بقلم: علا السنجري
(أزمة منتصف العمر)، جاء بموضوع مختلف وسط كم من المسلسلات التي تدور في محيط الأسرة بشكل مثالي إلى حد كبير تقدم وجبة دسمة من القيم والعادات التي نفتقدها بين الأباء والأبناء والأقارب والجيران، كم من التسامح والتفاهم بين شخصيات العمل لجعل المشاهد يتعاطف معهم في محاولة لإعادة مجتمعنا إلى ما كان عليه قبل عصر الإنترنت والسماوات المفتوحة.
رفض البعض (أزمة منتصف العمر)، بل وصل الأمر إلى مهاجمة المسلسل لأنه يناقش موضوعات جريئة جدا مثل (زنا المحارم والتحرش والإدمان) كما في حالة سلمى، وزواج كبار السن من فتيات أصغر منهن بفارق عمري كبير مثل (فيروز وابنتها مريم)، وكذلك مناقشة (عقدة إلكترا) من خلال ياسمين التي تفتقد والدها، وكذلك (عقدة أوديب) من خلال عمر الذي يكره والدته.. مشاعر الزوجة التي تعاني من الحرمان والتجاهل، ليس الرجل وحده الذي يمر بأزمة منتصف العمر ولكن أيضا الزوجة التي تحتاج إلى الاهتمام والعاطفة وإشباع رغباتها لتحقيق استقرارها النفسي في كل مراحل عمرها، الزوج النرجسي الذي يتجاهل مطالب زوجته ويخونها مع بنات أصغر سنا منه.
انتهى المسلسل لكنه كان يحتاج إلى حبكة واهتمام بالتفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة في طرح الأفكار الجريئة سابقة الذكر، بعض الأحداث جاءت سريعة دون مقدمات، وقبل تحليل عناصر العمل نتحدث عن أحداثه أولا، فيروز تزوجت بناءا على طلب والدتها من رجل يكبرها في العمر ولديه طفلة صغيرة (مريم)، تقوم بتربيتها (فيروز) حتى تتزوج من رجل أكبر منها طبيب أسنان يدعى (عمر)، لكنه يعاني من ماضي مع والدته التي تزوجت شباب أصغر منها، وطليقته المدمنة بسبب تحرش زوج أمها.
يقع عمر في الخطيئة مع والدة زوجته ويخبره (عزت) أن (فيروز) ليست والدة مريم الحقيقية، (فيروز) تكتشف أنها حامل ويحاول إيجاد حل لكن ابنتها تعرف ما بينهما فتنهار وتقتل نفسها، هناك عزت زوج (فيروز) الذي يتعامل معها بجفاء ونرجسية، بل تصل أنانيته بحرمانها من الأولاد ويجعل نفسه عقيما حتى تتفرغ لتربية ابنته لكنه يخونها مع بنات في عمر ابنته، (زياد) ابن اخته الذي يسعى للانتقام ليحصل على ميراث والدته ولرفض مريم الزواج منه.
السيناريو كان يحتاج إلى إتقان أكثر في الحبكة الدرامية والتسلسل الزمني للأحداث، علاقة فيروز بعمر لم يمهد لها المؤلف (أحمد عادل) جيدا حتى يكون وقوعهم في الحب طبيعيا، خاصة أن المؤلف أكد على معلومة في الحلقة الأولى لرفض فيروز لزواج ابنتها ممن هو أكبر سنا منها، لكنه من خلال بعض المشاهد القليلة التي تعاطف فيها عمر مع فيروز لسوء معاملة عزت لها ومعاملة مريم لها الغريبة والجافة، حتى لحظة وقوعهم في الخطيئة ترك المؤلف المشاهد يعتقد أنه زنا محارم، ولأن مجتمعنا الشرقي يرفض الفكرة رغم حدوثها قرر فجأة الهروب من هذا الجدل ويريح ضميره باعتراف عزت لعمر أن فيروز ليست والدة مريم.
قدم المؤلف شخصية عمر متناقضة، في البداية كطبيب جاذب ومرح ويحاول كسب ود حماته بالتقرب لها لكنه يذهب لطبيب نفسي لأسباب مبهمة ليظهر السبب في عقدة من والدته، فمن البداية مع الحلقة الأولى تأتي سيدة لتبارك له دون توضيح أنها والدته التي أدعى لأهل مريم أنها توفت بسبب زواجها من رجل أصغر منها في العمر بعد وفاة والده، في حين أنه تزوج مريم وهى أصغر منه، اختار مريم زوجة له وبدلا من استيعابها عاملها على أنها طفلة ويطلب منها التعقل،على الرغم من معرفته أنها ابنة وحيدة مدللة.
