بقلم : محمد حبوشة
أصبحت (السوشيال ميديا) تسيطر على حياتنا بشكل عام، هذا بحسب خبيرة التسويق الإلكتروني الأردنية، لمى حدادين، لافتة إلى أن السوشيال ميديا لها تأثير إيجابي في مسألة التسويق وعلى الدراما في رمضان، إذ نجحت في الترويج للأعمال الدرامية والإعلانية أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الجمهور لمشاهدة المسلسلات والإعلانات الرمضانية في المواعيد، وأضافت أنه بدون (السوشيال ميديا) ما كان وصل أعداد المتابعين لأعمال الدراما لهذا العدد الكبير، إذ تقوم بحشد الجماهير لمتابعة تلك الأعمال خلال الشهر الكريم، مشيرة إلى أن السوشيال ميديا فتحت الباب للأشخاص للتعبير عن رأيهم، إلا أنه في ظل كثافة وجود محتوى درامي في رمضان يفتح المجال أمام الانتقادات، إذ كلما زاد المحتوى كلما زاد الانتقاد.
وظني أن التعليقات الواردة على صفحات السوشيال ميديا قد تكون إيجابية في جذب أكبر عدد من الجمهور، ولا تعني فشل العمل ولكن استفزاز الجمهور للتفاعل مع الأعمال هو نجاح بحد ذاته، لكن النقطة السلبية في تلك التعليقات هى أن رواد هذه المواقع أصبحوا رقيبا ثقيل الظل على الدراما الرمضانية المعروضة حاليا، بعد أن أتاحت السوشيال ميديا للجمهور ممارسة مهام النقاد الفنيين، حيث باتت تعليقاتهم مؤثرة بصورة كبيرة على العمل سواء سلباً أو إيجاباً، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل كشف الجمهور عن أخطاء وقع فيها صانعو الدراما والتي ربما أفسدت متعة المشاهدة من وجهة نظر البعض من رواد تلك المواقع، وكانت زريعة للمجلس الأعلى للإعلام في استئساده على مسلسل (الطاووس) في محاولات وقفه، بينما البعض الآخر وقف متصديا ومدافعا عن المسلسل ومن ثم تراجع المجلس عن قراره في أقل من 24 ساعة.
أرى أن صيغة السخرية أحياناً والناصحة أحيانا أخرى، وهى لا تفارق (خفة ظل) نشطاء مواقع التواصل، جاءت معظمها في تعليقات إيجابية، لتلقي باللوم على المخرج في بعض أخطاء الأعمال، والذي اعتبرته (آخر من يعلم) بوقوعها، بعد عرضها على الشاشة، وليس أمام كاميرا التصوير، فضلاً عن فريق مساعديه، وحتى كتاب السيناريو، والممثلين أنفسهم، حيث جاءت بعضها مخالفة للمنطق، وليس للحقائق التاريخية فقط، فيما حذر آخرون من أن الرقيب الجديد (السوشيال ميديا)، حاسم ويقظ، بشأن كل ما يعرض على الشاشة، لكن حذاري من آثار تلك السخرية اللاذعة على صناعة الدراما المصرية التي تتطور بصورة مذهلة مؤخرا، لأنها في غالبيتها عبارة عن انطباعات شخصية قد لاترقى إلى مستوى النقد البناء الذي يرشد ويوجه وتصبح السخرية لمجرد السخرية، وهو ما يؤكد أن سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي ربما تؤثر سلبا على سير عمل الدراما المصرية على مستوى الرسالة والهدف.
ومن خلال متابعتي للعديد من تلك المواقع لاحظت أنه لا يكاد ينتهي الجمهور من رصد خطأ إلا ويفاجئهم خطأ جديد، فمثلا انتشرت صورة من مشهد للفنان ياسر جلال في الحلقة الثانية من مسلسل (ضل راجل) وهو يجلس داخل ميكروباص ويتحدث عبر هاتفه المحمول (بالمقلوب)، وهو المشهد الذي كان يتحدث فيه مع زوجته التي تجسد شخصيتها الفنانة نرمين الفقي، كما انتشرت صورة من مسلسل (ملوك الجدعنة) على منصات التواصل الاجتماعي، أثارت سخرية الكثيرين، ظهر فيها أمين شرطة بشارة على الكتف تحتوي على 4 شرائط بدلًا من 3 شرائط – وهو الوضع الطبيعي – ضمن أحداث المسلسل، وقد سلط المتابعون الضوء على خطأ ارتبط بمحمد رمضان في مسلسل (موسى)، حيث ظهر رمضان بأسنان ناصعة البياض، وهو الأمر الذي انتقده المتابعون باعتبار أن عمليات تجميل الأسنان لم تكن موجودة خلال فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر في أربعينيات القرن الماضي.
