فيلم الـ ١٠٠ بوسة وبوسة
بقلم : محمد شمروخ
تميز فيلم “أبي فوق الشجرة” بأطول مدة عرض لفيلم سينمائي في تاريخ دور العرض السينمائي على مستوى الجمهورية العربية المتحدة فلم يحدث أن سمعت عن فيلم ظل يعرض لسنوات طويلة منذ أن تم إنتاجه وعرضه للمرةالأولى في 1969، فعندما التحقت بالجامعة سنة 1986 كانت هناك دور عرض لاتزال تتصدر واجهتها صور عبد الحليم حافظ ونادية لطفى وميرفت أمين، بل كانت أحيانا الصالات كاملة العدد وحتى بعد أن تخرجت سنة 1990 كانت أفيشات الفيلم لم تزل على بعض دور السينما الشعبية المنتشرة في كثير من أحياء القاهرة ومدن الأقاليم.
والسؤال: هل كان الفيلم يستحق كل هذا النجاح؟.
القصة برغم أنها لإحسان عبد القدوس إلا أن إخراجها كفيلم جعلها قصة تافهة؛ بل أكاد أقاوم هذا الذي أجده في نفسي من اجتراء على القول بأن القصة نفسها دون مستوى إحسان عبد القدوس الذي أعرف قدره جيدا سواء في الروايات أو في المجموعات القصصية التى يكتبها.
فقد كانت الشخصية التى جسدها عبد الحليم في منتهى الهيافة ومفتعلة للغاية خاصة في الفيلم، لكن لا القصة سواء في الكتاب أو في الفيلم ولا الأحداث كانت سبب النجاح المبهر، ثم أن هناك أمر يحيرنى جدا في توقيت عرض “أبي فوق الشجرة” الفيلم والغريب أن مصر كانت تعانى أيامئذ من مرارة النكسة التى تجرعتها قبل إنتاج الفيلم بسنتين، والذي أظهر شباب البلد وكأنهم شوية (هلافيت مقضيينها فسح ومغامرات وبيرة وبلاجات)، ولا أي أثر للمرارة التى تعانيها مصر من جراء واحدة من أقسى الهزائم في تاريخها المعاصر إن لم تكن أقساها على الإطلاق.
ومع ذلك، الفيلم نجح نجاحا منقطع النظير ولم ينافسه فيلم آخر على حد علمى في مدة العرض حتى الآن.
لكن الصراحة.. الاستعراضات كانت مبهرة والأغاني كذلك أصبحت تشكل دررا مضيئة في عقد أغانى العندليب ومازلنا نسمعها بالمشاعر نفسها التى غناها للمرة الأولى.
غير أن هناك سببا أراه هو الذي يكمن فيه سر الفيلم وهو كثرة القبلات التى أمطر بها عبد الحليم شاشة السيما بمناسبة وبدون مناسبة، وكأن القبلات هى الهدف الرئيسي وتأتي بعد ذلك الأغانى والاستعراضات ثم القصة في الآخر خالص.
فقد أطلق الجمهور على الفيلم اسم “فيلم الـ١٠٠ بوسة وبوسة”، لأن عبد الحليم كان بيبوس في بطلتى الفيلم الجميلتين “نادية لطفى وميرفت أمين” عمال على بطال حتى أكتر من الحوار ذات نفسه!.
وكان الجمهور يتفاعل مع سيول القبلات بالصفير والتصفيق والتهريج طوال مشاهد البوس المتلاحقة حتى يمكن أن تشعر وكأن العندليب كان يدرك تجاوب الجمهور مع قبلاته المنهمرة، لأنه كان بيزود في البوس مخصوص وكأنه يسمع تصفير وتشجيع الجمهور الذي لم يكتف بالصخب بل كان أحيانا كان يمارس طريقة العد الجماعى للقبلات فتجد الصالة تبدأ إحصاء القبلات من أول قبلة.. واحد .. اتنين.. تلاتة.. وهكذا حتى تنتهي آخر بوسة وحولها آخر مشهد!.
فقد كانت المتعة الحقيقية في دور السينما الشعبية هي أن تسمع وترى ردود أفعال الجماهير التي يبدو أن غالبيتهم شاهدوا الفيلم مرار قبل ذلك، ومع ذلك يحرصون على المشاهدة والانفعال وكأنه لأول مرة.
والجمهور مسكين يا حسرة.. معظمهم شباب مراهقين وطلبة إعدادي وثانوي ويمكن جامعات مع صنايعية وعمال ومهندسين وصبيان ورش ومغتربين وغالبيتهم إن لم يكونوا كلهم ينتمون إلى الطبقات الفقيرة وشبه الفقيرة، وكلهم طافحين الكوتة يا ولداه لأسباب لا تعد ولا تحصى، وأيامها لا كان فيها إنترنت لا فيديوهات.. يعنى هيشوفوا فين البوس بس يا عالم فما بالك بالمايوهات والرقص مع رقة ميرفت وسحر نادية تحت طغيان العندليب، الذي كان يعيش ذروة نجوميته وعطائه الفنى مع شبابه المرح قبل أن تنغص الأمراض حياته وتقض مضاجع جمهوره الذي افتتن به في الفيلم بغض النظر عن أنه يعد دراميا من أضعف أفلام العندليب!
ورغم ضعف قصة الفيلم ومحاولات سد الفراغ الدرامى في القصة بافتعال مواقف وإحداث لتوازن الصخب الاستعراضي والبوسي، ويبدو أن إحسان عبد القدوس لم يكتبها خصيصا للسينما فهى واحدة من قصص مجموعة “دمي ودموعي وابتسامتى”، ولم أنفعل مع القصة المكتوبة ولا المرئية ولكن انفعلت مع الملايين بالأغاني وخصوصا البوس.
واحد
اتنين
تلاتة
خمسين
سبعين
واحد وسبعين
هييييييبه.