لم يستطع المؤلف تحديد اتجاه مع شخصية عمر، هل يتعاطف معها أو يهاجمها فجاءت باهتة في بعض المواقف كرد فعل لقتل طفله الأول من (سلمى) بسبب الإدمان، أظهره كضحية وليس جان، لنجده بعد ذلك يبحث عن وسيلة للتخلص من طفل فيروز، وذات الوقت يرفض أن ابنه يحمل اسم رجل آخر غيره، ثم يستقبل مريم محتضنا إياها لأنها حامل ،عندما انتحرت مريم تصرف سريعا لإخفاء آثارهم والزج باسم زياد، ربما كان هذا التناقض سببا في أداء كريم فهمي بفتور وانفعالات أقرب إلى البرود والسطحية، لكنه من وجهة نظري أجاد التعبير في مشهد التحقيق مع الشرطة في بيته من خلال الذهول والدموع التي تعبر عن الانكسار والندم ومحاولة اظهار الصدمة .
أحد التناقضات في حبكة السيناريو صراخ (مريم) في مشهد المواجهة بين (عمر وفيروز) لم يسمعه أحد من الجيران وهم أيضا من اكتشفوا الجثة وقاموا بالإبلاغ، لم يذكر السيناريو شيئا عن تقرير الطب الشرعي الذي قد يظهر أن (مريم) ماتت منتحرة ولا يوجه تهم لزياد.
ربما شخصية عزت ليست متناقضة بشكل كبير مثل شخصية عمر، أظهره المؤلف من الحلقة كشخصية نرجسية،لا يهتم إلا برغباته، يعامل فيروز بمنتهى القسوة، يعاملها بالإهانة أمام الجميع، تزوجها من أجل ابنته وحرمها من الإنجاب لتتفرغ لابنته، فمن وجهة نظره هى الزوجة التي تصون بيته فلن يتركها، يخونها مع فتيات أصغر منها سنا، ومع ذلك ضرب ابن اخته زياد مستنكرا معاملته لزوجته بالضرب والإهانة، ربما هذا التناقض الأول في شخصية عزت، والتناقض الثاني هو عندما علم ان (فيروز) خانته مع (عمر)، على الرغم من علمه أن مريم مع عمر، لم يتصل بمريم ليجعلها تتركه، وأعطاها ملف عملية عقمه وأن فيروز ليست والدتها رغم أنه حافظ على هذا السر سنوات عمرها كله، بل يتصل بعمر ليطمئن على مريم، التناقض الثالث يجرح فيروز بأنها لا تعرف شيئا عن الحمل رغم معرفته بالحقيقة، ثم يعود ويطلب منها أن تحسن علاقتها معه لأجل مريم ، وفي الآخر أخذ عزاء مريم بعدما انتقم لها وسلم نفسه.
الفنان رشدي الشامي أجاد دور الرجل النرجسي جيدا، تحكم في الانفعالات بين الحزن والقسوة والصدمة، من وجهة نظري أكثر المشاهد روعة بعد عزاء مريم حين تخلى عن سيارته ومحفظته وكل مظاهر الحياة بعدما ذهبت من كان لأجلها يعيش وانتقم لها.
فيروز أكثر الشخصيات التي رسمها المؤلف بلا تناقض كبير، فهي شخصية انهزامية مستسلمة لكل شيء حوله، تتقبل إهانة زوجها وجفاء ابنتها، صديقتها الوحيدة هى خدامة البيت (أم زينب)، ومتعتها الوحيدة مشاهدة المسلسلات التركية والأفلام العربية، تعيش على المهدئات بسبب الحرمان العاطفي من زوجها الذي قتل أنوثتها وعدم الإنجاب، لم يعد لديها شغل في أي شيء، عندما تعامل معها عمر بحميمية وصداقة في البداية شعرت بالراحة لأنها لم تعتاد تلك المعاملة مما سهل عليها الوقوع في الخطيئة معه، خاصة بعد صدمتها في زواج (عزت) من صديقة ابنتها، لم تتحمل الذنب فحاولت الانتحار.
حاولت أن أتفهم حالة الصدمة لفيروز بعد انتحار مريم أمام عينيها، فهي ليست والدتها الحقيقية، لكن لم أجد أي مبرر للهلاوس السمعية والبصرية التي مرت بها خاصة أنها خانتها مع زوجها.
ريهام عبد الغفور لا تكرر نفسها ولم تقع في النمطية، بل تتلون كما قلت سابقا كالحرباء، تجعلك تنسى أنها ريهام و تقنعك أنها فيروز، نضج في الأداء يجعلك تستمتع وأنت تشاهدها وتنتظر ردة فعلها، ففي هذا العمل أضافت ريهام للعمل الكثير، فقد تخلت عن التجميل وظهرت بملامح تناسب امرأة تقترب من الأربعين ببعض التجاعيد البسيطة، هدوء في الكلام والتصرفات تعبيرا عن حالتها المستسلمة.
