بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح
نعاني وبكل صدق من حالة سيولة وتلاسن وظهور طفيليات من الناشاطين علي السطح الثقافي المصري، ونظراً لظروفي في العمل وتنوعه والشعر الأبيض وقد أصبح يسيطر على رأسي ولحسن حظي فقد تعاملت مع كثير من مثقفي مصر ومبدعيها الحقيقيين وترسخت لدي بعض الملاحظات أرجو أن تشاركوني فيها، هل للمثقفين في مصر ورغم ما يبذل من مجهود من الوزارة المعنية وسفريات للمحافظات وافتتاحات لأعمال ومسرحيات وقصور ثقافة، إذن أين الحلقه المفقودة بين ذلك المجهود وحالة السيولة وعدم الانتماء عند البعض والسذاجة عند البعض الآخر، وقد تجلت في تلاسن طيب يظهر جلياً علي شبكات التباعد الاجتماعي كما أطلق عليها؟
إذن أين الخلل؟ أراه في محورين: الأول المثقفون وكيف يتعاملون وتتعامل معهم الدولة؟، والثاني في الإعلام وهو المنوط بنقل الفكر والثقافة والتنوير إلى العقل الجمعي في المجتمع، من هنا أبدأ بالمثقف وقد أنعم الله على مصر الغالية بعراقة وتاريخ تمتد جذوره إلى آلاف السنين وقد قال البعض مصر جاءت وبعدها جاء التاريخ، هل من الممكن أن تكون تلك الكلمات محملة بشفونية؟، إني آراها تلامس الصواب.
نعرف جميعًا أسماء رجال التنوير منذ تاريخ طويل ووقت أن كان البعض يعمل فقط علي تجليات الشعر والملاحم الصحراوية كانت مصر بها (رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده) وكثير من عظماء التفكير والثقافة وإلى الآن لدينا عظماء ومفكرون ومثقفون حقيقيون، البعض منهم يحاول وبكل السبل لكن ألاحظ أن البعض من الكبار قد تواري وابتعد ولا يظهر إلا قليلاً ولا أعرف السبب، أخشي من قانون الطفو!
أري أن هناك حلقة مفقودة أنتجت حالة من شعور قد يصل لليقين أن بعض المثقفين يعملون في دوائر خاصة ويتحدثون لبعضهم البعض ولا تواصل إعلامي معهم إلا القليل من رجال الإعلام الحقائق، وهناك لقاءات تسعدني واغتسل عقلاً بها ولكن أريد المزيد رغم وجود بعض البرامج الثقافية وأخري تستدعي كثير من رجال التنوير والثقافة، ولكن أرها لا تكفي لبلد تجاوز أعداد سكانة المائة مليون ويزداد العدد كل عام بحوالي اتنين مليون سنويآً، وهو أمر أراه جلل مع محاولات مشكورة من الحكومة ولكن نحتاج لوعي وتنمية عقلية عن طريق الثقافة وإعلام واعٍ مدرك لخطورة الموقف.
ولي إضافة: هل يفهم مما أقولة أنني أطالب المثقفين والفنانين فقط بالانتقال للجماهير في مناطق تواجدهم أو محافظتهم أو قراهم؟، بالمنطق لا فالثقافة عبء منقول يؤثر المثقف في من يؤثرون بمعنى أن تصل أفكار المثقف إلى شباب المتعلمين بالأقاليم وهم ينقلون تلك المعارف إلى القري وعن طريق الثقافة الجماهيرية والنشاط الجامعي والمدرسي، وعلى سبيل المثال في المسرح مثلاً أري أن تؤخذ معظم الأعمال المسرحية التي تعرض في القاهرة وتسلم للمحافظات ليتم تنفيذها بنجوم ومخرجين ومواهب تلك المحافظات ولا نكتفي بإرسال بعض الأعمال بنجومها وتكاليف أعمالها إليهم.
