روسيا.. روح شرقية راسخة في قلب ووجدان الفن المصري! (1/2)
* إبراهيم ناجي وفتوح نشاطي يدشنان الأدب الروسي على المسرح المصري
* محمد فوزي ينشر الفن السوفيتي فى (ظلموني الحبايب)
* المخرج إبراهيم عماره يكتب الخلود لشكري سرحان وماجدة فى (الجريمة والعقاب)
* الاتحاد السوفيتي يهدي فاتن حمامه (نهر الحب) أيقونة أفلامها العاطفية
* سيد مكاوي يرحب بعالمة الفضاء الروسية (فالنتينا) فيقرر الرئيس (خروشوف) إعادة البصر إليه
كتب: أحمد السماحي
مع انتهاء زيارة الرئيس عبد الفتاح إلى روسيا أول أمس السبت بعد حضوره قمة (أفريقيا – روسيا)، وذلك بهدف دعم وتعميق العلاقات المتميزة والتاريخية بين القارة الأفريقية وروسيا، بالإضافة إلى تعزيز التشاور بين الجانبين حول كيفية التصدي للتحديات المشتركة، وحرص البلدين على تدعيم التعاون بينهما ومواصلة التشاور المكثف حول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك عادت بى الذكريات إلى الفترة التى توطدت فيها العلاقات بين البلدين فى الخمسينيات والستينيات، وازدادت قوة بتوالى مراحل نضالنا الوطنى من أجل التحرر والاستقلال والتنمية الاقتصادية.
لقد اعترفت مصر بالاتحاد السوفيتى – روسيا حاليا – أثناء الحرب العالمية الثانية فى عام 1943 مع تعاظم الدور العسكرى السوفيتى فى صد قوات النازى، ولكن بدأ التقارب الحقيقى بيننا بعد ثورة 23 يوليو 1952، وبالذات بعد عقد (مؤتمر باندونج) الذى ضم الدول التى آمنت بالحياد فى إبريل 1955، فلقد سئمت كلها الحرب الباردة التى كانت تهدد العالم بالفناء، وأرادت أن تتبنى طريقا ثالثا بين القطبين الأعظم فى ذلك الوقت؛ الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة.
أقرأ أيضا : وحيد الخان .. في موسكو بدعوة من اتحاد المؤلفين الموسيقيين الروس
تبدو العلاقة بين روسيا ومصر ودية ودائمة، وفي أوجها منذ أقيمت قبل 80 عاما وحتى الآن، ولم يحدث فتورا فى العلاقات سوى سنوات قليلة فى عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم عادت بعدها العلاقات أقوى مما كانت، وزادت أواصرها فى السنوات الأخيرة، ولروسيا تاريخ فني وثقافي كبير مشترك بينها وبين مصر، فهى من الدول التي تركت علامة بارزة في الأدب والموسيقى والسينما على مستوى العالم، وقد تأثر المصريون والفن المصري بالتجربة الروسية في الأدب من خلال أعمال الأدباء (تولستوي، تشيكوف، دوستوفيسكي) وغيرهم، وفي الموسيقى كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تستهويه بشدة سيمفونية (شهرزاد) للموسيقار الروسي (كورساكوف) وكان مفتوناً بالعبق الشرقي لهذه السيمفونية الخالدة في تاريخ الفن الروسي والعالمي.
الخال فانيا.. والمسرح في روسيا
انتبه الفن المصري لأهمية الأدب في روسيا مبكرا، وقبل قيام العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي ومصر في 26 أغسطس 1943، حيث قدم المسرح القومي عام 1936 رواية (الجريمة والعقاب) للأديب الروسي (دوستوفيسكي) على خشبته، وقام بترجمة الرواية الشاعر الكبير (إبراهيم ناجي)، والفنان (فتوح نشاطي)، وقام بإخراج الرواية بعد مسرحتها الرائد المسرحي (عزيز عيد)، وأعيد عرضها أكثر من موسم، وبعد النجاح الكبير لهذا العرض المسرحي، توالت العروض المسرحية المقتبسة عن أعمال روسية، لعل أشهرها (الجلف) لتشيكوف، إخراج (زكي طليمات) التى قدمتها فرقة المسرح المصري الحديث عام 1951.
