بقلم : عمرو زويتة
مضمون العمل وفكرته الرئيسية فى اعتقادى هو كيف لبلد آمن متماسك اجتماعيا ولايوجد تفاوت طبقى كبير بينهم أن ينهار وينهشه الخراب وتحل عليه لعنة الزوبعة، ويتشرذم بهذا الانقسام والفرقة خاصة وأغلب سكان الجزيرة صيادون ودعاء ينعموا فى استقرار وسلام فى ظل حاكم عادل مستبد هو الملجأ والملاذ لهم.
الفكرة مغرية وواعدة لو أحسن استخدامها خاصة والعمل بالرغم من أنه قبل قرن من الزمان لكن له انعكاساته وأصدائه على الحاضر وإلا فقد المسلسل مبرر وجوده، من البداية وقع النص حتى لو لم يعلن صراحة فى غرام فكرة المستبد القادر على تحقيق العدالة والمصلحة العامة فى شخصية الكبير (الحاج عجمى)، بل وإعطائها صبغة شرعية وأستطيع أن اشم رائحة الشعراوى وهو يقف أمام مبارك وهو ينشد لحن يؤتى الملك من يشاء – أعنى لحن توظيف الآية – خاصة والشخصية مكتوبة لكى تقع فى غرامها وكيف لا وهو الحامى والحارس الأمين على المصلحة وينظر إلى كل أبناء الجزيرة وكأنهم أبناءه، وعلى صعيد آخر هل كان الحشد الكبير للأساطير والرمزيات الدينية فى صالح مسلسل (جزيرة غمام) أم أنها أضاعت وحدة الهدف وشتتت مضمون الفكرة، بمعنى آخر: هل كثرة هذه الحمولات الدينية تم توظيفها بشكل درامى فنى لتقول شيئا جديدا أم أنها مجرد رمزيات مبعثرة لم يستفيد منها العمل وأضرت به ظنا من الكاتب انها ستعطى تعدد للدلالة ومساحة اكبر للتأويل والخراب؟.
هنا يأخذ مستويين: المستوى الأول موضوعى تكمن أسبابه فى سلوك الناس فى الداخل والشر القادم عليهم من الخارج وهم طرح البحر، المستوى الثانى: هو العقاب الإلهى المتمثل فى (الزوبعة) التى تهلك وتدمر كل النفوس الخربانة ولاينجو منها سوى أصحاب القلوب السليمة حسب تحذير الشيخ مدين.
الحبكة الدرامية:
مع حادثة غريبة لم تحدث من قبل فى الجزيرة وهى مقتل الصبية (سندس) ابنة بنت (مليحة) العمياء، ورغم كل المحاولات الدؤوبة والجادة من كبير الجزيرة للبحث ومعرفة من غرر بها وقتلها لكن دون جدوى، وتزامن مقتل (سندس) مع مجيئ طرح البحر وموت الشيخ مدين، فبدأ البحر يقل خيره ويبخل عليهم، والصيادون لايأتون بما يكفى، هنا بدأ يتضح مسار الأحداث فى تكريس وتأصيل لعقاب غيبى ماورائى فى صيادين غلابة ليس لهم ذنب، ذكرنى ذلك بـ (وحيد حامد) وفارق الرؤية الجسورة بينه وبين (عبد الرحيم كمال) فى فيلم (النوم فى العسل)، حين عم البلاء واشتدت المحنة على الناس نزل العميد (مجدى نور) رئيس مباحث العاصمة لرصد حركة الشارع والناس بنفسه فدخل المسجد والكنسية ليستطلع رؤيتهم للمحنة، فوجد تطابقا بين الاثنين فى أن ماحدث هو غضب من الله لبعدنا عن دينه والخروج على طاعته، وتم عرض خطاب الكنيسة والمسجد كسخرية من تأويل العقل الوعظى للمحنة وتواطئهم على الأسباب الحقيقية للمحنة، على عكس عبد الرحيم كمال الذى استسهل تكريس الحل الغيبى المفارق وتحويل الصراع الإنسانى على أنه لعبة أقدار، وحتى بعد معرفة قتلة (سندس)، وهما (قدرى) ابن (بطلان) و(نجاح) ابن هلالة لم يقتص منهم بل ماتوا بعقاب إلهى
(نجاح) مات غرقا وهو يحاول الهرب و(قدرى) مات فى مخزن تتليج السمك دون تدخل أى عامل خارجى فى موتهما، أنا لست ضد حضور القدر بقدر ماكان يمكن توظيف ذلك كبعد متعالى ضمن مجموعة من الأبعاد التى تخضع للمحايد والنسبى والإنسانى لكنه لم يفعل.
