كتب : مروان محمد
من خلال مسلسل يتناول حقبة غنية في تاريخ دمشق بشكل جديد وجريء وتتداخل فيه كل المكونات الاجتماعية لتكوين مجتمع متجانس يكشف العوالم الدمشقية، تأتي أحداث (بروكار) والذي سجل تلك الأجواء السياسية التي تتمثل بمطامع الدول الكبرى في المنطقة العربية من خلال حرفة صناعة قماش (البروكار) الدمشقية النادرة، ومعروف أن هذا القماش المصنع من الحرير والذهب والفضة له تاريخ متجذر في دمشق يمتد لآلاف السنين، أيام كان يأتي الحرير الطبيعي الذي يُصنع منه من الصين، وقد حاول العثمانيون نقل حرفة البروكار إلى اسطنبول أثناء احتلالهم لسوريا، لكنهم فشلوا في ذلك جراء حفاظ أهل الصنعة على أسرارها ، ثم جاء عهد الاحتلال الفرنسي، فوفد مهندس فرنسي اسمه (جاكار)، واطلع على أحد الأنوال الدمشقية ورسمه بالكامل، ثم أخذ المخطّطات إلى فرنسا وصّمم آلة سميت باسمه (جاكار) فصار قماش البروكار يصنع آليا، وهذا ما كاد يقضي على حرفة البروكار اليدوية الأصلية في دمشق.
تلك الأحداث وغيرها تدور حولها حلقات مسلسل (بروكار) الذي عرض في موسم رمضان 2020، تأليف سمير هزيم، وإخراج محمد زهير رجب، وبطولة (عبدالهادي الصباغ، سليم صبري، سلمى المصري، زهير رمضان، مها المصري، سعد مينة، يزن الخليل، قاسم ملحو، نادين، علاء قاسم، فيلدا سمور، محمود خليلي، صفوح الميماس، رنا الأبيض، وائل زيدان، معن عبدالحق، زينة بارافي)، وآخرين ممن برعوا في أداء أدورهم على نحو يشبه إلى حد قريب أجواء (باب الحارة) المسلسل الأشهر المستمدة أحداثه من قلب البيئة الشامية.
تتداخل في المسلسل العديد من الخطوط الدرامية، فإضافة إلى الخط الأساسي الجديد بطرحه في دراما البيئة الشامية، وهو خط المهندس الذي يسرق أسرار المهنة، تحضر الخطوط الاعتيادية التي لا تغيب عن أي مسلسل حول البيئة الشامية، فهناك شخصية الهمشري (سعد مينة) الذي يمثل ضمير الناس البسطاء أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا، وقد جسد (مينا) الشخصية بقدرة فائقة على الإبداع في تقمصه للدور والعيش فيه على نحو يظهر البطولة والشهامة الدمشقية في مواجهة الاحتلال الفرنسي في ظل ممارسات تعسفية تحاول كسر العادات والتقاليد والعصف بمقدرات شعب ينعم بالتجانس بين أفراده من الصناع والتجار وغيرهم من قاطني حارتي (الخوخة والجوزة) مسرح الأحداث.
ويبدو واضحا في قلب الدراما الشامية في (بروكار) كثرة أعمال المقاومة الشعبية للاحتلال وعلى الرغم من توصل سلطات الاحتلال لاتفاق مع أهالي الحي لتوقيع هدنة بحيث لا يتعرّض أحد للآخر، بعد جولات من المعارك والعنف، ولكن (الهمشري) يرفض هذا الأمر، ويبقى على عهده بمقاومة الاحتلال من خلال القيام بالعديد من الأعمال التي تسبب الحرج والازدراء للجنود دون أن تصل به الأعمال إلى قتل أحد منهم، وهذا ما يثير غضب الاحتلال فيزرع الجواسيس لكي يتعرّف على شخصية الفاعل.