ولم تقتصر الأعمال المسرحية على عمل أدبي يتم تحويله إلى مسرحية، فقد شهدت خشبة المسرح المصري فى ظل التعاون الثقافي بين مصر وروسيا فى بداية الستينات، وبالتحديد عام 1963 استعانة المسرح القومي بالمخرج الروسي الشهير(لسلي بلاتون) لإخراج مسرحية (الخال فانيا) التى صمم ديكوراتها الفنان التشيكلي صلاح عبدالكريم، وشارك فى بطولتها (عبدالله غيث، سميحة أيوب، محمد الدفراوي، ناهد سمير، محمد الطوخي، حسن البارودي)، والعمل كما يقول الناقد المسرحي الكبير الدكتور (عمرو دواره) يعتبر أحد روائع الكاتب الروسي (تشيكوف) وواحدة من مسرحياته الأربع الكبيرة (بستان الكرز، النورس، الشقيقات الثلاث، الخال فانيا).
فى السبعينات وتحديا عام 1978 قدم الفنان والمخرج عبدالرحيم الزرقاني رائعة تشيكوف (طائر البحر) للمسرح القومي، وكانت آخر الأعمال الروسية التى قدمت على خشبة المسرح مسرحية (الجريمة والعقاب)، والتى أعاد تقديمها المخرج حماده عبدالحليم عام 2003 برؤية جديدة على خشبة المسرح القومي.
كنز السينما في روسيا
إذا إنتقلنا لمجال آخر وهو السينما نجد أن السينما المصرية اكتشفت في روسيا كنزا من الأدب فأقبلت على تحويل معظم روايات كبار كتابه إلى أعمال سينمائية، دون أن تشير فى بعض الأحيان إلى المصدر الرئيسي، كما حدث في قصة (البعث) لـ (تولستوي) التى حولها السيناريست (يوسف عيسى) عام 1953 إلى فيلم غنائي شهير، قام بإنتجه الفنان محمد فوزي بعنوان (ظلموني الحبايب) بطولة صباح وعماد حمدي وفريد شوقي، إخراج حلمي رفلة، دون أن يشير فى (تترات) الفيلم إلى أنها قصة (تولستوي)، هذه الرواية تم تحويلها أيضا إلى فيلمين آخرين هما (دلال المصرية) عام 1970 إخراج حسن الأمام، الذي ركزعلى شخصية الفتاة، وفيلم (أشياء ضد القانون) إخراج أحمد ياسين عام 1982.
الجريمة والعقاب من روسيا
بعد فيلم (ظلموني الحبايب) عام 1953 المستمد من الأدب الروسي، توالت الأفلام وكان لرواية (الجريمة والعقاب) النصيب الأكبر من التحويل، فهى تتناول فلسفة الخير والشر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وليس من المستغرب أن تكون هذه الرواية التى كتبها (دوستوفيسكي) عام 1866 هى أكثر رواية إعدادا فى الأفلام السينمائية، فهى بقدر ما تستهوي فناني السينما بعمقها بقدر ما تستهوي المخرجين بأحداثها، إذا تبدو لهم وكأنها ميلودراما عن طالب يضطره الفقر إلى القتل ويدفعه الندم وذكاء المحقق إلى تسليم نفسه للبوليس.