قام عبد الرحيم كمال باستحضار وتوظيف قصة يوسف الصديق وتخلى إخوته له، (الشيخ مدين) لم ينجب أولاد وقرب نهاية أجله وأثناء لحظات احتضارة اجتمع بتلاميذة الثلاثة، وهو من رباهم وأصبحوا بمثابة أبنائه (محارب ويسرى وعرفات)، أوصى بخلافة المشيخة محارب الأكثر علما وأشدهم رغبة فى السلطة، وأعطى يسرى بيته الذى حصل قليل من العلم وينشد متع الدنيا، وأعطى عرفات أفقرهم وأزهدهم فى الدنيا سبحته وكتابه السرى الذى دون فيه كل أسرار الجزيرة ، وفى نفس اليوم الذى مات فيه (الشيخ مدين) تنصل محارب ويسرى من عرفات وتركوه للشارع بلا مأوى، حاملا منشار للخشب لإصلاح باب أو شباك أو يصنع طبالى أو كنب، متسامح حد التفريط وتاركا مصيرة للمجهول، ومع ذلك هو الوحيد الذى فاز وأنقذ الجزيرة وأنقذ إخوته بالتبنى كما أنقذ يوسف الصديق مصر وإخوته بعد ذلك ، لكن بسكة أخرى تأخذ شكل أسطورة النبى نوح ببناء سفينة الغوث والنجاة، بينما حياته كانت أقرب ليسوع الناصرى فى عمله كنجار وغرامه بـ (نوارة العايقة)، وكأنها هى الأخرى (مريم المجدلية).
كل هذا الاستحضار الرمزى الكثيف لم يخدم البناء الدرامى بقدر مايخدم فكرة سذاجة تصفية النفس والدعوة إلى اللجوء إلى مسبب الأسباب بالقفز على حقائق الواقع جاهلة بالظرف الاجتماعى والاقتصادى المحرك له.
بناء الشخصيات:
جعل من شخصية (عرفات) شخصية ذات بعد واحد فوق إنسانى لايعرف الغيرة ولا الحقد ولا الكراهية، لايحمل علما ولم يأخذ نصيبا من اسمه ولايملك أى ملكات أخرى سوى الخوارق التى تجرى على يديه وتخضع لارادة غيبية لا أثر لها فى الواقع ولايجرى الكلام عنها سوى وسط العوام والدراويش والمجاذيب، يخرج من الحبس والأقفال موجودة كما هى، أو يفوت هو والأطفال فى قلب السور ويخرج من الناحية الثانية وسط اندهاش الناس، لم يستثمر هذه الخوارق على نحو فانتازى بل على أنها حقيقة عرفاتية، والعجب أن هذه الخوارق لم يفعلها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو المصطفى، والأغرب أنها مكافآت ربانية هائلة لكونه خاضع راضى مستسلم ويسير فى الشوارع كالمتسولين.
وهذا خلل، فكيف يسعد ويطمئن بالرضا وهو المحروم والمستبعد من كل نعمة، حتى عندما ذهب ليأخذ بيت أبوه بعد يسرى ما أظهر له عدم رغبته بوجوده بالبيت، فذهب محاولا استعادة بيت أبوه الحقيقى فوجد جاره قد استولى عليه، وبرر له الأمر بعد موت أبيه بأنه اضطر أن يوسع على نفسه فاستخدم البيت فقال له عرفات: (طب ادينى ذريبة المواشى اللى ورا البيت أنام فيها رد عليه جاره مستنكرا والبهايم تنام فى الطل)، فتركه عرفات بنفس راضية بل قام بإصلاح باب بيت من اغتصب حقه مجانا أيضا، فهو متسامح حد التفريط والبلادة وكائن بلا طموح أو رغبة لإشباعها ووجهه مشرق بابتسامة الرضا. وحين أدرك عبد الرحيم كمال أن الشخصية لا إنسانية أحادية البعد فاضطر أن يدخله فى لعبة الغواية حتى يمنحه بعدا إنسانيا ، فحين أهداه (خلدون) عباءته شعر بذاته وتولد داخله إحساس بتضخم الذات لدرجة أنه عندما قابل الأطفال كان جافا معهم على عكس طبيعته ونهر أحدهم لأن أحد الاطفال داعبة ومسك العباية، وهذا غير منطقى لأنه دخل فى اختبارات من الغواية أشد وأكبر من هذا بكثير ونجح فى الاختبار، فكيف من صمد أمام غواية (العايقة) وهى تملك كل مقومات الغواية من جمال وفتنة ودلال، أو كيف رفض عرض كبير الجزيرة الحاج (عجمى) فى عرضه عليه أن يزوجه ابنته وهى فى غاية الجمال والغنى والحسب، أو حين يبجله كبير الجزيرة أو الباشا القادم من عند الخديوى عباس حلمى وهو يخاطبه معجبا به على أنه عالم جليل، استنكر ذلك تواضعا منه ومؤكدا على أنه لايرغب فى شيئ أكثر من المحبة والزهد فى شهوات الدنيا، فكيف يقع فى الغواية لمجرد ارتداء عباية أهداها له (خلدون) طرح البحر الذى لا أصل له ولايطربه تبجيل الباشا لصيق الصلة بالخديو له، هنا خلل فى بناء شخصية (عرفات) الذى استعصى على الغواية الأشد والاصعب.
