنية، عكس ما يحدث الآن من احتلال وسطو على الناس، وتلوث فني كبير.
علينا أن نرفضه ونعود لتلك البساطة والالتزام بالناس، هناك اليوم سقوط ليس فقط في السياسة، ولكن في الفن والحياة عموما، ويجب أن نتدارك هذا قبل فوات الأوان .
ويري (مارسيل خليفة) بأنه يفترض أن تكون كل أنماط الغناء موجودة، ولا يجب فرض نوع واحد من الغناء، و لكن هذا ما يحدث الآن لأن الفن المنتشر حاليا يندرج تحت عنوان فن الترفيه.
ولكن للأسف هو ترفيه مخجل، فيه تهميش للناس، و ربما يكون هذا التهميش مقصودا لإلهاء الناس عما يحدث في الحياة السياسية، وهى مسالة خطيرة جدا، وإذا لم ننتبه لها ستكون النتائج أبشع مما نحن فيه اليوم، وأعتذر عن هذه المأساوية، و لكني متيقن من أن الأمل ما زال موجودا.
(مارسيل خليفة) وسيد درويش
ويؤكد (مارسيل خليفة) على أنه تعلم كثيرا من موسيقيين قدموا انجازات حقيقية ليس فقط سيد درويش، ولكن عبد الوهاب ، وأم كلثوم، والإخوان رحباني، كل هذا شكل معهدا موسيقيا آخر.
بالإضافة إلي التراث والقدود الحلبية، الموشحات والموال المصري، كل ذلك شكل المادة الأساسية في داخلي، أضف إلي ذلك موسيقي الشعوب، وموسيقي البحر في الخليج التي كان يغنيها الصيادون وهم يبحثون عن اللؤلؤ .
ويكمل (مارسيل خليفة): لست أكيدا من كل ما أقدمه، فليس هناك شيء كامل و كل شيء بحاجة إلي تطوير دائم، وإعادة نظر باستمرار، لأن الأشياء متحركة.. السكون هو الموت.
ويرى (مارسيل خليفة) إن التزام الفنان هو البحث عن جملة موسيقية جديدة، ويقول: أنا كموسيقي يجب أن اهتم بالموسيقي وليس بما حولها، يعني يجب أن انتبه للموسيقي نفسها كي استطيع أن اخدم القضية التي أغني من اجلها استمر بالبحث عن جملة موسيقية جديدة هو الأهم.
وكثير من الأعمال الموسيقية الخالدة وجدت الخلود، لأنها قدمت مضمونا موسيقيا متقدما.
وعن قيثارة لبنان الأبدية يقول (مارسيل خليفة): بكثير من الحب الدافئ: لولا فيروز لكنت يتيم الأم، كنت أحمل سنين قليلة وأمشي ولدا على الطريق الطويل في اتجاه الأغنية أبحث عن أمي.
(وحدنا يا ورد راح نبكي): هذا هو طعم أغنية فيروز الأول فتشت فيها عن أمي وبعد سنين، فتشت عن حبيبتي، وفتشت فيها عن وطني وليس المكان الذي ولدت فيه هو وطني.
إقرأ أيضا : السينما السورية عالجت قضية (فلسطين) بصورة تتفوق على المصرية ! (2)
كان صوت فيروز وأعمال الأخوين رحباني وطني، شموع كثيرة تضاء كل يوم لفيروز، لكنا أقل من الشموع التي أضاءتها طيلة هذه السنوات مع الأخوين رحباني للعشّاق للحب للحرية وللوطن.
تعرض (مارسيل خليفة) فنان السلام لعدد من الأزمات، أبرزها دعوي قضائية عام 2003 لأنه في إحدي أغانيه تحديدا قصيدة (أنا يوسف يا أبي) استخدم تعبيرا قرآنيا فهي قصيدة تستلهم قصة يوسف عليه السلام من القران في إسقاط علي القضية الفلسطينية، وقد تم تبرئة مارسيل منها .
في عام 2007 صوت مجلس النواب البحريني علي تشكيل لجنة تحقيق في عرض لـ (مارسيل خليفة) و(قاسم حداد) باسم (مجنون ليلى)، و قد اتعب هذا التعصب (مارسيل).
و قال (من أدانوا قيس و ليلي و هو عملي المسرحي الذي قدمته في البحرين لم يروه أصلا، و لا يشاهدون أي عمل فني، هى فقط صورة في جريدة قدموا بعدها استجواباً في مجلس النواب البحريني).
أنا حاولت أن أعطي (قيس و ليلي) معني إنسانيا في علاقتهما، يضمها و يغمرها و يرقصان ويغنيان معا، و قد أحب العرب دائما بهذه الطريقة العميقة، شيء فظيع ما وصلنا إليه في هذا الوطن بحيث لا نستطيع تقديم قصة حب من تراثنا كتبت قبل ألف عام من روميو و جوليت.
مارسيل خليفة والسؤال المحرم
الدين ليس بحاجة للدفاع عنه، والرسالة قوية في حد ذاتها، ولكن أمورا أخري بالحياة أولي بالحل، هل يعقل إن طرح الأسئلة حرام؟ !
السؤال محرم في حياتنا السياسية والدينية والاجتماعية، لقد خلقنا أحرارا وهذا المجتمع لابد أن يعبر عن مكنوناته وفرحه وغضبه وألمه، كيف ننظر للجمال بكل هذا الحقد؟!
