كتب : محمد حبوشة
لا تزال تيمة الصراع بين الخير والشر والنزعات الشيطانية التي يواجهها الإنسان مغرية لصناع الدراما في السينما والتلفزيون، وهى القصة التي صاغها الألماني جوته في مسرحية (فاوست)، التي قدم خلالها الشيطان الذي يعرض على الإنسان متع الحياة لكن بمقابل، وهو ما يخلق حالة الصراع، وهو نفس مضمون مسلسل (وعد إبليس) الذي انتهى موسمه الأول على منصة (شاهد) مؤخرا، والذي شهد عودة الممثل (عمرو يوسف) إلى الدراما التلفزيونية، ويشاركه البطولة (فتحي عبد الوهاب، عائشة بن أحمد، يعقوب الفرحان، خالد كمال، والممثلة الأميركية (باولا باتون)، ، وتظهر (نيللي كريم) ضيفة شرف، والمسلسل من تأليف (توني جورين وإنجي لومان فيلد) ومن إخراج (كولين توج).
صحيح أن (وعد إبليس) لم يكن العمل الأول الذي يتناول تيمة الشيطان دراميا؛ لكنه بلاشك هو أكثرهم سذاجة وسطحية ويعتريه نوع من العبط .. نعم عبط لأنه يخاطب جمهورا يفترض أنه أكثر نضجا مما قدم له من قبل مثل أول مرة عرض فيها فيلم (سفير جهنم) بطولة الراجل العظيم الفنان يوسف وهبي الذي قام بتأليف وإخراج الفيلم عام 1943، في حين قدم محمود المليجي شخصية (الشيطان) عام 1955 في فيلم (موعد مع إبليس) للمخرج كمال التلمساني، ومن جانبه أدى الممثل الراحل خالد صالح شخصية شبيهة بالشيطان في فيلم (الريس عمر حرب) عام 2008 بشكل مختلف ومعالجة بعيدة عن القصة الأصلية، وكذلك الحال في فيلم (الفيل الأزرق)، وعادت معالجة فاوست مرة أخرى عام 2016 في مسلسل (ونوس) تأليف عبد الرحيم كمال، وهذه المرة قدم الفنان يحيى الفخراني شخصية الشيطان، وقدمه (كمال) أيضا بشكل مختلف في مسلسل (جزيرة غمام) من خلال شخصية (خلدون) التي جسدها الفنان المبدع خالد لطفي.
ربما نجح (وعد إبليس) في إعادة عمرو يوسف مجددا للمنافسة التلفزيونية بعد العديد من الإخفاقات وسوء الحظ الذي تعرض له بعد توقف مشروع مسلسليه (أحمس، وسيف الله) الأمر الذي أخرج (يوسف) لعدة سنوات من المنافسة، بعد أن حقق شعبية قبلها في العديد من الأعمال التي قام ببطولتها مثل (جراند أوتيل، عشم إبليس، طايع)، وكان من المفترض أن يكون (وعد إبليس) الذي تم الترويج له باعتباره واحدا من أضخم الأعمال التي أنتجتها (شاهد) عودة قوية ليوسف ومحاولة جادة تحسب له، وتؤكد أنه يستحق الحصول على فرص مميزة، لكن أداءه جاء باهتا لا يحمل أي نوع من البريق جراء قصة أشبه ما تكون بالفانتازيا الساذجة على مستوى الخيال والمعالجة السطحية للأعيب الشيطان التي اعتدناها، حيث جاء أداؤه لشخصية إبراهيم، الذي يكتشف أن زوجته تعاني من مرض خطير قد يؤدي بها للموت، غير مقنع على الإطلاق، ناهيك عن التصنع الواضح والفذلكة عبر حوار أغلبه دار باللغة الإنجليزية – ولم تظهر الترجمة في بعض المشاهد – فبدا يوسف بليد الإحساس كعادته ممثلا ضعيف الإمكانات وغير ملائم للحالة الفنية الخاصة بالعمل.
