إثيوبيا بين نبوءة جمال حمدان ودعوة أنيس منصور
بقلم : محمد شمروخ
انشغلت أجهزة إعلامنا المقروءة والمسموعة والمرئية مع الإعلام الموازي على مواقع الإنترنت بتفاصيل كثيرة عن قضية السد الإثيوبي وقتلته بحثا وتداولت أراء وتحليلات وتوقعات إلا أن أمرا تم تجاهله حتى لكأننا تواطأنا على هذا التجاهل دون أن ندري أو أن نقصد، وهذا الأمر تجاهله المفكرون والمحللون في غمرات الاهتمام والقلق على أهميته القصوى.
وهو باختصار عن أثيوبيا من الداخل.. أرضها وشعبها وعقلها، فإن كنا حتى هذه اللحظة لم نشحن أنفسنا بالقدر الكافى بالمعلومات عن أثيوبيا نفسها وهى بالرغم من الرباط الجغرافي كشريك في القارة الإفريقية وكمنبع رئيسي من منابع النيل، وعلى الرغم من الرابط التاريخى منذ العصور القديمة وما وقع من صلات تاريخية جعلت كثيرا من المؤرخين يعتبرون اسم إثيوبيا نفسه مشتقا من (إيزيس) الربة المصرية الشهيرة في الأساطير القديمة والتى انتشرت ديانتها في كثير من بلاد العالم القديم حتى أضحى لقب (سيدة بلاد إثيوبيا) من بين ألقاب الربة المصرية القديمة.
الأمر لم يقتصر على ذلك فرغم بعد المسافات الجغرافية إلا أن تاريخ الديانة المسيحية في إثيوبيا ذو جذور مصرية أصيلة، خاصة منذ أن قام البابا السكندرى إثناثيوس بتعيين فرمنتيوس، في منتصف عشرينيات القرن الرابع الميلادى، أسقفا لإثيوبيا ومنذ ذلك العهد ظل البابا القبطي هو البابا لبلاد إثيوبيا، حتى حدث الانشقاق الكبير والانفصال النهائي عن كنيسة مصر في عصرنا الحالى دون دخول في التفاصيل المؤلمة.
فإن كان هناك نهر النيل قد ربط بيننا وبين أثيوبيا فإن هذا الرباط لم يكن رباطا جغرافيا فقط، بل تاريخيا، لكن باتت أثيوبيا تلك المنطقة الواقعة في القرن الإفريقي المرتبط أمنه بالأمن القومى المصري، كالأمن القومى العربي تماما، أجهل ما يكون بالنسبة لنا، فنحن لا نكاد نعرف عنها سوى ما نعرفه عن أى دولة إفريقية أخرى.
لا نعرف شيئا ذا بال عن معتقداتها ولا طوائفها ولا عرقياتها ولا صراعاتها إلا ما بعض يقال مؤخرا عن معارك التيجراى والأورومو والأمهرة فمن هم التيجراي الذين لم تعرفنا عليه قنواتنا الفضائية أو صحفنا المطبوعة ؟! وأيضا من هم الأورومو؟!
من هم الأمهرة؟!
هل ثمة عرقيات وطوائف أخرى؟
ما لغاتهم، ثقافاتهم، عاداتهم، اهتماماتهم، طبائعهم، أمزجتهم، مستوياتهم الحضارية؟!
ماذا صار حال المسيحية في إثيوبيا الآن بعد انفصال كنيستها عن كنيستنا المصرية؟
أتباع الكنيسة القبطية من الإثيوبيين.. ما هو مصيرهم الآن وهل انقطعت كل الصلات معهم؟
هناك مسلمون في إثيوبيا.. ما مذهبهم، عددهم؟.. نسبتهم.. أحوالهم.. تأثيرهم؟
آبى أحمد الذي يتردد اسمه الآن أكثر من أي اسم لزعيم أجنبي، نعلم فقط أنه مسيحى من أب مسلم وأم مسيحية يدين بالمذهب الإنجيلي الخماسينى.. كيف حدث ذلك؟!.. وكيف انتشر المذهب الخماسينى هناك وما علاقته بالمذاهب المسيحية الأخرى؟
إثيوبيا تنافس مصر على المركز الثانى إفريقيا من حيث عدد السكان، فما هى توزيعات السكان المتفرقين بين عرقيات ولغات وأقاليم ومعتقدات شتى، مسيحية، إسلامية، يهودية، وثنية، كيف يمكن اعتبارهم شعبا واحدا لدولة واحدة؟!
