* بسبب نشيد للخديوي تعرف على جورج أبيض
* جدي طردني من البيت بعد ترددي على فرقة جورج أبيض
* فشلت كممثل مع هواة التمثيل وبسبب قصيدة أصبحت ممثلا!
* كان أول أجري لي هو 350 قرش الذي يعتبر ثروة هبطت على من السماء
* في لندن قابل زوجته وتزوجها وأنجب ابنه جمال، بعدها تزوج شقيقتها!
* قدم حوالي 100 فيلم، ومئات المسرحيات من الأدب العالمي والعربي.
كتب : أحمد السماحي
عندما يذكر اسم الفنان عباس فارس يتبادر على الفور صوته الأجش الذي تميز به، والذي استغله كثير من المخرجين الذين عمل معهم في السينما سواء للتعبير عن الشر أو الكوميديا، خاصة وأنه نجح في تقديم اللونين بجدارة، حيث كانت أغلب أدواره خاصة في البدايات أدوار الشر، فهو الشيطان الذي يشرب الخمر، ويوسوس في الصدور، ويهب حياته لملذات الحياة، وهو أيضا الكوميديان الذي يفجر الكوميديا بتلوين صوته في مجموعة من أفلامه التى قدمها في الخمسينات والستينات ونجح فيها بقوة.
عباس فارس ونشيد الخديوي
ولد عباس فارس عام 1902 ـ غير مؤكد تاريخ ميلاده – في حي المغربلين، ونتركه هو يحكي عن كيفية دخوله الوسط الفني كما جاء في حواره مع الكاتب والأديب خيري شلبي في مجلة (المسرح) عام 1966، حيث قال: (تلقيت تعليمي في مدرسة الجمعية الإسلامية الخيرية، وهذه المدرسة كانت تعمل حفله كل سنة، واحدة بالنهار في جنينة الأزبكية، وأخرى بالليل في دار الأوبرا، وكانوا يحفظونا نشيد حتى نردده في الأوبرا، أيام الخديوي، وفي سنة طلعت على المسرح مع زملائي، وبعد نزولنا وجدت ناس ظهروا على المسرح بيض على سود على زرق ولابسين أبيض وأخضر وأحمر، كانوا بيقدموا الفصل الثالث من مسرحية (فاوست) وقفت مع زملائي اتفرج على الناس دي!.
عباس فارس وجورج أبيض
يستكمل عباس فارس حديثه قائلا: كل ما المدرس يشدني ألاقي نفسي متشعلق فيهم، سألنا المدرسين اللي معانا عنهم؟! قالوا أن دول ممثلين، المهم وقفونا نتفرج عليهم، مفهمتش حاجة أبدا، نسوان بتصوت، ورجاله بتزعق، ومزيكا غريبة، نهايته، تاني سنة جه نفس الميعاد روحنا بالنشيد، فوجئنا بحاجة تانية خالص، وجدنا ناس مننا تشبهنا وبيقولوا كلام مش مفهوم لكن مش غريب علينا، أتاريه (جورج أبيض) بيمثل هو وفرقته الفصل الثالث من رواية (عطيل)، بعد كده شفنا في العام الثالث رواية اسمها (غانية الأندلس) لعبدالله عكاشة.
عباس فارس وثورة جده وبكاء أمه
ويضيف عباس فارس في حديثه قائلا: أنا شاهدت هذه الأعمال، واتجننت، أحببتها جدا، وكان (جورج أبيض) شخصا جميلا على المستوى الخارجي والداخلي، وأحببت المسرح، وكل يوم بعد انتهاء المدرسة أذهب لمشاهدة فرقة (جورج أبيض)، وفي هذه الفترة كنت أعيش أنا ووالدتي مع جدي، وفي يوم وأنا راجع من المسرح، وجدت جدي واقف على باب البيت وسألني: (رايح فين؟ إرجع مطرح ما كنت! يا سيدي يهديك، يرضيك، مافيش فايدة)، وكان يصرخ بعلو صوته قائلا : (أنت ولد فاسد بايظ ومنتش نافع، وامشي اخرج بره)، وكل الجيران أعتبروه راجل في حكاية سبي وطردي، حيث كان التمثيل من الموبقات والرذائل التى يجب محاربتها، وكانت والدتي أثناء سبه لي تبكي بقوة وتستعطفه، ورغم هذا لم يرحم جدي دموع ابنته.
