كتب: محمد حبوشة
التكرار يعلم الحمار.. مثل عربي قديم ولكن هو أحد العلوم المهمة جدا والمستعملة حاليا بقوة لهدم المجتمعات أو لاستغلالها، عندما تكرر عبارات وجمل و أفكار فإنها تترسخ في نفسك، وهذا هو علم البرمجة العصبية اللغوية المعتمد على تكرار العبارات والأفكار لتترسخ عندك، فعندما نمرر يوميا عدة نكات عن الرجل الذي يكره زوجته والزوجة التي تكره زوجها.. فهكذا نرسخ في نفوس الجمهور فكرة أن الرجل يجب أن يكره زوجته والزوجة يجب أن تكره زوجها وتكون علاقة الزواج عبارة عن علاقة منافسة وعدوانية ما بين الرجل و المرأة.. هكذا يتم هدم المجتمعات.
في مسلسل (مشوار الونش) الذي أذيع على إحدى القنوات الفضائية المصرية أنت أمام تيمة مكررة في سلسلة مسلسلات النجم (محمد رجب) أفسدت فكرة المسلسل وجعلته مملا إلى حد كبير، فضلا عن الافتعال في الأداء الذي يصل إلى حد السذاجة، وعلى الرغم من مشاركة باقة من النجوم اللامعة في الأداء الدرامي الصعب على رأسهم (إيهاب فهمي، محمود عبد المغني، محسن منصور، علاء مرسي)، والتي كانت توحي بمشاهدة عمل جيد وقوي، لكن الحقيقة أننا نجد أنفسنا أمام عمل نمطي متكرر، لايحتوى على فكرة درامية مشوقة أو أحداث تتسم بالإثارة، حيث تدور الأحداث حول صراع تافه سطحي جدا بين رجلين على (نوارة)، وهى امرأة لا أعرف بالضبط هل هى تنتمي للطبقة الشعبية أو الفلاحية من فرط تزيد الممثلة (ميرهان) في أداء الشخصية بشكل عصبي متكلف وبغيض إلى حد التنفير، من خلال لوازم تلفت الانتباه. بشكل وقتي لايدوم طويلا.
تيمة المسلسل مكررة في سلسلة أعمال (محمد رجب) مع المؤلف أحمد عبد الفتاح، والمخرج إسماعيل فاروق، وليتها كانت مكررة بذات العناصر الدرامية التي جذبت الجمهور على غرار (الأخ الكبير، وضربة معلم) في موسمي الشتاء (2020 -2021)، وذلك من خلال التركيز على البطل الشعبي الـ (هيرو) الذي يتمتع بقوة الشخصية وتحمل الصعاب في مشوار حياته مع إظهار الشهامة والرجولة التي نفتقدها في زماننا الحالي، فالقصة لا تحمل أية دلالات أو أهداف أو رسائل تتوج (45 حلقة) بل على العكس تم استهلاكها في صراع مفتعل فجاءت في النهاية (لا قصة ولا مناظر)، غير التصوير المبهر في الفيلات الفخمة.
لم يمهد المؤلف من خلال الأحداث إلى قصة كفاح (حسن الونش) باعتبار أن المسلسل يحمل عنوان (مشوار الونش) فقد غض الطرف تماما عن ملامح لبدايات تكوينه إمبراطورية لبيع (السراميك)، بل ركز طوال الوقت على التأكيد على كلمة (الونش) كي يحظى (رجب) بلقب (الونش) على غرار (محمد رمضان) في إطلاق ألقاب (الأسطورة، البرنس، نسر الصعيد) وغيرها من ألقاب الهدف منها فقط أن يرددها الناس على ألسنتهم كنوع من إرضاء غرور النجم، فقط أراد صناع المسلسل الترسيخ لشخصية (الونش) التي تدور الأحداث المحيطة بها في أجواء مخملية لا تعكس أن (الونش) شخص عصامي بنى نفسه بنفسه كما يشير عنوان المسلسل (مشوار الونش).
غير أن المؤلف عمد إلى الإفراط من جانب (الونش) في استخدم نفوذه وثروته ووحشيته لإرهاب الجميع ولتحقيق أهدافه وحشية ودموية لا تعرف الرحمة في بعض الأحيان، يوطد (حسن) هذا النفوذ من خلال علاقته بأحد أصدقاء والده، فيتضخم نفوذه وتزداد وحشيته في عقد الصفقات واحتكار السوق لصالحه، حتى أن نفوذه هذا ينسحب على أقرب الناس إليه رغم أنه يظهر الحنو على أمه وأخته وابنته الوحيدة، ويبدو أن (رجب) استمرأ (لعبة البطل الشعبي)، بعد نجاح مسلسليه (الأخ الكبير، وضربة معلم)، ما جعله يلجأ مرة أخرى إلى دور الرجل البطل الشعبي – مع تغيير طفيف في استبدال الجلباب البلدي بأطقم تستعرض شياكته وأناقته – ليس إلا!