وسوف تلحظ في ثنايا المسلسل ذرى درامية موازية تتمثل في التنافس الذي يكون بين شخصيتين هامتين في الحي (عزمي بك وأبو النور)، وهما شخصيتان نافذتان ومتعارضتان في نفس الوقت، أحدهما يورّد للمشغل الخيوط الذهبية والآخر الخيوط الفضية، وكذلك تحضر حالات الطمع الإنساني الذي يكلف شخصا، وهو (الهمشري) أن يفقد حقه في ميراث أبيه لكون شقيقه (عزمي بك) قد أخذ كل المال، وبالطبع ستحضر قصة الحب التي تجمع بين شاب وطني يدرس الطب في الجامعة يكون درعا واقيا وقت الشدة لحماية حقوق حيه ووطنه من بطش المستعمر الفرنسي القابض على مقاليد الأمور في الحارتين وبالضرورة في دمشق كلها.
ولقد أعجبني جدا تفادى المسلسل تلك المطبات التي كثيرا ما وجدت في أعمال البيئة الشامية، والتي تتمثل في حصر المرأة في البيت وجعلها أداة تابعة للرجل، الأمر الذي يؤكد صناع العمل أنهم تجاوزوه، إذ تحضر شخصية نسوية قوية هى الطبيبة (أنطوانيت) التي تؤديها الفنانة نادين خوري، وتمثل شخصية طبيبة تقاوم ظروفها الشخصية والوطنية بقوة، وتمن ثم كون إحدى الشخصيات الهامة في المسلسل كله، وتدور حولها الكثير من الأحداث الدرامية الساخنة.
خلاصة القول أن (بروكار) هو إسقاط على المجتمع السوري، وذلك عبر مزج بين القديم والجديد، حيث يتناول موضوعات تتعلق بالحضارة الموجودة بدمشق، ومن هنا تتداخل كل المكونات الاجتماعية لتكوين مجتمع متجانس، كما في خيوط (البروكار) التي تصنع قماشا جميلا، ويصنّف قماش البروكار الدمشقي بأنه الأغلى في العالم، وعبر التاريخ كان يحظى بالاهتمام من قبل صناع الأقمشة والملابس ونساء الملوك والحكام في العالم، ولعل هذا قد تجسد في أن (ماري أنطوانيت) ملكة فرنسا التي أطاحت بها الثورة الفرنسية كانت تمتلك عشرات الفساتين منه، كذلك تؤكد المصادر التاريخية أن رئيس الجمهورية السورية الأسبق (شكري القوتلي) أهدى الملكة (إليزابيث الثانية) ملكة إنجلترا باسم الشعب السوري مئتي متر من البروكار لصناعة فستان زفافها عام 1952، وقد صنعه حرفي دمشقي من آل الأيوبي كما تقول المصادر التاريخية.
وفي قلب تلك الأحداث المثيرة يبدو لى مشهد الـ (ماستر سين) في الحلقة التاسعة من خلال لقاء عاطفي بين حبيبين شابين، وقد جاء على النحو التالي:
على الرغم من التناقض الرهيب بين (عصمت – يزن خليل) وبين (بثينة – زينة برافي)، فأبو كليهما غريمين يتصارعان على زعامة حارة (الخوخة والجوزة) وبينهما من الخصومة مايكفي لتدمير أيه بادرة أمل في حب يمكن أن يربط قلبين بريئين وشفافين على هذا النحو، ومع ذلك استطاعت العاطفة القوية أن تتسرب إلى قلبيهما وصار العشق أنشودة عذبة تخفف من الصراع بين الفرنسيين المحتلين وأهل الحارتين اللتين تتلقيان الضربة تلو الأخرى، جراء ردود أفعال القبضايا (الهمشري – سعد مينا) الذي يقوم بإذلال جنود المستعمر الفرنسي بتشليحهم ثيابهم وتركهم في العراء.
قصة حب رومانسية رقيقة ربطت (عصمت ببثينة) فقررا تحدي الأهل وإجراء لقاء رومانسي خاص لبث الشجون بينهما، وسط أجواء الغضب وفي كسر متعمد للعادات والتقاليد التي كانت سائدة في ذلك الزمان، وقد جاء اللقاء على النحو التالي:
في البداية وقف عصمت في ركن قصي من أركان الحارة في انتظار بثينة للاتفاق على موعد الغد:
بثينة : مرحبا دكتور
عصمت في توتر من أن يراهما أحد : ميت مرحبا .. بكرة أنا في المستشفي.
