بقلم الإعلامية الكبيرة : هدى العجيمي
حاولت أن أركز قليلا لكي أكتب هذه المقالة التي ينتظرها (شهريار النجوم) فلم أفلح إلا اليوم رغم أنني مازلت في حالة مابين المرض العنيد والنقاهة.. (نجيب محفوظ).. كمان وكمان.. وكما أننا اليوم في ذكري ميلاد (أديب نوبل) نجيب محفوظ يتسابق الكتاب في تجديد الذكري وتقديم الأبحاث حول أدبه وحياته، فقدكانت هذه هى الأحوال عندما طلبت من الأديب الكاتب الصحفي (فتحى العشري) أن يحدد لي موعدا لتسجيل سهرة مع الأستاذ (نجيب محفوظ) فجاءني موعد له دلالة وهو يوم 11 /12، هو يوم بالغ الأهمية لانه عيد ميلاد نجيب محفوظ مما أعطاني إلهاما جديدا يضاف إلى رغبتي في تسجيل سهرة معه.
وبالمناسبة فإنني طالما سجلت له أحاديثا أدبية ودية اختص بها برنامج (مع الأدباء الشبان) الذي كنت أعده وأقدمه في (البرنامج العام) بالإذاعة، وكنت اتصل به مباشرة لمعرفة الموعد الذي يناسبه في تلك اللقاءات، ولم يرفض لي (ولا مرة) أي طلب، وكان يوم عيد ميلاده يوما مزدحما في مكتبه بالكتاب والإعلاميين والصحفيين المهنئين له بهذه المناسبة، وكان ذلك فرصة لكي أشاهد (نجيب محفوظ) في أحسن حالاته النفسية سعيدا ومنشرحا مما ألهمني أن أجعل من تلك الحلقة وثيقة لمسيرة أديبنا الكبير ليرجع إليها الباحثون والكتاب في أي وقت، وهو قد أدرك هذا وتجاوب مع أسئلتي في الحوار. فعندما سألته متي بدأ الكتابة علي وجه التحديد؟، أجاب: الكتابة التي تستحق هذا الاسم أي التي تستحق النشر.. ما بين عامي 1928 و 1929، ومتي بدأت نشر ما كتبت؟: ربما عام 1929 و1930 في (المجلة الجديدة، ومجلة الشباب والمعرفة) حيث كان النشر في أغلبه مقالات والقليل منه قصص، ومتي صدر لك أول كتاب؟: أول كتاب طبع في مطبعة (المجلة الجديدة) وكان كتاب (عبث الاقدار عام 1939) في نفس اليوم الذي أعلنت فيه الحرب العالمية العظمي الثانية، سألته، وأنت كنت مازلت فتى صغيرا: هل كنت تحلم بأن تكون كاتبا؟، كانت هناك أحلام لكن لم تكن جدية يعني مثلا أن أحلم بأن أصبح لاعب كرة قدم أو سياسيا كبيرا أو أحيانا كاتبا أيضا.
ولكن لأن الإجازة الصيفية كانت طويلة من منتصف مايو إلى منتصف أكتوبر من كل عام فقد كنت اقضي وقتا كبيرا منها في محاولة القراءة ومحاولة تقليد ما أقرأه في سن مبكرة ولم يطلع عليها احدا، أقرا رو اية مثلا واعيد كتابتها مرة ثانية، وكذلك الكتب مثل كتب (النظرات) للمنفلوطي أو (العبرات) فاكتب مثلها وهكذا.
إذن نتوجه بهذا إلى الشباب الآن، يقول نجيب محفوظ رغم أن الأمية كانت أيامنا 90 بالمائة وأن العشرة بالمائة الباقية من المتعلمين قليل منهم.. مثقفون بل كانوا مثقفين فعلا ومتحمسين للثقافة بالذات للكلمة المكتوبة، أي كانوا بضعة آلاف فقط هم الذين قام مجد العمالقة على أكتافهم مثل طه حسين والعقاد والمازني.. كان حبهم للثقافة يجعل لديهم حب استطلاع كل جديد، فعندما ظهرنا نحن وكنا مجهولين وعملنا لجنة النشر للجامعيين التي أنشأها المرحوم (عبد الحميد جودة السحار) كنا ساعتها مجهولين لكننا وجدنا أيضا قراء يقرأون ما نقوم بكتابته، أي أ،ن المشكلة تكمن في المتلقي وليس في الإنتاج، واقول أنه في تاريخنا الأدبي كله لم يزدهر الأدب من حيث الإنتاج ومن حيث العدد والكم ومن حيث الكيف أيضا كما ازدهر في الآونة الحاضرة.
توجد الآن مواهب كثيرة جيدة وإنتاج جيد ولكنه في الأدراج أو يقوم الأدباء بقراءته على أنفسهم.. أي أن القراء الآن في أدني حالتهم.. أي أن قاعدة القراءة انكمشت إلى أدني حد.. هل هذه فقط هي المشكلة؟.. لا لأن أسباب هذا التردى يرجع إلى أسباب عالمية وأسباب محلية.. الأسباب العالمية ترجع إلى سطوة التلفزيون والتي أثرت على القراءة في العالم كله، حتى أن أحد النقاد الفرنسيين عندما سئل لماذا لا يهتم النقاد لديكم بالأدب العربي؟، قال وهل هم مهتمون بالأدب الفرنسي حاليا لكي يهتموا بالأدب العربي؟، هذه هي الأسباب العالمية أما الأسباب المحلية عندنا فهى ترجع إلى حالة التعليم التي نعرفهاجيدا.
ويمضى الحوار مع كاتبنا الكبير (نجيب محفوظ) حول مشاكل التعليم ومشاكل النشر وهى العقبة أمام الشباب لكي نعود إلى وسائل الاتصال الحديثة من سينما وتلفزيون وراديو، فنسأل نجيب محفوظ: أليست هذه الوسائل هى التي لها الفضل في وصول رواياتك وأفكارك إلى وجدان الجمهور؟، فيجيب موافقا ويضيف: لأن الكتاب مجاله ينحصر بين عدة آلاف فقط لكن السينما والتلفزيون أسهمت في نشر الأدب على مستوى واسعا، وهى التي أوصلته إلى وجدان الشعب مما جعل أفرادا كثيرين في الطريق يتحدثون إلى عن أعمالي، وهم ليس لديهم عادة القراءة بل أكثرهم من الأميين، والسبب هو قوة الأجهزة الحديثة التي ساعدت على الانتشار وأنا أنصح الأدباء الشبان أن يستخدموا هذه الوسائل في نشر أعمالهم إذا أمكنهم ذلك لأن هذه هي وسيلة العصر.
لنفترض أن الكتابة اختفت غدا فهل تختفي الثقافة؟، طبعا لا سوف تتغير الوسيلة فقط هذا إلى جانب الاستمرار في الكتابة والإبداع والممارسة ودراسة العصر والتحرك معه، ولاشك أن هذا يلقي مسئولية على التلفزيون والإذاعة، أي أن يعتبر كل جهاز منهما نفسه ليس مصدرا للإعلام فقط بل مصدرا للثقافة والتثقيف، وليس كما كنا نظن أن الإذاعة والتلفزيون للتسلية، وإن الجد هو الأدب، ونحن اليوم نجد أن التلفزيون والإذاعة يقومان بهاتين المهمتين من أجل الثقافة القومية والثقافة العامة.