لكن الفارق كبيرا بين التجربتين السابقتين ففي الأولى (الأخ الكبير) كان يقدم تجربة طازجة وهو ما أثار فضول المشاهد لرؤية ممثل شاب يقدم بطولة مطلقة من خلال تجسيد شخصية (أخ مكافح) يسعى لتوفير أكل العيش له ولزوجته وأبنائه وأسرته المكونة من (الأم والأخت)، وهو ما ساعد على نجاح التجربة، وفي الثانية (ضربة معلم) والتي على الرغم من دخوله منطقة تكرار التيمة الشائكة المحفوفة بالمخاطر، إلا أنه نجح في صناعة دراما مشوقة تنتمي للون الاجتماعي فائق الجودة المعتمد على الإثارة والتشويق.
الغريب أنني قرأت تصريحات للفنانة (ميرهان حسين) قالت فيها في تحد غريب أنها سعيدة لحالة من النجاح في مسلسل (الونش)، والتي حققتها شخصية (نوارة) من خلال أحداث (مشوار الونش)، وذلك في تعاونها الثالث مع بطل العمل الفنان (محمد رجب)، وبصحبة المخرج إسماعيل فاروق، ويبدو لي أن تصريحات (ميريهان) تثبت أنها غارقة في (ماء الطرشي)، فقد قالت: الحمد لله ردود الأفعال كانت إيجابية للغاية، والجمهور بيناديني بـ (نوارة) وهذا يدل على نجاح الشخصية والعمل بشكل كبير، وأرى ذلك خلال تواجدي في الشارع وعلى السوشيال ميديا، والتي أراها مقياسا كبيرا لنجاح أي عمل، والمسلسل أعتقد أنه احتل صدارة الترند لفترة طويلة على الرغم من عدد الحلقات القليلة المعروضة، ولا أدري لماذا تجاهلت الانتقادات اللاذعة التي وجهت للمسلسل على السوشيال ميديا نفسها.
ذهبت (ميرهان) بخيالها الواهي إلى أن العمل به قصة جيدة لغاية، وأنها سعيدة للمشاركة فيه، فالشخصية التي تقدمها ترى بها تفاصيل كثيرة ومركبة وهذا ما يعجبها في أي عمل – يبدو أنها تعشق التطجين -، كما أنها تحب العمل مع الفنان محمد رجب فهذه التجربة الثالثة لهما سويا، والعمل من إنتاج (سينرجي) ومخرجه إسماعيل فاروق، ومؤلفه أحمد عبدالفتاح، فكل هذه العناصر جعلت العمل يسير على النهج الجيد الذي يجعله عملا مميزا، والتفكير في الاشتراك فيه لم يدم طويلا بالنسبة لي، فقد وافقت على الفور.
ويبدو لي أيضا أن (ميرهان) تتعاطى حبوب الشجاعة التي جعلتها في غيبوبة حتى تدعي أن (نوارة) هى شخصية جديدة عليها وبها تفاصيل عديدة، فهي – على حد قولها – (ميكس) من خواطر بشرية كثيرة ولا أستطيع أن أوصفها بالشكل التفصيلي الذي يليق بها، فأنا أحب الشخصية كثيرا وقد درستها جيدا قبل أن أقدمها، وأعتقد أن الجمهور رأى ذلك خلال عرض أولى حلقات العمل، حتى إنني تأثرت كثيرا بتفاصيلها وأشعر بأنني أصبحت (نوارة) في حياتي الحقيقية، مع أنها شخصية مختلفة عني تماما، وربما يكون معها بعض الحق في الخمس حلقات الأولى بما حملته من إثارة كانت تؤسس لنجاح التجربة فعلا، لكنه ديدن (أحمد عبد الفتاح) كغيره من مؤلفي دراما هذه الأيام في التركيز في الحلقات الأولي، ثم سرعان ما تضيع الخطوط الدرامية في براثن العشوائية حتى تنتهى الحلقات نهاية لا ترقى إلى طموح جمهور يتوق لمشاهدة جيدة كما ينبغي.
الأمر الملفت للنظر وأصبح يرقى إلى مستوى الظاهرة، أن الكثير من الشاشات العربية وشركات الإنتاج تواجه أزمة موسمية، تتكرر كل عام تقريبا، من دون البحث عن حلول لها، تتمثل في حالة الإفلاس التي تظن أن الوجبة الدسمة التي تصل إلى حد التخمة من حيث المحتوي ذو التكلفة الانتاجية العالية، وكذلك الدراما التلفزيونية الحصرية، تؤدي إلى حالة من الخلل الدرامي وكأن القائمين على إدارة تلك المحطات، يلتقطون أنفاسهم بعد ماراثون شاق ومزدحم ومنافسة محتدمة لمدة 30 يوما في رمضان، لكنهم تناسوا المنافسة الشرسة من جانب المنصات الرقمية الجديدة (شاهد، ونتفيلكس) وأن تلك الأعمال الساذجة لن ترضي غرور المشاهد العربي، الذي يبحث عن عناصر جذب بشكل دائم من دون توقف، وهى الحالة التي ترجمتها السوشال ميديا، من خلال الكثير من الأراء التي اتفقت على أن الشاشات العربية تدور في دوامة الملل والتكرار بعد رمضان.
