بقلم : محمد شمروخ
لا أظن أنه يمكن تجاهل ما ورد في الحوار الطويل الذي أجراه الكاتب الصحفي والإعلامي الشهير نصر القفاص، مع إحدى القنوات التى تبث على شبكة الإنترنت، حتى ولو بدا الصمت المريب هو رد الفعل القائم حتى الآن، ولكى لا نكتب عن أنفسنا، فما ذكره نصر القفاص لا يجب الوقوف عند التسليم بحقيقة وجوده فقط، بل لابد من مراجعته جميعاً، لأن تلك الملاحظات الحادة التى أبداها القفاص، همهمت بها كثير من الصدور ثم صارت زفرات تطلقها الألسنة في كلمات اعتراض ما بين الرجاء والتخوف والخوف!.
إقرأ أيضا : الإعلام المصري بحاجة إلى يد حانية من جانب الرئيس السيسي
هنا لا أتحدث عن فريق المعارضين، بل أعنى فريق فريق المؤيدين، لاسيما الذين سبق أن دفعتهم مثل ملاحظات وانتقادات نصر القفاص تحت ضغط هائل من الإحباط إلى الابتعاد نحو أبعد نقطة عن مركز الدائرة دون أن يتجاوزا محيط الدائرة نفسها، ذلك المحيط الذي لا يريدون الخروج منه، لأن الرجاء لم يزل يحدوهم في أن ينتبه السادة القائمون على الأمور، إلى أن بعض الممارسات يمكن أن تشوه المرحلة كلها دون حاجة ملحة لكثير مما يجرى.
ويمكننى أن أحسب نفسي من الذين لم يزل يحدوهم الرجاء في تلافي مثل تلك التصرفات، فلا يمكن أن يظل الجمود السياسي والإعلامي بهذا الشكل الذي وصفه نصر القفاص، حتى أنه لا يمكن أن تشير بأحد أصابع يدك إلى مؤسسة سياسية حقيقية، بعد أن تحولت الأحزاب القائمة إلى ما يشبه الجمعيات الخيرية كمثل تلك الجمعيات التى غنت ليلى مراد في حفلتها وهى تراقص شخصاً لا نعرف ملامحه (أنا قلبي دليلي قالى هتحبي).
نصر القفاص والمشهد السياسي
الأمر ليس فيه أي سخرية بل أراه وصفا – بحسب نصر القفاص – للمشهد السياسي بين أحزاب ترقص لكنها فشلت جميعاً في ملء الفراغ السياسي الذي وقع إثر حل الحزب الوطنى الذي مازال هو حزب الأغلبية – في رأيي الشخصي ولا ألزم به غيري- وكذلك تيارات سياسية خفت صوتها العاقل واختلطت أصواتها ما بين الصراخ والفحيح، فالحقيقة الماثلة والموجعة أن البناءين السياسي والإعلامي خلال العقد الماضي، لم يلقيا الاهتمام الذي يجرى في مجال البناء المادى المعمارى.
وبدون ادعاء عن حصولى على أي معلومات، لكنى على ثقة من أن حوار نصر القفاص الطويل، كان موجعا لكثيرين، وأولهم أولئك الذين اضطرهم الخوف على الوطن أو المرتجون لما هو أفضل، فكثيرون يصمتون حتى لا يفسر كلامهم على أنه موقف ضد مصلحة الوطن تحت أجواء ملبدة بضباب الشك أو غيوم التشكيك، ولكن كان لابد من أن يخرج صوت من بين (مؤيدى الدولة) ليعلق جرسا في عنق القط وهو يعترض على كثير من الظواهر التى يمكن أن تشوه المرحلة التى سبق أن أيدها ومازال يراهن عليها مع هؤلاء المؤيدين.
إقرأ أيضا : (الاحتكار) أجهض كل محاولات تحسين المحتوى الدرامي المصري!
وكان لابد ألا يكون هذا الصوت في مجرد تويتة أو بوست أو حتى بمقطع فيديو مسجلا أو في بث مباشر، فما حدث كان حوارا متلفزا على منصة إليكترونية ملتزما الشكل التقليدي للحوار التلفزيونى المعتاد وهو ما أعطاه الزخم الذي جعله يحقق ملايين المشاهدات والتفاعلات يوميا، فلو كان ما حدث في كتابة تويترية أو فيسبوكية، لكان أشبه بالأحاديث المعتادة في صالونات المنازل ومهما حقق من لايكات وتعليقات لانتهى إلى مجاهل النسيان خلال يوم أو يومين على الأكثر.
