بقلم : بهاء الدين يوسف
وكأن الدراما المصرية التي خسرت نسبة غير قليلة من جاذبيتها للمشاهد العربي في السنوات الأخيرة تحتاج لمنافس جديد لا يقل إزعاجا من الدراما التركية والهندية ومن قبلهما المكسيكية التي اجتاحت الشاشات العربية منذ سنوات طويلة، لتسحب جزء كبيرا من البساط من تحت أقدام الدراما المصرية التي تعاني منذ سنوات بسبب ضعف السيناريوهات وتفصيل مسلسلات على مقاس بعض النجوم المفضلين عند الشركة الوحيدة التي تحتكر شراء وعرض الإنتاج الدرامي المصري.
الحديث هنا عن الدراما الكورية التي بدأت في غزو العالم في الفترة الأخيرة ضمن ما يسمى بخطة (موجة الهاليو) التي بدأت منذ تسعينات القرن الماضي وتعني الموجة الكورية أو التدفق الكوري، وهى حركة ثقافية تهدف إلى نشر الثقافة الكورية الجنوبية حول العالم.
الملاحظ أن الكوريين في تخطيطهم لموجة (الهاليو) كانوا يعرفون تماما خطواتهم وماذا يفعلون لتحقيق الانتشار في سوق تسيطر عليه تقريبا الدراما الأمريكية التي لم تنجح أغلب دول أوروبا في منافستها، والمدهش أنهم تمتعوا بالصبر وعدم استعجال النتائج خلال تنفيذها حتى نجحت في غزو الصين نفسها وفرضت الثقافة واللغة الكورية على مئات ملايين الصينين رغم ضخامة الإنتاج الدرامي الصيني، ما دفع الحكومة في بكين للتدخل وفرض حظر على إذاعة الدراما الكورية عبر خدمات البث المدفوعة في عام 2017، قبل أن ينهار الحظر سريعا خلال 8 شهور فقط بسبب الشعبية الكبيرة التي تحظى بها تلك الدراما بين الصينيين.. لكن كيف نجح الكوريون في خطتهم؟!
وضع صناع الدراما في الدولة التي تقع في شرق آسيا رهانهم الأول على خلطة تشبه تلك التي أوصلت أديبنا الكبير الراحل نجيب محفوظ إلى العالمية، وهى الاستغراق في المحلية، ووفقا لدراسة أكاديمية في جامعة فيينا النمساوية فإن شعبية الأعمال الدرامية الكورية تستند إلى القيم التي تنقلها، مثل احترام الكبار وتقوى الوالدين والتوجه الأسري، بينما تعتقد شركة YA Entertainment ، الموزع الأمريكي للمسلسلات الكورية أن جزءًا من جاذبيتها يأتي من جودة عمل الكاميرا والمواقع ذات المناظر الخلابة والأزياء المذهلة مما يجعل (المنتج النهائي) أنيقًا وجذابًا للغاية، فضلا عن أن المسلسلات الكورية مبتكرة ولا تتوافق مع الإنتاج التلفزيوني العربي.
شخصيا بدأ تعرفي على الدراما الكورية من خلال بناتي اللاتي يتابعن الدراما وأغاني البوب وحتى الثقافة نفسها، ولفت انتباهي انبهارهن بالمجتمع الكوري، بل إن أصغرهن بدأت في تعلم اللغة الكورية لتستطيع مشاهدة المسلسلات وفهمها دون ترجمة، بعد ذلك شاهدت فيلم “parasite” أو (طفيلي) الحاصل على جائزة الأوسكار عام 2020 كأفضل فيلم أجنبي، وبعدها استسلمت لرغبة بناتي في متابعة المزيد من الدراما الكورية ووجدت أنها آمنة عليهن أكثر من الدراما الأمريكية وحتى من بعض الأعمال الدرامية المصرية، فالمشاهد نظيفة ولا تتضمن مناظر ساخنة أو شتائم أو عبارات موحية، فضلا عن نظافة المجتمع الكوري حتى في أفقر أحيائه، فالشوارع نظيفة ليس بها حفر ولا توجد على جنباتها قمامة وحتى سوق السمك الذي يعد في أغلب الدول من أكثر الأماكن قذارة تشعر به في كوريا لا يختلف في نظافته عن القصر الرئاسي.
المحزن في الأمر أن تأثير الدراما أو كما يطلق عليها (القوة الناعمة) هام جدا في نشر ثقافة الدول ولم لا جذب الملايين أو ربما عشرات الملايين من المتعاطفين معها حول العالم، وقد تمكنت كوريا الجنوبية من التسلل إلى عقول شبابنا وأولادنا بجانب تحقيق مليارات الدولارات من التسويق الخارجي لإنتاجها الدرامي ليكون أحد الصادرات الكورية المهمة في السنوات الأخيرة.
في المقابل تزامنت تلك الانتفاضة الدرامية الكورية وقبلها التركية مع خسارة مصر التدريجية لقوتها الناعمة، التي مكنتها من ريادة العالم العربي في عقود سابقة بفضل الفن المصري الذي كان يتربع وحيدا على شاشات أغلب الدول العربية، قبل أن يتراجع بفضل الغياب الكلي للرؤية التي تفضل إنتاج أعمال درامية موجهة لإرضاء هذا المسؤول أو ذاك تاركة ليس فقط الساحة والعقول العربية لغزو الدراما التركية والكورية، ولكن أيضا محتوى الدراما المصرية مثلما حدث حين اقتبس الجزء السادس من مسلسل (الكبير أوي – بضعة حلقات فقط) من المسلسل الكوري (لعبة الحبار) الذي أدى نجاحه المدوي على منصة (نتفليكس) إلى إقبال كبير حول العالم على تعلم اللغة الكورية، حيث وصل عدد من يريدون تعلمها إلى قرابة 8 ملايين مستخدم لشبكة البث المدفوع.