وكأن شركات الإنتاج والقنوات لا تتعلم الدرس، في ظل الإفلاس في المحتوي الدرامي، فبعد أن ينفض مولد رمضان، تكتشف حالة من العشوائية وعدم التخطيط، غالبا كل القنوات بلا استثناء لتظهر حالة من الارتباك، فتجد حالة من الاستسهال، عملا بمبدأ (التكرار بيعلم الشطار)، وهؤلاء لايدركون أن المشاهد أدار ظهره لهم، فلم يكن لديهم أي ابتكار، فاختاروا نظرية التساهيل، وهو ما يترجم وجود قصور في التخطيط بعيد المدي، فيما يخص الخريطة الدرامية الجاذبة في المواسم الموازية، مع أن المشاهد يطمح في موسم الشتاء تحديدا إلى وجبة دسمة ومركزة، لكنها غالبا ما تقع في فخ الفراغ والملل القاتل، حتى أنك قد لا تتحمل الجلوس أمام التليفزيون أكثر من خمس دقائق، لتشاهد أحداثا عشوائية لا تمت للدراما الجادة بصلة رغم أنها الإصرار على أن تعرض في (45) حلقة.
كما يبدو لافتا للانتباه أيضا، أن كثيرا ما تعمد الجهات المنتجة إلى حشد الكثير من نجوم الصف الأول في عمل واحد، بغية التفوق على المنافسين، وضمان تسويق ممتاز للمنتج التلفزيوني، لكن المصيبة تكون عندما يحشد أولئك النجوم في عمل يقدم نصا يحل تيمة مكررة بامتياز، فتبنى الشخصيات فيه بمنتهى الهشاشة والسطحية، أما إدارة المخرج فتبدو شبه غائبة، كل تلك العناصر السلبية نجحت في ترسيخ مفهوم (التكرار) والمحصلة النهائية عملا سحب من رصيد الأغلبية العظمى ممن شاركوا فيه، ببعد واحد ممل ومكرر، جعلها أشبه ما تكون ببحر من الخير والصفاء والنخوة والمروءة التي لا تشوبها شائبة، مع تكرار المفردات والانفعالات ذاتها التي سبق له استخدامها في مسلسل سابق.
خلاصة القول: أنه مما لاشك فيه (محمد رجب) يتسم أداءه بالحيوية والقوة وأظهر موهبة حقيقية في غالبية أعماله التي تحمل فيها عبء البطولة المطلقة من قبل، وربما ظلمه الحوار السيئ في سطحيته وتفككه في (مشوار الونش)، ولأني من محبيه على المستوى الشخصي وأراه يحمل مقومات النجم الحقيقي من الطراز الأول، فإنني أهمس في أذنه قائلا: عليك الاختيار جيدا في خطواتك القادمة والتخلي عن تيمة (البطل الشعبي) – مؤقتا – التي استهلكتها في عملين ناجحين (الأخ الكبير، وضربة معلم) والاتجاه إلى دفة أخرى من الأداء المتنوع، فضلا عن اختيار طاقم عمل يكفل لك النجاح، فقد جاء أداء الممثلة الفاشلة (دانا حلبي) مرتبكا، ولم تتقن اللهجة المصرية التي تكفل لها دور البطولة لتظهر أمامه بهذا الشكل المزري.
فقط أعجبني أداء (منة فضالي) في ذهابها إلى مناطق جديدة في الأداء الصعب بلغة جسد والتعبير عن المشاعر الداخلية للشخصية التي تم حصرها فيها، وخاصة في صلواتها للتخلص من زوجها الخائن، وكذلك الفنان الكبير (علاء مرسي) الذي تجلى في مساحة ضيقة للغاية ليجعل منه بطلا حقيقيا في التجسيد الدرامي على نحو احترافي يرشحه لاستغلال إمكاناته في أدوار تفجر طاقته الإبداعية الزاخرة بالألئ والأصداف، وكذلك الفنان القدير (محمد أبو داود) في اتسامه بالحكمة ورزانة العقل، وأيضا الممثل الشاب (محمد مغربي) الذي جسد دور (سيد) بتلقائية متقنة تشير إلى موهبة جديدة ينبغي ن يفسح لها المجال أكثر.