بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
في رمضان من كل عام تمتلئ القنوات بالعديد من المسلسلات، لتتسابق هذه القنوات للحصول على أعلى المشاهدات وأكبر كم من الإعلانات بجاذبية تلك المسلسلات، وينتهى هذا السباق وقد حصدت بعضها إشادة الجمهور، أو خسرت القنوات جزءا من جمهورها، و لكن تختلف نظرة النقاد عن المشاهدين، بل يتعالون على رأى الجمهور أو يهملون وجهة نظره، فنراهم يشيدون بمسلسلات ربما لم تحصد نجاحا جماهيريا.
أما المنتجون فهم يسعون إلى ذلك النجاح بأى ثمن، لذا لا يغامرون بالجديد إلا فيما ندر، ويلجأون إلى تكرار الأفكار أو (التركيبات) التي استهواها الجمهور، أو الاستعانة بالنجم الناجح و استثمار نجاحه السابق في عمل جديد، ولهذا نرى الأجزاء المتعددة لبعض الاعمال، أو تكرار نفس النجوم كل عام، إلا لو صادفهم الحظ السيئ فلم يعثروا على (ورق) يقنع النجم.
كل ما سبق هو قواعد معروفة ومحفوظة، و لكن النظرة الفاحصة للدراما التليفزيونية الرمضانية هذا العام – بعيدا عن تفاصيل كل مسلسل على حدة و مدى نجاحه سواء نقديا او جماهيريا – ستجعلنا نلاحظ أنها تحمل في طياتها بذور اختلاف عن الأعوام السابقة، وأن هذه البذور ربما نمت لتحدث تغيرات عميقة. في ساحة الدراما المصرية سيستمر أثرها لسنوات عديدة قادمة لتصنع قواعد مختلفة
أولى المتغيرات وأهمها هو ظهور عدد كبير من المسلسلات القصيرة (15 حلقة) والتي كانت مرفوضة من قبل خوفا من انصراف الجمهور، أو لأن معظم النجوم كانوا يعتبرونها تقليلا من شأنهم، ولذا كان الإصرار على المط والتطويل لتغطية زمن 30 حلقة.
ولكن نجاح المسلسلات القصيرة هذا العام وإقبال نجوم كبار عليها مثل (ياسر جلال ومنى زكى ومنة شلبى وطارق لطفى) سوف يشجع كثيرين غيرهم من أجل تقديم أعمال محبوكة بغض النظر عن طول المسلسل وحشوه بما لا يفيد، وفي هذا اهتمام بالجودة على حساب الكم، وهو تغير لو تعلمون عظيم ومفيد للدراما المصرية، وأعتقد أن هذا من حسنات ظهور المنصات التي رسخت وجود المسلسلات القصيرة، و ساهم نجاحها على نقلها إلى الدراما التليفزيونية، أما الجمهور فقد أحب هذا التنوع و الحبكات المتقنة و الإيقاع السريع.
السمة الجديدة أيضا هذا العام التي ربما تمتد لأعوام هو لجوء المسلسلات الطويلة (30 حلقة) إلى الإبهار بضخامة الإنتاج سواء في استخدام أعداد ضخمة من المجاميع أو في بناء مواقع كاملة للتصوير هروبا من التصوير الداخلى المحدود، أو في كم الملابس المستخدمة، رأينا هذا – على سبيل المثال – في (سره الباتع ورسالة الإمام وعملة نادرة وسوق الكانتو)، و برغم أن هناك مسلسلات في السنوات الماضية سبقت إلى هذا وقدمت شكلا متميزا مثل (واحة الغروب والفتوة وجزيرة غمام)، إلا أن الظاهرة ترسخت وانتشرت هذا العام، بل نستطيع القول بأن الاهتمام بالديكور والملابس كجزء من الرؤية البصرية للمسلسلات المصرية قد ازداد وحقق مستوى جيدا يستحق الإشادة، ولم يعد المنتجون يحجمون عن الصرف على تلك الأشياء التي كان البعض يعتبرها تزيدا، فلاحظنا جمالا في ديكورات وملابس مسلسلات كثيرة – بعيدا عن القصور و الفيلات – كما في مسلسل (جت سليمة) الذى جنح إلى الفانتازيا فيما يشبه قصص (ألف ليلة و ليلة).
وقد سجلت دراما هذا العام عودة قوية للمسلسل التاريخى والمسلسل الدينى، وما أصاب (سره الباتع ورسالة الإمام) من نجاح – برغم ملاحظات البعض – قد يغرى المنتجين بالعودة إلى هاتين النوعيتين التي افتقدناهما، بعد أن باءت بالفشل محاولات سابقة (الملك أحمس، ومسلسل خالد بن الوليد) ولم تكتمل، و لكن النجاح هذا العام سيغرى الجميع لتكرار مثل هذه النوعية بمثل هذه الضخامة ولكن نتمنى أن تكون بإتقان أكبر، لو أتاح لها المنتجون الوقت اللازم والضرورى لتقديم مثل هذه الأعمال.