هذه الرواية الخالدة القادمة من روسيا قام المخرج (إبراهيم عمارة) عام 1957 بتحويلها إلى فيلم بنفس الاسم أيضا، لكن مصرها السيناريست (محمد عثمان) وجعل أحداثها تدور فى مصر، وقام بالبطولة (شكري سرحان، ماجدة، زهرة العلا، محمود المليجي، عبدالمنعم إبراهيم)، وأعيد تقديمها فى السبعينات وبالتحديد عام 1977 من خلال فيلم (سونيا والمجنون) بطولة محمود ياسين ونور الشريف إخراج حسام الدين مصطفى، وفى الثمانينات قدمت فى فيلمين الأول عام 1982 بعنوان (المعتوه) بطولة (محمود عبدالعزيز، عفاف شعيب، مجدي وهبة)، إخراج (كمال عطية)، والثاني عام 1984 تحت عنوان (الفقراء لا يدخلون الجنة)، بطولة (محمود عبدالعزيز، يوسف شعبان، أثار الحكيم)، ما يعنى مدى ملائمة هذه النصوص للأجواء المصرية.
آنا كارنينا.. رواية رائعة من روسيا
فى نهاية الخمسينات أدرك الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أهمية السينما، ودعمها بشكل مباشر، وقام بتطبيق نظام التعليم الروسي في مصر بإنشاء المعهد العالي للسينما عام ١٩٥٩، وفي هذه الفترة تحديدا تقاربت السينما المصرية مع نظيرتها في روسيا خلال مرحلة الازدهار والتطور التي شهدتها العلاقات السياسية والثقافية بين الدولتين، والتي انعكست في مجال السينما بصورة ملحوظة، وخلال تلك الفترة 1960، تم إنتاج واحدا من أهم أفلام السينما في مصر وهو (نهر الحب) المأخوذ عن رواية (آنا كارينينا) للكاتب الروسي (ليو تولستوى)، والذى قام بإخراجه عز الدين ذو الفقار الذى كتب له السيناريو والحوار مع السيناريست يوسف عيسى، وقام ببطولته (فاتن حمامة، زكي رستم،عمر الشريف، زهرة العلا، فؤاد المهندس).
وفي هذه الفترة أيضا جرى التبادل الثقافي السينمائي بين مصر وروسيا على أعلى مستوى، فكان يعرض فى دور العرض الروسية العديد من الأفلام المصرية بعد دبلجتها إلى اللغة الروسية، وفي القاهرة أنشئت دار عرض حملت اسم (كوزموس)، وهى كلمة روسية ترتبط بإنجازات الروس في عالم الفضاء، وتخصصت فى البداية في عرض الأفلام الروسية لتعريف جمهور القاهرة وعشاق السينما على الفيلم الروسي، كما شهدت النوادي الثقافية فى مصر إقامة مهرجانات سينمائية روسية أهمها (مهرجان الفيلم السوفيتي)، كما كتب أديبنا الكبير يحيي حقي فى جريدة (المساء) يوم 12 نوفمير 1962 تحت عنوان (تحية لمهرجان الفيلم السوفيتي)، حيث عرض فى هذا المهرجان مجموعة من روائع السينما الروسية ولمدة أسبوع.
سيد مكاوي يرحب بفالنتينا من روسيا
فى 14 مايوعام 1964 أعطى الزعيم الخالد جمال عبدالناصر إشارة البدء بتحويل مجرى مياه نهر النيل، وقد شارك في الضغط على زر التفجير معه الرئيس السوفيتي “نيكيتاخروشوف”، وأول رئيس للجمهورية العربية اليمنية (عبد الله السلال)، وأول رئيس للجمهورية العراقية (عبد السلام عارف)، وأول رئيس للجمهورية الجزائرية (أحمد بن بيلا)، والرئيس السوري (شكري القوتلي)، وكذلك نخبة من رواد الفضاء في روسيا، ومعهم الرائدة الشهيرة (فالنتينا تريشكوفا)، والمهندس صدقي سليمان وزير السد العالي، وهلل المصريون فرحاً لتحويل مجرى نهر النيل وأقاموا لهذا احتفالاً كبيراً في البر الغربي لأسوان.