وللحقيقة أقول أن الحلقتين الأولى والثانية كانتا تبشران بمسلسل يحمل قدرا كبير من الشغف من خلال التشويق والإثارة، خاصة أن حبكته الدرامية كانت لافتة للانتباه، والتي تدور حول إبراهيم الذي يعقد صفقة مع الشيطان من أجل إنقاذ زوجته، ولم تكن فوضى الجرافيك واضحة بكل هذا السوء الذي ظهر مع بداية الحلقة الثالثة، إلى جانب السيناريو، من العناصر التي كانت متميزة في الحلقة الأولى والثانية، أيضا كادرات التصوير والإضاءة في الإيحاء العام بحالة المسلسل، وأسهمت الإضاءة في تجسيد تفاصيل الخير والشر ونقاط الضعف والقوة للأبطال، ولا يمكن إغفال عنصر الموسيقي لأمين بوحافة، التي أضافت في البداية مزيدا من التشويق والإثارة والخوف في بعض المشاهد، فجاء التركيب الموسيقي مناسبا ومتماشيا مع الأحداث، لكن سرعان وقع في فخاخ السرعة التي أفقدته السير على وتيرة واحدة حتى النهاية.
ومن الأشياء التي السيئة التي بدت من الحلقة الثالثة: الديكور، والتراكيب البصرية للمشاهد، بداية من عجلة الشيطان، والغرفة التي يعيش بها العالم العربي، والمنزل الذي انطلق من خلاله البطل إلى عالم الشيطان وما كان فيه من مرايا والصورة التي ظهرت من خلال هذه الغرفة وديكوراتها المختلفة، وما كان لهذا الديكور من أثر سلبي على التكوين الكلي للصورة، فضلا عن فقدان التناغم الواضح بين عناصر المسلسل، الذي أكد قصور رؤية إخراجية متماسكة وقدرة ضعيفة جدا على التنسيق من قبل المخرج (كولين توج)، حيث أن هناك فرقا كبيرا ما بين الوقوع فريسة للشيطان وبأن يتحول الإنسان إلى مجرم، وربما جاء ذلك لأنه منقول بشكل كبير عن فيلم (محامي الشيطان) لعبقري الأداء (آل باتشينو).
ومن النقاط السلبية أيضا في مسلسل (وعد إبليس) أنه ورغم محاولة ابتعاد أسرة العمل عن أجواء مسلسل (ونوس) للفنان يحيى الفخراني، الذي تناول إغواء الشيطان من قبل، فإن هناك تشابها يصل إلى حد التطابق مع فيلم (الفيل الأزرق)، الذي عرض عام 2014 للفنان كريم عبد العزيز، حيث ظهر وشم عجلة الشيطان على ظهر من يوقع التعاقد مع الشيطان، وهو ما حدث في فيلم (الفيل الأزرق) حين يقوم (الجنّي) بالتجلي في صورة شخص، فيتم رسم الوشم على ظهره، وإلى جانب تشابه المشاهد، هناك تشابه بين شخصيات العملين؛ إذ جاءت شخصية واحدة من بطلات العمل نسخة من شخصية (هند صبري) في الفيلم الشهير، وارتدت الشخصية أزياء (هند) وقدمت رقصاتها في (وعد إبليس) بالطريقة نفسها حتى في الفكرة في كون الشخصية تظل مجرد حلم وخيال للبطل.
وعلى الرغم من أن مسلسل (وعد إبليس) يحمل انتاجا فنيا كبيرا ولكن بكل أسف، أخطاء السيناريو بالإضافة الى الإخراج وأداء الممثلين ساهم بشكل كبير فى تراجع المسلسل، فلم يكن مقنعا بالمرة للمشاهدين، لأنه حمل نوعا من المبالغة الكبيرة في مشاهده وفي داخل أحداثه وأداء الممثلين أيضا الذي لم يكن مناسبا بشكل كبير، و حتى الفنان (فتحي عبد الوهاب) و الذي لاقى اعجابا جيدا من البعض فلم يكن حاضرا بقوة في داخل المشاهد ومثلما قدم النجم يحى الفخراني في شخصية الشيطان في مسلسل (ونوس)، و لكنه كان قد يظهر بقوة في داخل الأحداث، ورغم الاستعانته بفريق عالمي لتنفيذ مشاهد الأكشن، وذكر صناع المسلسل أن المؤثرات البصرية والحركية في المسلسل نفذت بواسطة فريق محترف تولى المهمة في عدة أفلام عالمية ومنها سلسلة أفلام (المهمة المستحيلة) لتوم كروز، إلا أن الفشل لاحق الحلقات الأربع الأخيرة من مسلسل (وعد إبليس).