وفى المقابل هنا خلل فى بناء شخصية (خلدون) الذى تم تصويره على أنه نموذج (إبليسى) وهذا نموذج غير موجود، فلا يوجد خير مطلق أو شر مطلق، الانسان هو مساحة صراع بين الخير والشر له صفة الديمومة، لكن أن يصوره على أنه عامل الخراب الخارجى الذى سيهزم المجتمع المتماسك اجتماعيا، ناسيا عبد الرحيم نفسه أن ابليس الشيطان الذى عصى ربه لم يحسم انتصاره على أى بلد حتى لو كان كل سكانها مارقين، فكيف لإبليس البشر أن ينتصر بهذه البساطة على بلد بكاملها دون أن تحمل اسباب هزيمتها من الداخل.
شخصية (الشيخ مدين) هو الآخر متعدد المهام كمرجع دينى وحيد مشهود بنزاهته ورقة خصاله وله مكانة رفيعة مستمدة من قداسة الدين الذى يمثله، مسموع كلمته للكبير قبل الصغير، لاترد له كلمة ويأخذ المكانة الثانية بعد (العجمى) كبير الجزيرة فى المجلس العرفى للجزيرة، هذا الرجل رمز النقاء الدينى أو النسخة الأكثر صفاءا القادر على استشراف المستقبل على نحو عرفانى، كيف يربى ويعلم ثلاثة وتكون النتيجة للتابعين له واحد متطرف عنيف ومتناقض وهو (محارب) ويأخذ صندوق أموال المسجد ليصرفها على تدريب الشباب كى ينفذوا شرع الله بالقوة، ويشترى سلاح يستقوى به حتى على السلطة التنفيذية ويأخذ جزء من المال لنفسه، ويسرى الذى اشتغل فى النصب وعمل الأعمال والأحجبة واصطياد النساء، كيف استطاع الشيخ مدين أن يتنبأ بالزوبعة والمصير الكارثى للجزيرة كلها ولم يستطع أن يتنبأ بمصير من رباهم على يديه، وأيضا الكتاب الذى تركه الشيخ مدين لعرفات وحمولاته وكأنه نسخة من اللوح المحفوظ المدون فيه كل شيئ، لماذا دونه الشيخ مدين وكتبه واحتفظ به، ولماذا كان يسجل اعترافات الناس له وهى أسرار ائتمنوه عليها، ولماذا أعطاه لعرفات كى يطلع على أسرار الناس (اللى ربنا سترها واحتفظ بها لنفسه)؟، أعتقد ان عبد الرحيم كمال ابتكر هذه الحيلة لكى يقع الكتاب فى يد (خلدون) ليكتمل الابتزاز والسيطرة على الناس من خلال معرفة أسرارهم ويكون مبرر كافى لتأجيج الصراع لصالحه.
شخصية (الغاشى) كبير مطاريد الجبل قتل من الناس أكثر بكثير من اللى يعرفهم، فهو مكتوب على أنه كائن بلا قلب ولم تتسلل مشاعر الرحمة إليه يوما من الأيام ، بقدرة قادر يدخل قلبه الهداية بعد دقيقتين من مقابلة (عرفات)، ويصبح خادم مطيع له ويبكى فيهتز الجبل من بكاؤه ويصبح ألعوبه مهينة لصبيانه، بينما من عاشوا عمرهم مع (عرفات) حقدوا عليه وتآمروا عليه وأعنى (محارب ويسرى) وهم أقرب الناس إليه وشركاؤه فى تربية (الشيخ مدين) لهم.
