بقلم : بهاء الدين يوسف
فيلم رد قلبي المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب الصحفي والروائي الراحل يوسف السباعي من الأفلام الموسمية التي تربى جيلنا على مشاهدتها في الذكرى السنوية لثورة يوليو أو الحركة المباركة – كما أطلق عليها الضباط الأحرار – قبل أن تتحول بفضل البعض ممن كانوا ينشدون رضاء الضباط إلى ثورة يوليو المجيدة.
لا أعتقد أن أحدا من الذين شاهدوا فيلم رد قلبي، في صغرهم لم تجري دموعه حزنا وألما على لوعة الضابط الشاب علي المحروم من حبيبته بنت الباشا إنجي بسبب رفض والدها (المتعجرف) زواجها من ابن الجنايني، وكيف صدقنا بسهولة رسالة الفيلم في تصوير انقسام المجتمع بين طبقة تملك وتتحكم في كل شيء وطبقة أخرى تقدم كل ما لديها لخدمة الطبقة الأولى.
ونحن نشاهد فيلم رد قلبي، مرارا وتكرارا نسى أغلبنا بعض التفاصيل التي غابت عن أحداثه أبرزها تجاهل وجود طبقة متوسطة كانت محورية وفاعلة في المجتمع المصري في الفترة بين ثورتي 1919 و1952، وهذه الطبقة كانت تتمثل في طبقة الموظفين والمثقفين وصغار التجار أو ممن يطلق عليهم في التعريف المجتمعي (البرجوازية الصغيرة)، لكن الفيلم لم يشر إليها من قريب أو من بعيد.
رد قلبي والانتماء الطبقي
كذلك لم نلتفت في الغالب لتفاصيل صغيرة في فيلم رد قلبي، في ظل تعاطفنا مع (علي) الذي حرمه انتمائه الطبقي المتدني من تحقيق حلم حياته بالزواج من حب عمره، ولم نلتفت مثلا إلى أن (الريس عبد الواحد) الجنايني البسيط الذي ينتمي لأسفل الطبقات الاجتماعية بمعايير ذلك العصر وحتى في عصرنا الحالي، كان يسكن في بيت فسيح من عدة غرف يتسع له مع زوجته وأبنيه الشابين، وكذلك زهرة العلا قريبتهم الشابة اليتيمة، كما لم نسمع زوجة عبد الواحد تشكو من عدم قدرتهم على توفير الطعام ومستلزمات الحياة طوال الشهر، وهي معاناة امتدت بعد سنوات طويلة من الثورة لتشمل ليس فقط المنتمين للطبقة العاملة الفقيرة وإنما للكثير من أبناء الطبقة المتوسطة كذلك، فضلا طبعا عن أن مجتمع الملكية الظالم القاسي سمح للجنايني بإلحاق أحد ولديه بكلية الشرطة والآخر بالكلية الحربية، وهى فرصة لا أعتقد ان كثير من الجناينية يملكونها في مجتمع ما بعد الثورة!
نقمنا جميعا على عجرفة الباشا في رد قلبي، ورأينا أن رفضه طلب الجنايني بتزويج ابنه من أبنته هو قمة الجاهلية الاجتماعية، بينما لو التفتنا حولنا في العصر الحالي وبعد 71 عاما من (الحركة المباركة) لن نجد ابن جنايني أو حتى موظف بسيط يستطيع حتى التقدم لطلب يد ابنة رجل من (باشوات ما بعد الثورة) فما بالك بالزواج منها.
فظاظة برنس رد قلبي
كذلك ونحن نشمئز من فظاظة ابن الباشا (البرنس علاء) وهو يصوب بندقيته الخرطوش على يد (علي) الذي كان يحاول قطف وردة من حديقة الباشا ليهديها إلى حبيبته عملا بالمنطق الشعبي الشهير (من دقنه وافتل له)، لم نقف عند تفاصيل بسيطة مثل: هل من حق علي قطف أزهار حديقة خاصة دون إذن أصحابها؟!، ولم نقف أيضا عند انفعال حسين (صلاح ذو الفقار) شقيق (علي) على ابن الباشا ومحاولته الإمساك بتلابيبه، لأننا في مجتمع ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي لم نكن نرى مشاهد أكثر شذوذا في مجتمع العدالة والمساواة من أبناء الباشوات الجدد من قتل وتعذيب وقيادة سيارات تحت تأثير الخمر دون محاسبة في كثير من الحالات.
الخلاصة أن كثير من الأعمال الفنية التي انتجت في مصر وفي كثير من دول العالم لا تقدم تأريخا محايدا وموضوعيا بقدر ما تقدم تأويلات موجهة في الغالب، يستهدف بها صانعوها كسب رضاء الحاكم أو تأمين مصالحهم الخاصة، ولنا في فيلم رد قلبي، نموذج لما أقوله، وهو نفس ما يقال عن فيلمي (الكرنك، وحافية على جسر الذهب) مثلا اللذين أنتجا في السبعينات ليقدما أبشع مظاهر الحياة في عهد عبد الناصر مجاملة للرئيس السادات، ثم أفلام مثل (السادة المرتشون) الذي أنتج عام 83 ليتحدث عن الفساد الذي كان منتشرا في عصر السادات.. أما في الخارج فقائمة الدراما الموجهة تحتاج إلى مجلدات وليس مقالا محدود الكلمات.
لهذا أنصحك عزيزي القارئ بأن تضع في اعتبارك وأنت تشاهد أي عمل درامي إنها لاتخلو من الأهواء مثلما إنها لا تعبر في الغالب عن حقيقة الأحداث التاريخية إلا بالقدر الذي يرضي الحاكم الحالي ويسهل مصالح أصحاب العمل الدرامي.