بقلم الأديب الكبير : حجاج أدول
في برنامج الأستاذة منى الشاذلي على قناة cbc الصحفي الكبير الأستاذ (عادل حمودة) ذكر أنه كتب مذكرات الفنان (صلاح أبو سيف)، وأكد أن قصة إمام و شفاعات (شكري سرحان/ تحية كاريوكا) هى قصة وقعت لـ صلاح أبو سيف شخصيا في أوتول في باريس، وصاحبة الأوتيل اسمها كارولين!، هذا في شبابه حين ذهب لدراسة السينما، أي أن صلاحنا نال شخصيا الصدمة الحضارية مثلما نال بطله (إمام) الصدمة الحضارية في القاهرة.
إقرأ أيضا : جاج أدول يكتب: شباب امرأة يحوي العديد من المتع الفنية
وكتب الأستاذ عادل حمودة على لسان صلاح أبو سيف في كتاب (صلاح أبو سيف) في صفحة 106: (إن فيلم (شباب امرأة) تجربة حية عشتها في باريس، ولكن الطرف الآخر لم يكن يملك (سِرجة) مثل شفاعات بطلة الفيلم، وإنما كان يملك لوكاندة صغيرة، أما أنا فكنت مثل الفراشة التي سقطت في طبق (عسل) ولم تكتشف أنه معرض للهواء من سنوات طويلة إلا بعد أن كادت تغرق فيه.
السؤال :
هل نالت كارولين باريس، ما نالته شفاعات في القاهرة؟
الإجابة المتوقعة سيتكون بسؤال مضاد:
وهل تقاليد باريس مثل تقاليد القاهرة؟
نستمر في التساؤل:
ولكن هل الفرق بين تقاليد باريس وتقاليد القاهرة يصل إلى حد هرس شفاعات هرسا؟!
شفاعات وكارولين فرنسا
لقد نال صلاح أبو سيف من (كارولين فرنسا)، وقال عنها (لقد كان العسل المر امرأة تجاوزت سن الشباب في حاجة إلى الشباب ومستعدة أن تفعل أي شيء بما في ذلك القتل حتى تحصل على ما تريد)، فهل هنا (أبو سيف) يريد تلقيح الكلام على شفاعات (شباب امرأة؟)، هل يريد أن يقول أن ما فعلته بـ شفاعات هو عدل لأنها مثل (كارولين) أو أن كارولين مثلها، يمكن أن يصلا لحد القتل في سبيل شهوتهما؟، فكانا يمكنهما قتل صلاح أبو سيف في فندق فرنسا، كما يمكنهما قتل (إمام) في بيت القاهرة؟، فهل انتقم (أبو سيف) من كارولين في شخصية شفاعات؟، وهل برأ نفسه في صورة شخصية إمام؟
إقرأ أيضا : حجاج أدول يكتب: فيلم الثلاثية وشفاعات (2)
وفي نفس الكتاب الذي نقتبس منه صلاح أبو سيف ص 170: نعلم أن فيلمه (لك يوم يا ظالم) مقتبس من رواية (تيريز راكا) للكاتب الفرنس (إيميل زولا) وتمصيره، نجح وصار فيلمه مصريا تماما، فهل كانت نية أستاذنا صلاح أبو سيف تمصير (كارولين) وفندقها لتكون شفاعات وسرجتها؟!، هى وإن كانت هكذا، فالتمصير صار تقتيلا في فيلمنا.
لم اقتنع مع وافر احترامي لصلاح أبو سيف، ووافر تقديري لأفلامه الرائعة ومنها (شباب امرأة) في القلب منه شخصية شفاعات الذي قلت عنه في صدر المقال (أنه فيلم فيه سم قاتل).
قال الأستاذ (عادل حمودة) في برنامج (حكاية وطن) أشهر مؤرخ في السينمائي العالمية هو (جورج سادول)، قال في موسوعة السينما التي ألفها: إن صلاح أبو سيف يعد واحدا من أشهر مخرجين في العالم استمر (سادول) قائلا: (ولاشك أن الواقعية التي أبدعها صلاح أبو سيف في مصر خلقت موجات سينمائية جديدة في فرنسا وإنجلترا وأمريكا).
وقال الناقد السينمائي الرائع (سمير فريد)، إن الأستاذ صلاح أبو سيف ، ليس فقط أحد كبار المخرجين في مصر وإنما هو في الواقع أحد أهم المخرجين في العالم كله، لا يوجد ناقد سينمائي في العالم أو مؤرخ سينمائي في أي لغة من لغات العالم لا يعرف صلاح أبو سيف، وفي جميع الموسوعات العالمية عن السينما بجميع اللغات إذا كان في مخرج سينمائي واحد فيتم في هذه الحالة اختيار صلاح أبو سيف.