واستمرالحفل إلى ساعة مبكرة من الصباح، كانت سهرة أحيا فيها الفن يوما من أخلد تاريخ أمتنا، بدأ الحفل الكبير الذى نقلته الإذاعة والتليفزيون فى وقت واحد، في الساعة العاشرة مساء بمجرد وصول الرئيس جمال عبدالناصر، وضيوفه من الملوك والرؤساء العرب والأجانب، كانت أولى فقرات الحفل فاصلا موسيقيا قدمه أوركسترا القاهرة السيمفوني، عزفت فيه كونشرتو عبدالوهاب، وهى مجموعة من ألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب، جمعها موسيقار روسيا (أميروف) في قطعة واحدة، وبعد الفاصل الموسيقي قدمت فرقة رضا الاستعراضية لوحة غنائية استعراضية من ألحان على إسماعيل بعنوان (قطار الثورة)، اشترك فيها محمود رضا وفريدة فهمي، وقد ألهب هذا الاستعراض بالألحان الحماسية المتوثبة وحركات الراقصين الرائعة المعبرة عن فرحة الشعب بهذا الحدث العظيم حماس (خروشوف) وكل الرؤساء العرب، واشتركت الفرقة الموسيقية العربية التى أنشأتها إدارة موسيقات الجيش بقيادة أحمد الحفناوي، وعزفت مقطوعة موسيقية بعنوان (العيد).
بعد ذلك جاء دور الغناء فقدمت المجموعة أغنية (حنبنى السد) من كلمات الشاعر فؤاد حداد، وألحان عبدالعظيم عبدالحق، واشترك سيد مكاوي فى الحفل حيث غنى أكثر من أغنية منها أغنية ترحيب بأول رائدة فضائية من روسيا، من ألحانه وكلمات صلاح جاهين والتى يقول مطلعها:
فالنتينا فالنتينا.. فالنتينا أهلا بيكي نورتينا
أهلا أهلا بالصداقة.. بين واديكي ووداينا
غنوا غنوا.. غنوا لفالنتينا
فالنتينا يا حبيبة.. أنتي بينا مش غريبة
كل أسوان عارفة روسي.. وعارفة كلمة أسبسيبا
أسبسيبا يعنى شكرا.. شكرا يعني أسبسيبا
شكرا تم السد العالي.. بعد ما أسهرنا الليالي
والعمل يجمع ما بينا.. الجنوبي مع الشمالي
ابن فاطمة أبن فاطمة.. وابن نينا
غنوا غنوا.. غنوا لفالنتينا
وبعد انتهاء سيد مكاوي من فقرته أعجب الرئيس الروسي (خروشوف) بصوته وقرر ترجمة أغنيته (فالنتينا) إلى الروسية، وفى عام 1971 اهتمت روسيا بالشيخ سيد وعرضت عليه علاج عينيه على نفقاتها الخاصة، وعلى أيدي أطباء روس، وكانت العقبة الوحيدة هى إيجاد متبرع بعينين أو حتى واحدة، لتحقيق الأمل الذى طال انتظاره، وحالت ظروف الشيخ سيد الشخصية وإنسانيته وحبه الشديد لأمه دون تحقيق ذلك، خاصة إنها هى التى قررت أن تتبرع لها بعينيها.
شيئ من الخوف في روسيا
ظلت العلاقات الفنية بين مصر وروسيا تشهد تعاون كبير بين البلدين ففى عام 1969 أقيم مهرجان (موسكو الدولي) الذى يتناوب العمل مع مهرجان (كارلو في فاري) في تشيكوسلوفاكيا، وشاركت مصر بفيلمي “شيئ من الخوف” لحسين كمال، داخل المسابقة الرسمية، وفيلم (الأرض) ليوسف شاهين خارج المسابقة الرسمية نظرا لعضوية يوسف شاهين فى لجنة التحكيم.