كما لا يمكن اعتبار تويتر أو فيسبوك منابر رأي، فمثل تلك المنابر قد تحولت الى منتديات ثرثرة عملاقة مهما بدا من قيمة ما ينشر فيها ما لم يتخذ شكلاً تقليديا يحيل إلى رابط لبرنامج أو مقال بموقع صحفي أو منصة إعلامية، فيعمل فيسبوك وتويتر حينئذ عمل الوسيط وليس المجال، فما يكتبه نفس الشخص على صفحته قد يكون أكثر جرأة من هذا الحوار المتلفز، لكن الظهور في شكل حوار أعطى له جدية ووضوح أكثر من مجرد تنفيس على مكنونات الصدور.
حوار نصر القفاص يوجع
ولابد أن يوجع حوار نصر القفاص السادة أصحاب الرأي الحر من مؤيدى الدولة لأنهم رأوا حوارا ينتقد بشكل مباشر ولاذع وموجه إلى رموز كثيرة للدولة مباشرة، دون أن ينزلق الحوار إلى هاوية الحنق أو يسقط في مستنقع البذاءة.
إننا جميعاً شاهدنا نصر القفاص نفسه مؤيداً لتجربة 30 يونيو ويقف في الصف المواجه لجماعة الإخوان ومدافعا عن ثوابت الدولة معلنا ذلك بلا مورابة، على الرغم من أنه ابتعد تماماً عن الساحة الإعلامية بكل تشكيلاتها مكتفيا بممارسة الكتابة على صفحته بموقع فيسبوك، وكان يتطرق إلى موضوعات تاريخية ويبث آراء ويضع تحليلات ويبذل مجهودا بحثيا على الرغم من أن هذا لا يتناسب مع الطبيعة الفيسبوكية، لكنه بدا كمن اعتزل المجال العام حتى لا يتقيد بإجراءاته التقليدية المملة والخانقة.
إقرأ أيضا : غياب المنافسة يهدد صناعة الدراما المصرية (1)
ولا أظن أن الأستاذ نصر القفاص أراد أن يحترف المعارضة لأجل استعادة شهرته كإعلامى قدم برامج يومية ذات تاثير جماهيرى كبير، وإلا كان عليه أن يقتنص فرصاً أخرى كانت ستتيح له فرصة تسجيل اسمه في بورصة المعارضين في الخارج بما تزخر به من إغراءات مادية نعرفها جميعاً.
فالموجع الحقيقي لمن يتحسسون مواطن الوجع، أنه أجرى الحوار بلا مقابل، سوى أنه يريد أن يتكلم ليبلغ صوته لمن يريد أن يسمعه، وأظن أن حوار نصر القفاص قد أوجع فيما أوجع بعض السادة زملاء المهنة من مؤيدى الدولة الذين أرادوا التعليق اعتراضا عليه أو تفسيراً أو تفنيدا، لكنهم لم يفعلوا لا كتابة في الصحف ولا بثا على المنصات الإلكترونية أو الشاشات التلفزيونية.. وأظن أن هذه الأخيرة هى أوجع الأوجاع!.
فدع جانبا الملاحظات حول أسلوب المسئولين أو إطلاق تعبيرات التفخيم والمبالغة في التعظيم، فتلك أشياء لابد وأنها ستذوب يوما، فالغالب أنها لم تكن إلا رد فعل على موجات الانهيار الأخلاقي في لغة الخطاب العام من جراء الانهيار العظيم للأخلاق على أثر ما وقع عقب ثورة يناير 2011 (التى يعترف بها الدستور علشان محدش يزعل).
فأعظم الأوجاع وأشدها إيلاما هو ذلك الصمت المطبق، بينما طرف العين يرمق منتظراً الإشارة بالرد.. مهما كان هذا الرد مع أو ضد أو ما بينهما، وأنه لوجع عظيم أزعم أنه ليس في قلب نصر القفاص وحده، بل وفي قلبي وأزيدك بأنه كذلك في قلب كل من أمسك قلما ليكتب مقالا أو تحليلا على مكتب في جريدة، أو جلس مستسلما لفني الصوت بالاستديو وهو يثبت له المايك في عروة الجاكيت قبل أن ينطق بكلمة واحدة!