كل من (رنا رئيس وهند عبد الحليم) أداء نمطي لا جديد أو تطور لديهم إلا في بعض المشاهد القليلة، فقد غلب على أداء (رنا) العصبية والتشنج، و(هند) أكثر مشهد من وجهة نظري كان مع (ركين سعد) وكل منهم تشتكي للأخرى عن وجعها، (ركين) عبرت عن شعورها بالنقص دون والدها وحياتها الماضية مما يدفعها للارتباط بمن هو في سن والدها.
عمر السعيد أداء جيد إلى حد كبير جدا، فهو الشاب الحائر بين زوجته وحب من طرف واحد وبين استعادة حقه في الميراث وبين حب لخاله أو كرهه له، لكن لا أعرف إذا كان طبيعة صوته أو لا، لم أفهم لماذا يتحدث ببحة هامسة مع صوت أجش تجعل كلامه أحيانا مع الانفعال غير مفهوم.
(سلوى محمد علي) معجونة تمثيل رائعة، (هاجر عفيفي) ممتازة، تعبيرات محسوبة وردود أفعال موزونة لتأتي في النهاية بانتقامها من زوج حاولت أن تجعله يحبها رغم قسوته وضربه لها وتستعيد كرامتها .
الحلقة الأخيرة جاءت بإهداء (إهداء الى المخرج الراحل الكبير محمد خان.. منك تعلمنا، و لروحك السلام..)، لفتة جيدة جدا من صناع العمل كما أنه اعتراف مسبق منهم اقتباس النهاية من فيلم (موعد على العشاء)، فهل جاء مشهد النهاية رائعا كمشهد محمد خان.. لا أعتقد.
النهاية ربما تكون منطقية أن تدبرها فيروز بهذا الشكل، خاصة أن أغلب وقتها تقضيه أمام التلفزيون.. تشاهد مسلسلات وأفلام رومانسية ، انفعالات كريم فهمي باردة ومحاولة استجداء تعاطف المشاهد بجملة (حبيتي يا فيروز زي ما حبيتك) استفزت سخرية المشاهد أكثر لأنه لم يشعر بالندم بعد كل ما حدث، بكاء فيروز ونظرة السعادة للسماء تتناقض مع الإلقاء بجسدها في حضن عمر لتموت.
(كريم العدل) كمخرج امتلك أدواته جيدا في الكثير من المشاهد وإدارة للكاميرا رائعة، لكن لم أفهم ما هو مبرر أن يكون أحيانا الفلاش باك للماضي أبيض وأسود وأحيانا أخرى بالألوان، إبدع في مشهد اكتشاف فيروز عدم وجود مريم، لم اجد مبرر في حلقة انتحار مريم لبدء الأحداث من بعد اكتشاف جثتها، ثم يعود لتبدأ الأحداث قبل ذلك بعدة ساعات لتتضح خاصة أن التسلسل الزمني في الحلقات السابقة طبيعي بلا فذلكة، الموسيقى التصويرية لعادل حقي رائعة.
العمل به العديد من الموضوعات الجريئة التي كنت أتمنى أن يناقشها المؤلف بلا خيانة أو قتل، فكلمة جريء هنا أن تفكر بعيدا وتكشف كالطبيب الأسباب والعلاج وليس أن تكون مختلف فقط تقدم ما هو غير مألوف، من أمثلة تلك الموضوعات تربية زوجة الأب لأبناء زوجها، و زواج الأبناء في بيت الأهل قد يؤدي لوقوع المحظور من زنا، تحرش زوج الأم بالابنة وبكائه نادما إنه هو الذي قام بتربيتها رغم اغتصابه لها كان يجب استغلاله جيدا في تناول الفكرة.
إدمان الفتيات، الميول الجنسية للطرفين لمن هو أكبر سنا أو اصغر سنا وآثاره الضارة على المجتمع والأسرة.. تلك أزمة علاقات، تأثير الطفولة والتربية على تنشئة الفرد فأغلب الشخصيات لديها عقد من الأب أو الأم، والأهم المشكلة التي تحمل اسم العمل (أزمة منتصف العمر).. ربما استطاع العمل إلقاء الضوء على مشكلة الأنثى في هذه المرحلة العمرية لكنه ناقشها بشكل سطحي من وجهة نظري من خلال حرمانها ووقوعها في الخطيئة.. ليس لدي أي مانع أن تكتب ما تريد حتى لو كان بورنو ، ولكن اكتبه بمنطق وبتسلسل زمني مقبول، ولا تستخف بعقول المشاهدين!