بقلم : عمر علي
انتهت منذ أيام الدورة الثالثة والأربعون من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وكانت دورة حافلة بالأفلام المميزة كعادة الدورات التي ترأسها الكاتب والمنتج محمد حفظي ، وكنت قد حرصت على متابعة فعاليات المهرجان كعادتي كل عام وشاهدت خلال أسبوع المهرجان خمسة عشر فيلما سأتحدث عنهم بالتفصيل على مقالتين منفصلتين.
كيارا
البداية كانت بفيلم من أفلام المسابقة الدولية بعنوان (كيارا) وهو فيلم إنتاج أسباني وفرنسي مشترك من إخراج جوناس كاربينانو، وقد توجت بطلته سوامي روتولو بجائزة أفضل ممثلة في حفل الختام . يحكي الفيلم حول الفتاة المراهقة كيارا التي تعيش مع أختها ووالدتها ووالدها حياة هادئة نوعاً ويبدو من المشاهد الأولى أنها شديدة التعلق بوالدها تحديداً ، إلى أن تنقلب حياتها رأساً على عقب عندما يهجر أبيها المنزل وهي لا تعلم السبب وتظل طوال الأحداث تبحث عنه إلى تجده في النهاية وتصدم عندما تكتشف حقيقته وهي أنه ببساطة تاجر مخدرات ! ..
سيناريو الفيلم جاء متماسكاً إلى حد كبير ونجح في كشف مفاجأته الواحدة تلو الأخرى، ووصل إلى نهاية منطقية ومتناسقة مع الحدث ، كما نجح المخرج في توجيه ممثليه بعناية فائقة.
عجلة الحظ والفانتازيا
ثاني مشاهداتي في ايام المهرجان كانت للفيلم الياباني (عجلة الحظ والفانتازيا) وهو من إخراج ريسكي هاماجوتشي ، وينقسم الفيلم إلى ثلاثة أقسام تدور كل منها حول قصة سيدة ، فالأولى لديها مشكلة تتعلق بحبها لحبيبها القديم والذي هو بالصدفة خطيب أقرب صديقاتها الآن ، والثانية لديها مشكلة تتعلق بحبها لأستاذها في الجامعة وتعلقها بكتاباته ، والثالثة والأخيرة لديها مشكلة بخصوص رغبتها في رؤية صديقة طفولتها لكنها تفشل في إيجادها. هذا الفيلم من أفضل أفلام هذه الدورة وعرض في القسم الرسمي خارج المسابقة. لكلمة الأفضل هذه عدة أسباب أولها أنه يحتوى على طريقة سرد مختلفة ومتفردة ولا تتكرر كثيراً وهي فكرة تقسيم الأحداث إلى ثلاث أقسام منفصلة ، بحيث أخذ كل قسم حوالي 40 دقيقة على الشاشة ، طريقة الإخراج التي اعتمدت على تقنية اللقطة الواحدة في أغلب مشاهد الفيلم ، الحوار الأخاذ الذي يمسك بعقل المشاهد ويجعله يتابع الحدث الذي دارت أغلب مشاهد كل قصة فيه في أماكن محدودة ، ويحسب للمخرج أيضاً حسن إختيار ممثليه ، الذين كانوا جميعاً في أفضل حالاتهم.
دوار
ثالث مشاهداتي في المهرجان كان لفيلم دوار (Vortex) للمخرج الفرنسي الكبير جاسبر نوي والذي يحكي حول زوجين في سن الشيخوخة يعيشان مع بعضهما. يعتبر هذا الفيلم من أسوأ الأفلام التي شاهدتها خلال الدورة والحقيقة أني لم أستطع أن أكمله وخرجت قبل نهاية العرض بحوالي نصف ساعة، اعتمد المخرج تكنيك الشاشة المنقسمة إلى نصفين وذلك طوال أحداث الفيلم تقريباً ، مما أثر على قدرة الجمهور على المتابعة ، فطوال مدة الفيلم نرى الزوج في نصف الشاشة الأيمن والزوجة في نصف الشاشة الأيسر وكل منهما في مكان ويحدث له شئ ما ، حتى في المشاهد التي جمعتهما كانت الشاشة منقسمة أيضاً بدون أي داعي أو مبرر درامي ، حتى اذا اخذنا بالظن الذي يقول أن المخرج إختار هذه الطريقة ليقول أن كل منهما في وادي وليس هناك ما يجمع بينهما ، فإن ذلك مبرر ضعيف ليجعل تكنيك الإخراج بهذه الطريقة. وربما يكون هذه من الأفلام القليلة التي ينطبق إسمها عليها لأن طريقة الإخراج أصابت الجمهور بالدوار لهذا لم يستطع أغلب من في القاعة من إكمال الفيلم حتى نهايته.
تمساح النيل
بعد فيلم (دوار) كان لي لقاء مع أول فيلم مصري يعرض في المهرجان وعرض في قسم العروض الخاصة وهو فيلم (تمساح النيل) للمخرج نبيل الشاذلي ، والذي يحكي فيه مسيرة السباح المصري العالمي عبد اللطيف أبو هيف ، وكان الفيلم من إنتاج شركة مصر العالمية للمنتج جابي خوري.
وثقت أحداث الفيلم رحلة أبو هيف منذ بداياته وحتى وفاته عام 2008 ، وأيضاً أوضحت جميع السباقات الدولية التي شارك فيها خارج البلاد في الأرجنتين وأمريكا وروسيا. أفضل ما في الفيلم في رأيي هو التكثيف الشديد لرحلة البطل إذ جاءت مدة الفيلم حوالي ساعة وخمس دقائق ، لم يقع الفيلم في فخ المط والتطويل الذي كان من الممكن أن يقع فيه نظراً لكثرة أحداث رحلة أبو هيف التي امتدت من الأربعينات وحتى نهاية الستينات من القرن الماضي . على مستوى التصوير لم تكن الكادرات موفقة تحديداً داخل منزل أبو هيف وتحديداً في المشاهد التي يحكي فيها هو عن حياته ومسيرته ، أما باقي الاحداث فقد حرص المخرج على وضع مواد أرشيفية حقيقة من السباقات التي شارك فيها أبو هيف وصوراً له مع الملك فاروق ورؤساء الجمهورية الذين أتوا بعده ، إجمالاً فإن الفيلم يعد من أفضل أفلام المهرجان هذا العام.
المنزل المجاور
من قسم العروض الخاصة أيضاً شاهدت في اليوم التالي فيلم (المنزل المجاور Next door) وهو إنتاج مشترك بين أمريكا وألمانيا ومن إخراج دانيال برول . تدور أحداثه حول دانيال النجم السينمائي الذي يستعد للسفر لإجراء اختبار أداء في لندن وقبل السفر يعرج إلى أحد الحانات فيقابل جاره برونو الذي يغير له مجرى اليوم بل ويغير له مجرى حياته كلها من خلال لقاءهم هذا ، إذ يفاجئ دانيال أن برونو يعرف أسراراً عنه وعن أهل بيته لم يكن يتوقعها.
دارت أحداث الفيلم كلها تقريباً في مكان واحد وهو الحانة الذي تقابل فيها البطلان وقد نجح المخرج في خلق زوايا تصوير وكادرات مختلفة داخل هذا المكان بحيث هرب بنجاح من فخ الملل وبطء الإيقاع ، ويحسب للسيناريو هذا الحوار الآخاذ السريع الذي يصيب الهدف فوراً دون لف ودوران ليس لهم داعي ، مما جعل الفيلم مشوقاً إلى حد كبير رغم أنه يدور حول شخصيتين في مكان واحد.