حققت الكوميديا أيضا هذا الموسم تواجدا أكبر على الشاشة من حيث الكم، نسبة إلى عدد المسلسلات المنتجة هذا العام، فهناك مسلسل (الكبير أوى) لأحمد مكى، و(كشف مستعجل) لمحمد عبد الرحمن و مصطفى خاطر، و(جت سليمة) لدنيا سمير غانم، و(1000 حمدلله على السلامة) ليسرا، و(الهرشة السابعة) لأمينة خليل، و(كامل العدد) لدينا الشربينى، وانضم إلى أسرة الكوميديا هذا العام طارق لطفى بمسلسل (مذكرات زوج) ليكشف لنا عن جانب آخر في موهبته، كما حقق أحمد أمين في أول بطولة مطلقة له في مسلسل (الصفارة) نجاحا كبيرا وتميز بكوميديا مختلفة.
والملاحظ أن أنجح المسلسلات الكوميدية هذا العام التي اهتمت بموضوعات جادة أو عالجت مشاكل موجودة في حياتنا، ولم تكن من أجل الضحك فقط، ويبدو أن المنتجين قد آمنوا أخيرا بأن الاقتراب من هموم الناس وواقعهم يضمن لهم النجاح و لتفاف الجمهور وإعجاب النقاد، فزادت هذا العام المسلسلات التي تناقش قضايا مسكوت عنها لتثير تلك المسلسلات كثيرا من الجدل مثل مسلسلات (عملة نادرة) لنيللى كريم و(حضرة العمدة) لروبى، وإن تفوقت منى زكى في (تحت الوصاية).
والحقيقة أن الفضل الأول يعود للمؤلفين الذين أبدعوا تلك المسلسلات وأصروا على مناقشة قضايا واقعية هامة مثل – مع حفظ الألقاب – مدحت العدل و إبراهيم عيسى و الأخوة دياب.
ويسجل الموهوبون فوزهم هذا العام أيضا، فبرغم الهجوم المسبق على (منى زكي) قبل إذاعة مسلسلها إلا أنها أحرزت هدفا رائعا في مرمى الدراما بموهبتها الرائعة وصدقها الفني، وقدمت الشخصية كما يجب شكلا وموضوعا ولم تهتم بأن تظهر جمالها أو شياكتها، هكذا أيضا كانت (نيللى كريم)، على عكس أخريات كررن أنفسهن بطبعات مختلفة أو اهتممن بمظهرهن بعيدا عن الشخصية ومقتضيات الموقف، فنجد أنهن يستيقظن من النوم بماكياج كامل، وشعرها مصفوف وكأنها كانت تنام عند الكوافير!
وإذا كان التكرار هو سمة بعض الفنانين فهو السمة الأكبر للمنتجين فنرى (المتحدة) تكرر نجاحها في مسلسل (الاختيار) في السنوات السابقة، لتقدم لنا هذا العام (الكتيبة 101) ولكن للأسف لم يحظ بنفس الاهتمام من الجمهور، برغم أنه من أفضل هذه النوعية كتابة وتمثيلا وإخراجا، ويكاد هو والجزء الأول من (الاختيار) يتفوقان على باقى الأجزاء، و لكن التكرار هو العدو الأول للنجاح، أو كما قال المثل الإنجليزى: لا تكرر نجاحك.
وفي النهاية لابد أن نسجل أيضا أن هذا العام قد سجل أكبر حملة – حتى الآن – على السوشيال ميديا لنقد وتقييم المسلسلات، وانطلقت تلك الحملة مع الحلقات الأولى و قبل أن تتضح معالم أي مسلسل، وتوالت (البوستات) أو (فيديوهات) في حملة هدم وتشويه لم ينج منها أحدا، وكانت السخرية هى الطابع الغالب على معظم الفيديوهات وبعضها ينضح بالحقد الصريح ضد المشاهير بشكل عام.
والغريب أن هذه الحملة شارك فيها عدد ضخم وتابعها عدد أضخم، مما يستلزم دراسة نفسية واجتماعية خاصة حول التناقض الواضح في علاقة الجمهور بالنجوم، فبرغم حبه لهم يسعد الجمهور أن يسخر منهم ويسعى وراء فضائحهم ويمارس شماتة غريبة في مصائبهم.
ولا يفاجئنا (محمد رمضان) بنجاحه فعودته إلى المخرج (محمد سامي) جعلت الاثنان يقدمان التوليفة التي تعجب الجماهير الشعبية والتي اعتادا عليها، بعد أن فشل كل منهما بعيدا عن الآخر، ولكن السؤال الى متى يحتمل الجمهور تكرار نفس الأفكار والصيغ الدرامية؟