كما قلت من قبل فإن السيناريو السطحي للغاية جاء مخيبا للآمال، فقد استخدام تيمة العقد مع الشيطان دائما بحيث تمثل عنصر جذب واهتمام للمشاهد، وحاول السيناريو استغلالها في الأحداث، وكذلك حاول بناء عالم يرسي فيه القواعد الخاصة بالتعامل مع إبليس ومع الجن الذين يتلبسون البشر، ورغم أن محاولة وضع قواعد هى أمر جيد، ولكن السيناريو لم يرسي تلك القواعد بشكل منطقي بل تسرع فيها بشكل واضح وكانت في بعض الأوقات متناقضة، ورغم البداية القوية في الحلقة الأولى والثانية إلا ان مشكلات السيناريو بدأت في الظهور تباع، فقد استخدم السيناريو المصادفات وبعض التصرفات غير المنطقية من الأبطال فقط لدفع الأحداث.
كما أن التحول الذي صار يحدث لإبراهيم رغم كونه منطقي حسبما حاول السيناريو أن يوضح ولكنه في نفس الوقت كان ضعيف وغير محكم في بنائه، فلم يكن واضحا أسباب تغييرات إبراهيم فإن كانت نتيجة لوسوسة الشيطان على سبيل المثال فإنها في كثير من الأحيان كانت تنتج دون سبب فقط لتسبب حدث قوي يساهم في حركة الأحداث، وأيضا محاولة إقحام الشرطة في الأحداث لم تكن موفقة فكان الهدف منها فقط هو خلق تحديات أخرى أمام إبراهيم ولكنها لم تكن مؤثرة على الأحداث على الإطلاق، حتى تحول أحد شخصيات العمل كان من المفترض أن تكون مفاجأة قوية ولكنه في الحقيقة لم يكن مفهوم سببه وفجأة أصبح مصدر لصراع آخر لم يكن موجود منذ البداية وأثر بشكل سلبي على النهاية التي جاءت ساذجة وضعيفة نظرا لكونها تناست ما يبحث عنه إبراهيم طوال العمل، وفتحت صراعا جانبيا لم يستمر طويلا، وإن كان تم استغلاله كان سيجعل الأحداث أفضل كثيرا
وأستطيع القول بأن رسم الشخصيات لم يكن على المستوى المطلوب فقرارات الشخصيات غريبة، وكذلك تعاملها مع الأمور يتصف بالسذاجة في كثير من الأحيان، ولهذا قدمت النجمة الأمريكية (باولا باتون) أداءا باهتا تقليديا للغاية، حتى الشخصية نفسها لا تحمل صراعات، بل لا يوجد أي مبرر منطقي لوضع شخصية أمريكية في الأحداث، وكذلك أداء (عائشة بن أحمد) كان نمطيا ولم يكن مقبولا فلم تقدم تحديات تمثيلية، وكذلك أداء أحمد مجدي باستثناء بعض اللحظات التي حملت تحدي في إظهار شكل مختلف لشخصيته ونجح فيها إلى حد كبير، ورغم ان دور الشرطة في الأحداث لم يكن بقوة كبيرة ولكن ذلك لا ينفي أن كل من (أحمد الرافعي ومحمد يسري) قدما أداء جيد للغاية لضابطي المباحث المحققين في الأحداث.
أما الاخراج فكان متذبذبا، فما بين تقديم بعض المشاهد بكادرات مميزة كانت هناك مشاهد أخرى تظهر بشكل سيء، وكذلك استخدام المؤثرات البصرية الذي لم يكن جيد على الإطلاق وكان نقطة ضعف واضحة، وكذلك بعض الأخطاء الاخراجية في الحركة وفي مكساج الصوت، وكذلك استخدام الجرافيك بطريقة تشبه أفلام الثمانينيات في السينما الأمريكية، حيث تتسم بالقدم الذي لايواكب التكنولوجيا الحديثة التي تعتمد الإبهار فائق الجودة في ظل عصر الكمبيوتر القادر على صناعة مشاهد تخاطب جيل من الشباب اعتاد الإبهار بطريقة تدفع للذهول من فرط بث روح الرعب والمغامرة بأكشن محكم للغاية في عصرنا الحالي، ومن ثم فعلى الرغم من أن النهاية توحي بإمكانية العمل على جزء ثاني إلا أن العمل في الإجمال يحتاج إلى التمهل قبل أن يكون هناك جزء ثاني، خاصة مع تعدد الأخطاء والكوارث في الإخراج والسيناريو التي جعلت العمل لا يحقق النجاح المتوقع ويفقد جمهوره بتوالي الحلقات التي لم تزد عن 6 حلقات فقط.