بثينة بابتسامة هدأت من روعه : وأنا جايه.
وعلى أثر الوداع بينهما يظهر في كادر آخر من بعيد (هنائي – قاسم ملحو) مذهولا من هول مارأه من جانب (بثينة وعصمت)، ويذهب متخفيا ليرقب حركة خروج بثينة من البيت في صباح اليوم التالي، وبمجرد خروجها يتبعها في ذهابها نحو المستشفي كما توقع ذلك.
تطل بثينة على غرفة الكشف بالمستشفي لترسل ابتسامة خجول يفهم منها عصمت أن موعد اللقاء قد حان فيغادر الغرفة مستأذنا من الدكتورة (أنطوانيت – نادين خوري) المشرفة علي أبحاث تخرجه، بعد أن يكون قد أجرى معها حوارا حول موعد الفحص وأبحاث تخرجه، وذلك على أثر إشادتها بأدائه كطبيب بدون شهادة، فترد بابتسامة على اسئذانه قائلة له : معلوم طبعا .. الله معك.
يظهر (هنائي) من خلف شجرة متسللا للمستشفي ليراقب اللقاء بين بثينة وعصمت، بينما عصمت في طريقه إلى حديقة المستشفي، حيث تجلس بثينة على إحدى الطاولات في انتظار قدومه، وبمجرد أن تراه تقف في ثقة مرحبة به ويعلو وجهها ابتسامة مشرقة تنم عن ذلك الحب الكبير الذي تكنه للطبيب الشاب الذي سيعمل المستحيل للحفاظ على هذا الحب.
عصمت بلهفة معبرا عن مكنون قلبه العاشق لبثينة: اشتقتلك كتير
بثينة في ردة فعل مصحوبة بالسعادة والرضا: وأنا كمان!
عصمت ينظر في وجهه ليبث شجونه قائلا: يا الله .. بثينة أنتي شو؟.. تعرفي إن كل شيئ فيك بيطيرلي عقلي.
ترد بثينة في خجل : خلصلنا عصمت.
عصمت: عنجد بثينة: انتي حقيقية ولا حلم؟.
بثينة بنوع من الارتباك جراء المفاجأة: عصمت عم بتخجلني!
عصمت : أكتر شيئ متمنيه بالعالم إني روح أطلب ايدك من أهلك هلا هلا.
بثينة : وأنا كمان بس خايفة يكون طريقنا صعب.
يطمئنها عصمت: لا تخافي .. صحيح كيف أهلك شو أخبارهم؟.
بثينة : الحمد لله مناح.. بس فيه مشكلة بين أهلي وأهلك!.
عصمت : خير شو فيه؟.
بثينة : أبوك فاتح ورشة دهب وهيك ضربلو شغله لأبي.
عصمت : انتي شو عم تحكي؟ .. أبوكي شو بده يعمل؟
بثينة : أنا قلتله يفتح ورشة فضة.
عصمت : لا لا .. لا يفتح شيء وخديها وعد مني .. أنا راح سكرها ورشة الدهب.
بثينة : بدي قلك شغلة : أنا باحبك كتير.
عصمت : شو؟
بثينة بابتسامة فيه قدر من الخجل والفرح في آن : بحبك كتير.
عصمت : يالله ما أحلاها طالعة من تمك.
بثينة بقدر أكبر من الخجل بعد اعتراف عصمت لها بحبه : خلصنا عصمت .. بدي أقوم.
عصمت في حالة وجد ووجل: بثينة : تعرفي انتي أحلى شيئ صار بكل حياتي؟
بثينة : وأنت كمان، وتهز رأسها مؤمنة على كل كلام صادر من قلبها.
الدموع تغالب عصمت لينهي المشهد قائلا: عنجد بتحبيني؟.
ينتهي المشهد عند هذا الحد وتبدأ الصراعات بين (هنائي) الذي يطلب يد (بثينة للزواج) فيربك حسابات (عصمت) الذي يقاتل حتى النهاية من أجل حبه.