وعلى جانب آخر كانت السوشيال ميديا سببا في كشف خلافات بين الفنانين في بعض الأعمال الدرامية خلال رمضان، وتحولت إلى ساحة للسجال بين الفنانين، نقلت عنها المواقع الإلكترونية والصحف ووسائل الإعلام، وبذلك غدت الحسابات الشخصية لصناع الدراما مصدرا للأخبار، وسط تساؤل حول تهديد هذه الحسابات لعمل الصحافة والإعلام الفني؟، ولعل خبراء وإعلاميون أكدوا أهمية مواقع التواصل في الترويج للأعمال الدرامية والفنانين، لكنهم يتخوفون في الوقت نفسه من تأثير ذلك على الصحافة الفنية، في حين رأى فنانون أن لكل وسيلة دورها، ولا يمكن الاستغناء عن الصحافة والإعلام الفني.
صحيح أن السوشيال ميديا انحازت بشكل واضح إلى بعض الأعمال مسلسل (الاختيار) وسلطت أضواء كاشفة عليه باعتباره من أهم الأعمال الرائدة في مواجهة خطاب المتطرفين، والسبب في ذلك يرجع إن أبطاله نجحوا عبر صور متحركة وحوار درامي شيق في نقل الصورة الحقيقية والواقعية لحوادث سياسية هامة مرت بها البلاد، فضلا عن أن هذا العمل جسد الواقع واقترب من الحقيقة بزواياها المختلفة التي غابت عن بعض النّاس، وأهمية هذا العمل تكمن في أنه سلط الضوء على مواجهة الإرهاب، بينما رسم صورة واقعية له، كيف يفكر؟ وكيف يعيش؟ فضلاً عن مصادر تمويله ودعمه، وهذه المعلومات يفتقدها رجل الشارع البسيط الذي يفتقد أيضاً المعرفة الكافية التي تقيه شر هذه التنظيمات.
لكن في قلب عالم السوشيال ميديا الذي يموج بتحولات مذهلة يمكن أن تندس الكتائب الإلكترونية الإخوانية في إطار التشويش على الرسائل التي تتضمنها بعض المسلسلات وهو ما حدث بالفعل مع مسلسلات (الاختيار – هجمة مرتدة – القاهرة كابول) فلم تكتفي قناة (الجزيرة) وبعض المواقع الإخوانية وأخرى أجنبية مساندة لها من مهاجمة تلك المسلسلات علانية على صفحاتها متهمة إياها بعدم المصداقية، بل أطلقت كتائبها الخبيثة لتشيد بمسلسلات تحرض على العنف والبلطجة والذبح والقتل بهدف لفت الأنظار لها وصرف الناس عن مسلسلات تحارب الإرهاب وتشيد بوطنية رجال المخابرات في وقت لا يمكن لدولة ما أن تقضي على ظاهرة الإرهاب بمفردها من دون أن يُغرد معها الشارع بكل أطيافه وطوائفه، الدولة تحمل السلاح من خلال الجهاز الأمني لمواجهة الإرهابيين، بينما يحمل النّاس أمانة الكلمة في مواجهة هذه التنظيمات أيضاً، وكلاهما لا يقل عن بعضهم بعضاً في الأهمية، ومن أهمية مشاركة المجتمع في معركة المواجهة أصبح للفن دور لا يمكن إنكارة في تأثير هذه المواجهة، بل فاق تأثيرها تخيلات الكثير.
وقد زادت عمليات التخفي والتغلغل من جانب الكتائب الإخوانية هذا الموسم الرمضاني 2021 بإبداء أراء سلبية عن ثلاثية الدراما الوطنية (الاختيار – هجمة مرتدة – القاهرة كابل) في ظل غلبة طابع هذه المسلسلات من المواجهة ومناقشة التحديات التي تؤثر في أمن البلاد والعبّاد، في ظل هذا الموسم الذي يعد الأكثر نضجا خلال العشر سنوات الأخيرة، من خلال دراما توعوية يحتاجها المشاهد ويبحث عنها، كما بدت بوضوح في الجزء الثاني من مسلسل (الاختيار)، والذي سلط الضوء على حوادث عاشها الشعب المصري خلال العقد الأخير، حاولت فيها جماعات العنف والتطرف وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين اختطاف الوطن ورهن أبنائه، وهو ما جسدته هذه الدراما ببراعة شديدة، ويبدو أن هذا التحوّل الذي شهدته الدراما في مصر مهم، إلى الحد الذي أثار حفيظة الجماعة الإرهابية فراحت تستغل السوشيال ميديا في محاولة للتشويس على رسائل التأكيد على الهوية الوطنية لدي الشباب الذي أقبل بشكل كبير على نوعية هذه الدراما.