لقد اختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة (اليونسكو) اسم (مارسيل خليفة) عام 2005 سفيرا للسلام.
إقرأ أيضا : فلسطين.. الدراما التلفزيونية تجسد سجل المرارة والألم (1)
وقد تعهد في رده علي هذا الاختيار أن يطلق موسيقاه وصوته نشيد حب وتوحد مع ضحايا الاضطهاد أيا كان أشكاله دون التردد في اختيار قضية الأطفال في البلدان النائية و الفقيرة خاصة ذوي الإمكانات الواعدة والمواهب التي يمزق البؤس والجهل والإهمال أشرعتها فتغرق دون أن تبحر .
في أبريل 2008 جاء (مارسيل خليفة) ليحيي حفلا في دار الأوبرا المصرية في القاهرة في ذكري مرور ثلاثين عاما علي صدور صحيفة (الأهالي) وبهذه المناسبة عقد مؤتمر صحفيا في نقابة الصحفيين المصريين تلا فيه بيانا ذا مضمون أدبي وسياسي.
بدا فيه بكلمة ساحرة ومؤثرة: (اعتدت دائما أن احتضن العود ذلك العود المجنون الذي استفرد وفتك بي، وذلك الوتر الناعم الملمس كجسد المرأة الطالعة من لهفة الحب، كنت و ما زلت أتساءل كيف يتسني لتلك الغابات أن تنبت كل هذه الأشجار وتصبح مخلوقات فاتنة كالعود).
ولكنني اليوم لابد من أضع العود جانبا وأستعين بالكلمة وأنا عاشق لا يكف عن استدراج الكلمات للرقص علي الأوتار، وأدان (مارسيل العدوان) البربري علي كرامة وأدمية الفلسطيني في غزة وعلي كرامة و أدمية العراقي في بغداد و الموصل.
معتبرا أن (الذي يسفك دم الأطفال و النساء في جباليا و خان يونس وبيت حانون وديالي وبعقوبة وبغداد وسامراء والبصرة هو نفسه الذي سفك دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا في (قانا، وصور وبنت جبيل).
أشهر أقوال (مارسيل خليفة):
** إن الفن ليس شغب أو خطيئة، موضحا أن أغنية (أنا يوسف يا أبى) نصها لمحمود درويش وضمن هذا النص بجزء من سورة يوسف، وأنا قمت بترتيل بعض الآيات القرنية لكى أوفقها مع العود.
** نعت بالزنديق والكافر بالإضافة إلى أنهم قالوا عنى نصرانى، وتابع مبتسما: (أنا لم أتذكر أننى كنت نصرانياً.. كنت دائماً مدافع عن القضايا العربية الكبرى).
** إن الانحطاط الذي نتعرض له ليس ناتجا عن قصور ذاتي في الأشخاص بوصفهم أفرادا تنقصهم المعرفة والموهبة، ولكنه نتاج موضعي للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي، الذي تحميه المؤسسات والسلطات وتقوم عليه.
** إن حرمان المجتمع من التعبير عن الرأي يؤدي مع الوقت الى صدأ الحساسية الثقافية، فلا بد من طرح أسئلة بسيطة يجري تفاديها الآن مثل العدالة الحرية والاحتلال والمقاومة والأخلاق الطائفية المذهبية والقيم المهدورة واختلاف الفوارق المادية الناضجة.
** إن الفضائيات العربية المدعومة بامكانات أموال النفط الهائلة لا تخدم قيم الثقافة، ولا تبالي بالجماهير، حيث تكرس لأعمال وأشكال غنائية في صورة أقرب إلى (مد طافح بالقذارة).
** إن اللحظة الكونية الحالية تجعل المثقف أكثر تمسكا بالتزامه الحر، وأكثر وعيا بدوره الحضاري في تقدم البشرية، فرغم غطرسة الدول وتخبط القوى السياسية، يظل للأفراد المبدعين والمثقفين أدوارهم بالغة الفعالية.
** ليس من الحكمة أن يتخلى المبدع عن أحلامه، وأن المبدعين هم أكثر الكائنات مقدرة على الحلم حتى لو لم يجدوا فضاء رحبا في سياق يحاصر الإبداع الإنساني، وتسوده مفاهيم غامضة لشروط السوق والتسليع الفاجر للفنون.
(مارسيل خليفة).. شاعر متمرد
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان الكبير (مارسيل خليفة)، فهو ليس فقط مؤلف موسيقي ومغني وعازف، ولكنه أيضا شاعر متمرد تحمل أشعاره أحلامه وجرأته، وتكشف عن روحه المخبأة ، ينفذ شعره إلى لحم الأشياء و دمها، لايساوم في أشعاره كما لا يساوم في فنه، يقفز داخل أطواق النار، يحمل وطنه في قلبه و وحبه في كفه.
إن مارسيل خليفة بموسيقاه وأغانيه وأشعاره يحول الكلمات والألحان إلى صور ولوحات ورؤي تمنح البشر فرصة لابتداع حلم قد لا يكون بعيد المنال، لا نملك إلا أن نحي هذا الفنان المبدع الذي يواصل مسيرته الفنية بتفاؤل و نهم ليكون فنه مصدر حب للجمهور العربي و الهام للموسيقيين من كافة أنحاء الدنيا.