من مشاكل الثقافة أيضا أن يتطاوس البعض منهم فلا يقبل نقد ولا اختلاف مع وجهة نظره وتكون النتائج صفرية .. يا أنا يا أنت، أعرف مثقف حقيقي ومستنير ويمتلك مكتبة بها آلاف الكتب وأمهات الكتب ولكن الجحيم أن تختلف معه يتحول إلى عنف لفظي وتعال في الأداء وأراه خسر كثيراً ولا أفاد ولا استفاد تلك حالة محزنة، أن تعرف عليك أن تدرك أنك لا تصل لليقين ومستحيل أن تري بزاوية 360، وعبر عن ذلك العظيم (نجيب محفوظ) في قصة قصيرة باسم (الحوادث المثيرة)، وكذلك المؤرخ البريطاني (أرنولد تويني) وهو من أعظم مؤرخي القرن العشرين، حين قال: حدثت مشاجرة أمام بيتي وبعد ست ساعات سمعتها من الجيران بست روايات مختلفة فما بالك بالأحداث التي جرت من مئات السنين!، وهو نفس المعني الذي تعرض له العظيم (نجيب محفوظ) في (الحوادث المثيرة).
أنت تعرف من معرفة ولها مصادر وزوايا للرواة فما تراه من الأمام يراه البعض من خلفيتة يخرج عن ذلك كل ما يخرج من المعمل والقوانين العلمية التي اختبرت، المعرفة قابلة للنقاش ووجهات النظر وبعضها يعتمد أساساً على إعمال العقل الذي دعا اليه كل رجال التنوير في العالم وقال عنه (زكي نجيب محمود) أن حلول الصدف في الدراما إنما تساعد علي عدم إعمال العقل، وأرى أن الخلاف في الرأي صحي ولا يجب أن يقف أمامه المثقفون فالبقاء للأصح والذي تختبره الأيام.
أعلم يا سيدي أن البعض لا يمتلك القدرة على ممارسة رياضة التفكير ويتعايش مع حالة خموله الفكري ويتصالح معها لقد كان ليقين العقيد القذافي وصوره أمام المكتبة الكبيرة وثقته في صحة أقواله والنتيجة ما شاهدناه والعالم من نهاية عبثية، وحين قرأت الكتاب الأخضر الطيب أدركت أن ما حدث للشقيقه ليبيا وما يحدث إلى الآن هو يقين القذافي وثقته فيما قرأ وأعتقد به وعدم الانصياع لأحد.
ضع أمامك أنك كلما عرفت فهي محاولات للإضافة لثوابت لبعض الساكن والتقليدي يدعمه تجويد البعض والاستفادة والسبوبة من بقاء الحال كما هو عليه، إننا نحاول بالمعارف وبعضها قديم ومجتهد وحاول ولكن توجد نسبة ولو قليلة من عدم الصواب، ومن هنا نأتي لدور الإعلام الخطير ويعرف البعض كيف فعل (جوبلز) وزير إعلام (هتلر)، وكيف كانت النهاية في الحرب العالمية الثانية انتحار الثالوث (هتلر) وإعلامه وألمانيا.
الثقافة والفنون والإعلام والمثقفين هم القاطرة التي تأخذك إلى الوعي والتنمية والانتماء والمعرفة التي أراها من أهم مقومات الإبداع فحين تبدع فأنت تضيف وتجدد، ومن هنا يأتي الابتكار في كل مناحي الحياة لا أطالب بالكثير فقط افتحوا للمثقفين الحقيقيين وللإعلام المهني الحقيقي وأدعو للمره العاشرة لرجوع وزارة الإعلام وماسبيرو الذي مازال يتابع برامجة القديمة حتى الآن ملايين من المشاهدين، أخرجوا المثقفين من أماكنهم ليعرف الناس ماذا يحدث في مصر رغم كل ما يدور حولنا العالم يعيش أزمات لم نراها منذ سنين أوبئة وحروب وطمع ونعاني من أداء لا إنساني ونشاهد قانون الغاب يعود أحياناً والقوي يهدم الضعيف.
فهل لنا أن نتعظ ونقف جميعاً خلف مصر التي حفظها الله وتستحق منا الفهم والوعي والإخلاص، تلك اجتهادات قد تكون على صواب ولكني علي يقين أنها من قلبي دون أدني مواربة حفظ الله مصر التي تنطلق بمحبيها وتستحق .