ثم نأتى لأمر في غاية من الأهمية وهى الطبيعة الجغرافية لهذه البلاد من حيث الموقع والتضاريس والمناخ.. يكفى مثلا أن تعرف أن إثيوبيا تبدو كأنها جزر منعزلة فوق الهضبة الحبشية شديدة الوعورة والتى لها تأثير خطير على كل مجريات التاريخ وعلى الطبائع الاجتماعية وتوزيعات العرقيات ونشأة الصراعات الداخلية.
ومدى خطورة هذا السؤال عن تأثير موسم الأمطار على أرجاء بلاد إثيوبيا وكيف تبدو في شهور الصيف؟!
ثم ما هى اهتمامات الإثيوبيين بالفنون والعلوم والثقافة عامة.. وهل ثمة أدب أو سينما أو دراما أو مسرح إثيوبي؟!
ثم ما هى صورة مصر والمصريين في المخيلة الإثيوبية وكيف ينظرون إلينا ولماذا ظهر هذا العداء وهل كان كامنا أن أنه وليد الظروف الراهنة؟!
كل هذه الأسئلة ليس لها أدنى اهتمام في أجهزة الإعلام المصرية المرئية والمسوعة والمكتوبة، فلقد استغرقتنا في مجادلاتنا العقيمة وثرثرة ما بين(الهرى، والهبد) بينما غفلنا عن كل هذا وربما اعتبرناه من قبيل الترف بينما هو عين الغفلة، فترانا سواء صلحت أمورنا مع إثيوبيا أم حكم القدر بعداء قريب أو بعيد المدى، هل نفكر في معرفة من وكيف يكون عدونا الحاضر أم المستقبلى الواقع أم المحتمل؟!.
وفي ضوء ما عرفه المفكر الموسوعى العظيم جمال حمدان، كانت نبوءته التى تتحقق الآن من الخطر المتربص بمصر القادم من الجنوب، فحمدان لم يضرب الرمل ولا كان منجما ولكنه عرف ودرس واستوعب من ثبات الجغرافيا وحركة التاريخ ليتنبأ على أسس علمية بما نراه الآن بأعيننا ولعله دفع حياته ثمنا لنبوءاته!
وفي أعقاب نكسة 1967، نعوذ بالله من ذكرى مرارتها، قام الكاتب الراحل العظيم أنيس منصور بتنظيم معرض عن إسرائيل تحت عنوان “اعرف عدوك” لنعرف كل شيء عن هذا العدو الرابض على حدودنا الشرقية والذي احتل سيناء وهدد عمق أراضينا وكان هذا المعرض ناجحا ومرحبا به من جل المثقفين، فغير معقول أن يعرف عدونا عنا كل شيء بينما نحن نجهل كل ما يجب أن نعرفه عنه!
هذا دور الكتاب والمثقفين في كل مجال، أن نعرف وننشر المعرفة عمن هم الذين يتربصون بوجودنا وما يفتأون يهددون ويتوعدون، لا أقول لديهم القدرة، ولكن أزعم أن ما يصدر عنهم يوميا من عداء للوجود المصري كاف لأن ننتبه لنعرف عنهم كل ما يجب معرفته، فلو بذلنا نصف جهدنا وطاقتنا في هذا الهراء اليومى لأعددنا موسوعات عن إثيوبيا التى لا نكاد نعرف عنها شيئا!
فليكن أول مكسب حقيقي في معركة سلم نرتجيه الآن أم حرب قد تفرض علينا مستقبلا، هو أن نعلم، فذاك العلم ليس بالظفر القليل!.
ونسألكم الفاتحة على روحي العظيمين جمال حمدان وأنيس منصور.