شخصية (هلالة) أيضا شخصية مثالية ليست من لحم ودم، فحين طلب ابنها الوحيد الزواج من ابنة زوجها وحبيبها (العجمى) رفضت لأن ابنها لايصلح للزواج من ابنة زوجها بحجة أنها تعرف دوافعه، والعجمى يريد إقناعها بكل السبل وهى تصر على رأيها، وحين تأكدت من أن ابنها كان أحد قتلة (سندس) هى من أصرت على القصاص منه بينما العجمى كان لايرغب فى ذلك، أين تماسك المنطق؟، المفروض أنها أم وليست أخصائية نفسية.
الاستثناء كان فى بناء شخصية (نوارة العايقة)، لأنها تطورت دراميا، فالبرغم من أن منطق شخصيتها أنها غانية تربت على الغواية والمتع الحرام مقابل المال، ولاتعرف العاطفة طريق لقلبها إلا أنها وقعت فريسة للحب ولم تستطع أن تنفذ ماطلبه (خلدون) بالوقيعة ببركات وفضحه، هنا أحبت الشيطانة وظهر بعد إنسانى كان تائها فى زحمة الغواية والعيش الحرام، هنا تكمن الدراما، وأيضا التواءات علاقتها بخلدون جسدت ذلك أفضل تجسيد فى ارتفاع وانخفاض العلاقة بينهم، وكأن الصراع بداخلها تحول إلى عرفات الخير مقابل خلدون الشر.
تفاقم الصراع
وحين تدافعت أحداث الجزيرة نحو الانقسام بين (العجمى) المستبد العادل وبين الانتهازى الخبيث (بطلان) أحد أهم مساعديه بين قبلى وبحرى وتم بناء سور بينهم رغم عدم منطقية بناء السور، تفرقت الجزيرة بعد أن كانوا نسيج اجتماعى واحد وغالبيتهم بينهم أواصر قرابة الدم تشرذموا إلى شيع ، هنا الأحداث أهدت نفسها لعبد الرحيم كمال كى يقف على أسباب التشرذم ويجد حل ومخرج بالناس كى يصنعوا واقعهم بأيديهم ، وكان يمكن أن يعطى المسلسل قبلة الحياة بشباب الجزيرة الذين حملوا السكاكين واتجهوا نحو عدوهم (خلدون) الذى فضح كل أسرارهم واذلهم وشاركوا جميعا فى قتلة ثم يتجهوا إلى (العجمى) ويشاركوه القضاء على (بطلان) ومجموعته ويصبحوا شركاء وليسوا رعايا، لكنهم جلسوا فى انتظار أن يحارب الله معركتهم بالنيابة عنهم، هنا كان ينبغى فرد مساحة أكبر لهم على أنهم قادرين على صناعة واقعهم، لكن عبد الرحيم كمال رفض هذا الحل وأراد تصعيد الأمر حتى يكون المخرج الوحيد والنهائى هو الحل الغيبى بصناعة سفينة نوح، بالتسليم والرضا والانبطاح، أو بالأحرى نزع الارادة ليتجلى العجز كى تحكم المقادير.
هناك بعض ألاخطاء البسيطة من ملابس المفروض أن أجزاء منها متآكلة ومقطعة لكن واضأ ان الملابس جديدة، عرفات حين هرب من الجبل قابل امرأة أمام مقابر (شوطة) اللى عرفته مكان مقبرة أب وام نوارة العايقة وكان معها أكل (فايش) محمص لايتناسب مع طبيعة المكان ولاطبيعة من تحملة ولازمنه، وحواجبها والكحل اللى فى عينيها ونظافة هدومها أيضا لاتتناسب مع طبيعة عملها ولا المكان الموجودة فيه هناك، أو طريقة عمل سور داخل بلد لايمكن لانها ستكون مفتوحه من عدة جهات وهذا يعنى أن الفكرة عبثية ومجرد الشروع فيها نوع من العبث، وأموت واعرف عرفات كان بيصرف على نفسه منين وهو لا يأخذ مقابل شغله وايه فايدة المنشار اللى شايله، او الطراز الحديث للعجلة اللى أهداها العجمى للباشا، والغريب أن المداس التى أخذته المرأه من عرفات فى الجبل جاب غيره منين بعد أن عاد للجزيرة، والأعجب انه طلع نفس المداس اللى أخدته منه المرأة.
خروج الناس من كهف السفينة بعد انتهاء الزوبعة ليس به أثر لنقطة مية ، (كان ممكن تبعلى كتابة جملة على الشاشة بعد مرور عدة أيام وغير – اللوكيشن – وأنا حشترى، وحاجات كتير مثل هذا)، لكن هذا كله لايؤثر بشكل مباشر أو أساسى فلا يوجد عمل مهما كان بلا أخطاء مثل هذه.