واستمر الناقد الكبير سمير فريد في القول:
شفاعات صلاح أبو سيف
ولكن إذا كان من الضروري أن نقول من هو أهم مخرج مصري في السينما المصرية في خلال ستين سنة في السينما المصرية، إذا كان هذا من الضروري فهو بالتأكيد صلاح أبو سيف، وخاصة معالجته لشخصية شفاعات في (شباب امرأة).
وفي نفس البرنامج التليفزيوني استمر الناقد الكبير (سمير فريد) في الحديث عن صلاح أبو سيف، فقال هنا ما أظنه فصل الخطاب، قال: صلاح أبو سيف مخرج سينمائي، زي أي مخرج كبير في العالم، زي (جون فورد) أو زي (كيروساوا) في اليابان.
إقرأ أيضا : حجاج أدول يكتب: اغتيال شفاعات في فيلم (شباب امرأة).. (1)
نعود للأستاذ (عادل حمودة) الذي جالس (أبو سيف) كثيرا وواضح كم أحبه وقدره، فهو الذي كتب على لسان (أبو سيف) كتاب (مذكرات صلاح أبو سيف)، فسطر بقلمه السلس هذا الكتاب الهام الذي ينير الكثير من شخصية (أبو سيف) ويلقي الأضواء على خلفيات حياته وأفلامه، وهى حياة وأعمال ثرية لها تقديرها وأهميتها، كتب الأستاذ عادل حمودة عن (أبو سيف) ص 36 من الكتاب المذكور: (فهو أكثر من هوجم، وأكثر من مُدح، فكان دائما مثار اهتمام الصحف، وهو اهتمام ينحصر في أعماله الفنية فقط، لم تشُب اسمه يوما فضيحة أو تصور مُخجل).
كلام رائع يستحقه الفنان الإنسان (صلاح أبو سيف) ولأهميته كفنان مخرج فأنا أكتب عنه الآن عام 2021 وقد توفى صلاح رحمه الله عام 1966، أي بعد خمسة وعشرين عاما من وفاته، وبعد عرض الفيلم بخمسة وستون عاما!، إن صلاح أبو سيف يستحق التقدير إنسانيا وفنيا، وهذا لا يمنع أن أرفض فيلما من أفلامه الرائعة وهو (شباب امرأة) وملاحظاته حول شخصية شفاعات، فلا قداسة لأي فنان حتى لو كان صلاح أبو سيف، أي أنا أنقد فيلم ربما بقسوة، وأنا أعلم ويعلم القارئ إن (أبو سيف) مهما نال نقدا فلن تهتز صورته الراسخة الجميلة.
شهادتين في شفاعات
نقلت شهادتين فخمتين رائعتين من اثنين من كبار الشخصيات المصرية، أحدهما صحفي من أبرز صحفي مصر، والثاني ناقد سينمائي من أبرز نقاد مصر، وإن أضفنا لصلاح أبو سيف الإنسان العادي، فهو معروف بتواضعه الجم وبساطته، لم يتعالى وهو قمة سينمائية، تماما مثل صديقه القمة في الآداب (نجيب محفوظ).
إذن نحن نتكلم هنا عن صلاح أبو سيف القيمة الإنسانية الراقية والقيمة الفنية الهائلة – بغض النظر عن شخية شفاعات – وعليه ففي كل مقاربة من (صلاح أبو سيف)، يجب ألا ننسي هذه المعطيات، وعن نفسي أكن للفنان أبو سيف إعجابا واحتراما هائلين.
أستحضر هنا حدثا يهمنا في مقالنا هذا، كتب (ألكسندر ديماس الابن) عام 1848 رواية هائلة أحدثت ضجة فنية، وهى رواية (غادة الكاميليا) التي تحولت لمسرحية، والمسرحية أيضا نالت نجاحا منقطع النظير، كان هذا في شباب الكسندر ديماس، لكن عندما تقدم (ألكسندر ديماس الابن) في العمر، ندم على روايته، وظن أنها ضد الفضيلة، فكتب ضدها مقالات وذهب لتجمعات الناس، وخطب فيهم لينسف روايته نسفا! لكنه فشل، فشل فشلا واضحا فيما أراده، لماذا فشل في تحطيم روايته (غادة الكاميليا)؟، لأن الرواية ناجحة والمسرحية كذلك، وأصلا ليس بها ما يضر، لكن المؤلف حين تقدم به العمر ظن أنهما يضران بالأخلاق العامة، للعلم هذا الموقف الغريب حدث في بلادنا من نجوم سينمائيين أعلانوا ندمهم على قيامهم بأدوار معنية في السينما، كما حدث من شاعرين كبيرين.
المهم أن كل ما فعله (الكسندر ديماس) من كتابة وخطابة ضد عمله الفني فشل، السبب ان مقالاته وخطبة ما هى إلا محاولات تقريرية، ذهبت المقالات والخطب التقريرية أدراج الرياح، وبقيت غادة الكاميليا لأنها رواية فنية، الفن ليس من السهل مواربته، وظني أن شفاعات تظل في النهاية هى المقابل الموضوع لغادة الكامليا.