هلالى .. بين عالم وإعلامي
بقلم : محمد شمروخ
احترت والله في الحديث عن الدكتور سعد هلالى الأستاذ بجامعة الأزهر، فهل أصفه بالداعية الذي أخذ على عاتقه نشر الدعوة إلى التجديد في القفه لمواكبة روح العصر الذي نعيش فيه؟!، وهى دعوة لا تخلو من متاعب ما بين متشددين في التمسك بما جاء عن السلف وبين مجددين يرون أن السلف (رجال ونحن رجال) وكذلك متربصون بين الفريقين ينتشرون هنا وهناك لإشعال حرائق حول هذا الرأى أو ذاك ولا هم لهم إلا أن تظل الحرائق مشتعلة!.
أم هل أتعامل معه على أنه عالم متخصص في الفقه المقارن ومحيط بكم هائل من التراث الفقهى؟!.. ما جعله يتميز بذلك بين الدعاة، كاشفا عن خدعة البعض بالإفتاء على مذهب واحد على أنه هو وحده رأى الشرع الحنيف، وكذلك افتراءات الجانب المضاد في اتهام الفقه الإسلامى كله بالجمود والانغلاق.
الحق الحق، إنه برع في هذا وذاك حتى صار نجما من نجوم الشاشات والإعلام، يمتاز بنسبة نشاط وحضور يندر أن تجدها بين آخرين من زملائه في المضمار ذاته، حتى أولئك الذين اشتروا قنوات كاملة لحسابهم، مع ذلك بزهم في نجوميته وسبقهم في ظهوره، حتى فوجئنا به يقدم برنامجا في القناة الأولى بعد تطويرها، فجلس في مقعد المذيع ومارس دورا جديدا كإعلامى له برنامج من بابه، فيختار الموضوعات التى سيتم طرحها والضيوف الذين ويناقش معهم هذه الموضوعات ويشرف علاوة على ذلك على طاقم عمل البرنامج والتنسيق مع الجهات المشرفة على العمل ليمارس علمه من قلب المطبخ الإعلامى نفسه بعد أن صار إعلاميا أكثر منه عالما ودعائيا أشد منه داعية!.
وهذا ما كنت أخشى على الدكتور هلالي منه، أن يتحول من عالم إلى إعلامي، فهذا مكمن الخطر لأن الإعلامى له طابع خاص من مهنته في الحرص على الظهور ومن هذا الظهور يستمد وجوده وتأثيره في جمهوره وهو لا يسعى لما يسعى إليه العالم من الثيت واليقين، بل يقدم ما هو مثير على ما كان ذا قيمة، أما العالم فأمره مختلف تماما، فحب الحقيقة أكثر إيثارا لديه من أى حب آخر والظهور لديه مسألة ثانوية، أما نشر علمه، فيلتزم بمنظومة حاكمة للنشر من شأنها أن تحافظ على وقار هذا العالم ولا تجعل للنجومية إليه سبيلا. ولعل الدكتور هلالى يعرف جيدا أن هناك كثيرا من العلماء من الوزن الثقيل منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، لكنهم آثروا العلم على الإعلام، آملين أن ينشر تلامذتهم ومريدهم ماتلقوا على أيديهم من علم وليس هذا احتقارا للإعلام لأن العلم لابد له من وسائل انتشار أهمها وأوسعها أجهزة الإعلام التقليدية من صحافة وإذاعة وتلفزيون، وغير التقليدية كمواقع الإنترنت.
لكن اللعبة الإعلامية لها مخاطرها، فالإعلام هدف لقوى كثيرة متصارعة تهدف لنشر دعاوى سياسية اقتصادية وعقائدية وإيديولوجية وفي النهاية لابد أن يقع تحت سيطرة ما، لذلك لابد للعالم الإعلامى أن يتدرب على السير على السلك الإعلامى، خاصة وأن الإعلام كعملية تجارية بالدرجة الأولى هادفة للربح بلا تردد، فانتهى الأمر بسيطرة الإعلان على الإعلام، لينسحب العلم إلى أقصى نقطة بعيدا عن الكاميرا والمايك، إلا بما يمكن أن يزيد من مساحة الفاصل الإعلامي، فلم يعد نشر الثقافة العلمية وتناول النظريات والاكتشافات وتداول الآراء، من أجل عيون المعرفة والحقيقة ولذلك تحولت ساحات الإعلام إلى ما يشبه مناقرة الديوك لإحداث حالة من البلبة قد تكون مقصودة حتى تتسع دوائرها ومن ثم تترجم إلى اتساع دوائر مشاهدة ونسب متابعة فإعلانات وسيول من الأموال.
وماذا في ذلك؟!
لا .. هناك ماذا وماذا وماذا؟! فالأمر عندما يدخل في مجال الإعلان وتدفق الأموال تكون هناك اهتمامات أخرى ولابد من الحفاظ على مستوى معين من الميزانية وهامش ربح ما يلبث أن ينضم إلا أصل رأس المال، ثم يطلب هامش آخر، وهكذا دواليك حتى تصبح العملية عملية تجارية بحته ويتدخل المنتج في عمل الإعلامي ثم ما يلبث المعلن أن يتدخل في عمل المنتج، وهذه أجواء لا يمكن أن تتناسب مع وقار العلم.
فهل حسب الدكتور هلالى كل ذلك؟!.. أم أن النجومية طغت وصارت أضواء كشافات الاستوديو أكثر أهمية من نور العلم؟!.