عباس فارس فشل كممثل
يقول عباس فارس عندما وجدت والدتي جدي مصر على ما في رأسه أجرت لي غرفة في نفس حي (المغربلين) بعشرة صاغ في الشهر، ونظرا لانقطاع مصروف جدي عني اضطررت للعمل، حيث قابلت صديق لي اسمه (فؤاد لور) واقترح علي أن أنضم لفرقة تمثيل من الهواة، وفي البداية فشلت كممثل، فأعطوني قصيدة من رواية (مارينيو تيودور) كان بيمثلها قبلي زميل اسمه أحمد فهيم، حفظتها، وقلتها بشكل حلو جدا.
إقرأ أيضا :
في أحد الأيام صادف أن شاهدني الفنان (جورج أبيض) وأنا أقول القصيدة، فطلب مني العمل في فرقته نظير 350 قرش في الشهر، فسعدت جدا بهذا المبلغ الكبير الذي سيهبط علي من السماء كل شهر، لكن فرحتي لم تدم طويلا حيث فك جورج الفرقة بعد شهور قليلة من العمل معه، فذهبت للعمل مع فرقة (منيرة المهدية) وبعد شهور أعاد جورج أبيض تكوين فرقته، وطلبني فتركت الست منيرة وعدت للعمل مع جورج أبيض.
صلاح الدين ومملكة أورشليم
ويستطرد عباس فارس في حواره الممتع مع خيري شلبي: من الأدوار الكبيرة التى عملتها في هذه الفترة دور الفارس (آيار) حارس صلاح الدين في رواية (صلاح الدين ومملكة أورشليم) تأليف فرح أنطوان، وسعدت جدا بهذا الدور، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ذهبنا إلى الشام حيث قدمنا عدة روايات في بيروت وفلسطين، وحلب، وصادفنا في هذه الرحلة العديد من المواقف الكوميدية والدرامية الخاصة بالعمل والحياة والناس).
عباس فارس واعتزال مبكر
بعد عودة عباس فارس من رحلة الشام عمل في فرقة نجيب الريحاني وشارك في أوبريت (العشرة الطيبة) و(يوم القيامة)، وظل يتنقل بين الفرق حتى مل من العمل الفني، وقرر التفرغ للعبادة وقراءة القرآن، لكن بعد حوالي 3 سنوات يعاوده حبه للتمثيل فيعود مرة أخرى للعمل في فرقة (جورج أبيض) تحت إدارة المخرج المبدع (عزيز عيد) الذي يعتبره أستاذه الأول الذي جعله هو وزملائه يتحدث على المسرح مثل الحديث في الحياة عكس لهجة الخطابة التى كان يؤدي بها جورج أبيض، لهذا عندما كون عزيز عيد فرقة (فاطمة رشدي) كان واحدا من أعضائها.
زواج وسفر عباس فارس
بعد العديد من الأدوار المسرحية العالمية والعربية من روائع الأدب العالمي والعربي التى قدمها مع العديد من الفرق التى تنقل بينها، جذبته السينما المصرية، فشارك الرائدة (عزيزة أمير) عام 1929 فيلمها (بنت النيل) مع أحمد علام، وفي عام 1932 يسافر عباس فارس إلى إنجلترا، بتكليف من مجلة (الصباح) ليكتب انطباعاته عن الحركة الفنية في لندن، ويلتقي بالممثل البريطاني الشهير (سيرجون مارتن هارف) ويجري معه حوارا للمجلة.
وفي لندن يقابل زوجته الأولى وهى سيدة إنجليزية وتنشأ بينهما قصة حب، تكلل بالزواج، لكنها تموت مبكرا بعد أن أنجبت له ابنه (جمال) – الذي عمل فيما بعد مذيع وممثل – وبعدها يضطر للزواج من شقيقتها لكى تتولى رعاية ابنه.