أداء الممثلين:
كان أحد مكافئات المسلسل القليلة (طارق لطفى) أجاد فى دور خلدون وقدم رؤية للشر ليست شبه أحد قبل ذلك من حيث التلوين والتباين فيها، لكن الشخصية برغم أدائها الجيد إلا أنها ذات بعد وحيد تستطيع بسهولة أن تدرك مآلاتها وتتوقع مصيرها، أيضا دور (عرفات) بالرغم من أن أحمد أمين قدم أداء هو الآخر كبير، ودور حتما سيرفع من أسهمه فى بورصة الدراما بعد ذلك، إلا انه ايضا كان دور مسطح الأبعاد ولايوجد تطور ملحوظ فى الشخصية ولايحتاج لمواصفات تشخصية كبيرة وتسطيع أن تعرف إلى أين ستصل الشخصية، مى عز الدين لم أكن من المعجبين كثيرا بها، لكن دورها كان الأصعب والاعمق قدمت فيه أداء هائل واستثنائى وصلت فيه حد اللمعان والتوهج، لاتستطيع أن تتنبأ بما ستفعله، قادرة على أن تفاجئك فى أى لحظة بما هو غير متوقع، عفقت الشخصية وانطلقت، وجهها كان يعكس بسهولة ودون أفورة كل صراعتها الغاطسة فى العمق، دور بمثابة مغامرة كبيرة تفوقت فيه باستحقاق وجدارة، محمد جمعه وفتحى عبد الوهاب، قدموا أداء جيدا فأدوارهما لم تكن بسيطة لتعدد مستوى الصراع بداخلهم وقدما أداء مستحق ومتميز، وفاء عامر أداء جيد لكن لم يضيف الدور لها كثيرا إلا من حيث الشكل ، فالدور بسيط وسهل، محمود البزاوى قدم دور إضافة له أثبت فيه أنه ممثل كبير وقدير، ورياض الخولى وصل لدرجة من النضج والتألق لم يصل إليها من قبل، فالبرغم من بساطة الدور إلا أن أداءه أعطى أبعادا وتفاصيل لم تكن مكتوبة فأعطى الدور متعة وقيمة ومكانة أكبر.
الإخراج:
المخرج حسين المنباوى من أهم اسباب نجاح العمل قدم رؤية درامية تستحق المشاهدة أخفت الكثير من فجوات الفكرة، فى اختياره الأماكن وتنوعها فى كيفية تجسيده البصرى، صحيح كان هناك مشاهد لاتضيف للعمل وتحصيل حاصل مما أعطت الإحساس بالملل أحيانا وهبوط فى الإيقاع أحيانا أخرى، وهناك مشاهد مطولة دون داع، لكن طريقة تقطيع اللقطات كان موفقا مما خفف من الإحساس ببطء الايقع ، استفاد كثيرا من سخاء الإنتاج فى تصميم الجزيرة.
ومع كل مامضى استمتعت بصوت (على الحجار) فقد أضفى على العمل أجواء جمالية بكلمات (إبراهيم عبد الفتاح)، وموسيقى شادى مؤنس كانت إضافة للدراما وساهمت فى نقل الأثر الدرامى ، أما (إسلام عبد السميع) مدير التصوير كان من أهم عوامل نجاح المسلسل سمح له المكان والإضاءة المعبرة على حالة وأجواء كل مشهد على حدة، بأخذ كادرات فى منتهى الروعة وتجلى فى تصوير (الزوبعة) والأحداث المصاحبة لها، وفضلا عن ذلك فإن تصميم الديكور أضاف إحساس الزمن على المكان ، وبالفعل فإن المونتاج لعب دور مهم فى نقل اللقطات مما أعطى إحساس بسرعة الإيقاع والحوار لايتحرك إلى الإمام.
الخلاصة :
البشر لاتصنع الأحداث وأنهم مجرد إعداد للمناورة، أو هم فرحة المنتصر أوهزيمة المهزوم، لاوجود فاعل لهم، أو مجرد وجود بيولوجى من أجل التناسل، أو مجرد أعداد فى مركز الإحصاء، مكبلين بالرضا والخنوع والاستسلام، تحركهم لغة الجبر ولايوجد لديهم اختيار، واعتمد حل تسويق النسخة الأكثر تشوها للفكر الصوفى كى نصبح كالمتسولين أو مجاذيب الموالد وتعلو وجوهنا ابتسامة الرضا واليقين كعرفات حتى تتحقق المعجزات على أيدينا.