ولأن مسلسل (الاختيار) جسّد الواقع واقترب من الحوادث، فشعر المشاهد بالصدق فكان النجاح الحقيقي، الصدق في كل شيء وليس في المشاهد أو الحوار بين أبطال العمل، ولكن في توظيف هذه المشاهد أيضا، وفي الديكور، الصدق في نقل صورة واقعية عن جماعة الإخوان المسلمين تختلف كثيراً عن الصورة التي قدمت عنهم في أعمال سابقة، والاختلاف بدا في صدق الصورة من دون مبالغة قد تؤثر في قبول المشاهد أو متابعته للعمل الفني، لقد كان (الاختيار) عملا صادقا، اختلف عن الأعمال التي تناولت ظاهرة الإرهاب في التسعينات من القرن الماضي، فأقحم فيها كتابها حشوا عاطفيا حتى تصل رسالتهم للمشاهد، فضاعت الفكرة بين مشاهد لا قيمة لها في عمل كان يبحث المشاهد بداخله عن قيمة حقيقية، وكل ما استقر في عقله تحرش الإرهابي بسيدات وأبطال العمل!
هذه المفاهيم الدرامية التي ركزت على القيمة والمعنى والرسالة وكشفت عن خطط الدولة لمواجهة الإرهاب الإخواني، فضلا عن كشف أساليب (قطر) وخططها الشيطانية في النيل من مصر لحساب جماعات العنف والقتل باسم الدين كما أوضحه مسلسل (القاهرة – كابول) بالإضافة إلى دورها البائس عبر قناة الجزيزة وأجهزة مخابراتها في التورط بالخيانة مع مخابرات عالمية، كما أظهره من تعاون مستتر بحسب وقائع مسلسل (هجمة مرتدة)، كلها عوامل ساهمت في غضب عارم عبرت عنه الجزيرة وبعض القنوات الإخوانية جنبا إلى جنب مع السوشيال ميديا التي راحت تعزف على ذات اللحن من الصعبانيات واتهام دولة 30 يونيو بأنها تزيف التاريخ من خلال الدراما، وذلك بعد أن تم تحييد سلاح الكلمة من خلال الفن في معركة مواجهة الإرهاب سنوات طويلة، وعند أول اختبار لهذا السلاح بدت فعاليته بصورة أبهرت الجميع ونجحت في تفكيك خطاب هؤلاء المتطرفين، والمثال بدا واضحا في اعتصامي (رابعة العدوية، والنهضة) في مصر، فقد نجحت جماعة الإخوان المسلمين في تحويلهما بكائية لا تختلف كثيراً عن مظلومية قتل الحسين عند الشيعة، فكانت تلطم الخدود في كل مناسبة وفي غير مناسبة، وهنا نجح التنظيم في تسويق مغالطات كثيرة عن مواجهة الدولة للإرهاب، لكن دراما هذا العام أوضحت الحقائق كاملة.
بقى نقطة مهمة في تأثير السوشيال ميديا على دراما رمضان وهى (الترندات المزيفة) فقديمًا كان الاعتماد على استطلاعات الرأي، التي تبحث عن أفضلية مسلسل على حساب الآخرين، لكن في عصر التكنولوجيا، أصبح الجميع يبحث عن (التريند) وأرقام المشاهدات وكل ما يثبت انجذاب الجمهور نحو منتجك الفني، وللأسف حتى الآن لا يوجد رادع قوي للتريندات المزيفة، ولا يمكن للمنصات تتبع ذلك بشكل تلقائي، لكن هناك علامات واضحة على ذلك يمكن أن يراها الجمهور، مثل أن تجد حسابات بأسماء غريبة، ولا تحتوي على بيانات شخصية، أو منشورات أخرى عن أحداث مختلفة، كما تجد أن محتوى المنشورات والتدوينات واحد لا يتغير بتغير الأشخاص، وأيضا إذا وجدت هاشتاج معين تصدر قائمة التريند، ثم اختفى من القائمة تماما، فأعلم أن السبب وراء ذلك اللجان الإلكترونية الإخوانية، وأنك أمام تريند مزيف، حيث يحتاج الهاشتاج في الأغلب للتدرج في قائمة التريند حتى يصل إلى صدارتها.
مما سبق يتضح لنا أن السوشيال ميديا أصبحت تلعب خطيرا في تزييف الحقائق حول الدرما الرمضانية فتقوم بتعلية مشاهدات مسلسل على حساب آخر أو محاولة النيل من مسلسل بعينه لحساب جهة أو شركات إنتاج كما تعرض مسلسل (الطاووس) لحملة ممنهجة ضده على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أيام، اعتمادا على اللجان الإلكترونية، وظهرت بعد ذلك حملة مقابلة من مشاهدي المسلسل ومحبينه، وبعد ذلك تم تحويل القائمين على العمل إلى التحقيق من قبل المجلس الأعلى للإعلام .. إنها الجريمة المنظمة التي يقوم بها رواد السوشيال ميديا يوميا، ومن ثم على الجمهور أن يعي حقيقة هذا التزييف العمدي مع سبق الإصرار والترصد.