بعد عودته من إنجلترا كانت الفرقة القومية تأسست فإنضم إليها، وبدأت السينما المصرية تعمل بشكل منتظم، فشارك في أفلامها، فعمل عام 1935 في فيلم (الغندورة) بطولة سلطانة الطرب منيرة المهدية، وتوالت أدواره السينمائية فقدم عام 1937 أفلام (نشيد الأمل، ليلى بنت الصحراء، الحل الأخير)، وفي عام 1938 قدم فيلما واحدا هو (نفوس حائرة)، لكنه يعوض قلة أفلامه عام 1939 حيث يشارك في بطولة أربعة أفلام هى (فتش عن المرأة، العزيمة، قيس وليلى، خلف الحبايب)، وعام 1940 شارك في ثلاثة أفلام هى (تحت السلاح، فتاة متمردة، دنانير)، وعام 1941 قام ببطولة أفلام (إلى الأبد، إمرأة خطرة، أولاد الفقراء)، وتوالت أفلامه التى وصلت إلى حوالي 100 فيلم تقريبا كان آخرها فيلمي (خلي بالك من زوز) عام 1972، و(العنيد) 1973 وبعض أفلامه أو كثير منها يعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية.
عباس فارس الواعظ
يقول الناقد الكبير (عبدالغني داود) في كتابه (مدارس التمثيل) ينتمي الفنان عباس فارس إلى مدرسة الأداء المسرحي التى تتميز بقوة الأداء وعلو الصوت وإجادة التمثيل باللغة العربية الفصحى والعامية مع التلوين السمعي، ورغم كثرة أدوار الشر التى قام بها عباس فارس إلا أنه في حياته الطبيعية كان مثالا للاستقامة، على اتصال دائم بمنابع الدين، وكان لا يرى إلا وهو يتلو القرآن مسبحا والمطالعة في كتب السيرة والتصوف والفقه الإسلامي والخطابة في وسط الجموع، وبخاصة من أماكن الشراب واللهو، وكان يرى بعد هزيمة 1967 في شارع (عماد الدين) بوسط القاهرة يعظ الناس ويدعوهم للتمسك بالإيمان والتقوى وتعرض بسبب ذلك إلى كثير من المآزق!
عباس فارس والريحاني
على الرغم من أن عباس فارس كان من عمالقة المسرح الجاد، ويجيد تمثيل الأدوار الجادة وأدوار الشر أيضا إجادة لا ينازعه فيها ممثل آخر إلا أنه كان في نفس الوقت ممثلا كوميديا قديرا، لدرجة أن فرقة (الريحاني) أسندت إليه نفس الأدوار التى كان يقوم بها (الريحاني) في مسرحياته، واستطاع أن يمثل هذه الأدوار بأدائه الخاص وبمفهومه الخاص وأن يظفر بتقدير الجماهير وإعجابها.
وظل زملاؤه في المسرح القومي يطلبون منه الرجوع إلى بيته الفني القديم، وفي بداية الستينيات امتنع فترة عن العمل بعد أن ضاق ذرعا بالأفلام والمسرحيات التافهة التى سيطرت على الحياة الفنية، فهو لم يكن يسعى إلى الثراء بقدر ما كان يكتفي بما يوفر له ضرورات الحياة ويسافر إلى لندن ويقضي هناك خمس سنوات في الدراسة والمشاهدة.
في لندن حضر محاضرات في التصوف، ودرس التصوف كعلم، واستفاد من دراسته كثيرا لكنه لم يعتنق مثل هذا اللون من التصوف الأوروبي، وظل على تصوفه الإسلامي الذي تتلخص مبادئه في المعاملات الطيبة بين الناس، وكان شيخه في ذلك هو السيد (محمود أبوالفيض المنوفي).
أهم أفلام عباس فارس
بسبب عشقه للتصوف قام بالعديد من الأفلام السينمائية لخدمة الإسلام، حيث كان يعتبر دوره في فيلم (ظهور الإسلام) تأليف الدكتور طه حسين، وإخراج إبراهيم عز الدين، المأخوذ عن كتاب (الوعد الحق) من أفضل أدواره، وتنازل عن أجره نظير أن يجسد خال السيدة خديجة بنت خويلد زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، كما قام ببطولة فيلم (انتصار الإسلام) قصة وسيناريو وإخراج أحمد الطوخي، وقام بدور السيد أحمد البدوي في فيلم بهذا الاسم، كما شارك في بطولة فيلمي (بيت الله الحرام) إخراج أحمد الطوخي، و(خالد بن الوليد) بطولة وإخراج حسين صدقي.
نهاية عباس فارس
في 13 من فبراير عام 1978 يرحل عباس فارس بعد أن أثرى المكتبة الفنية المسرحية والسينمائية بمئات من الأعمال الفنية المهمة.