ليست مهة التليفزيون التوعية فحسب
بقلم : محمد حبوشة
نظرا لأن الفضائيات أصبحت الآن من أخطر الوسائل تأثيرا على المجتمعات والشعوب، ومن ثم فهي من المؤثرات التي توليها الحكومات والجماعات أهمية قصوى؛ نظرا لتعدد القنوات الفضائية، وجراء سهولة وصول هذا الوسائل إلى قطاعات عريضة جدا من المجتمع، لذا ينبغي علينا ضرورة التنبه إلى أنها تؤثر في عقول الناس ونفوسهم، ومن ثم تؤثر في اتجاهاتهم ومواقفهم التي يتخذونها حيال كثير مِن القضايا، يستوي في ذلك الصغير والكبير، الغني والفقير، المتعلم والجاهل، كما أن الفضائيات لها تأثيرها على السلوك والاتجاهات، كما تؤثر أيضا في تنظيم الحياة اليومية، ولها أكبر الأثرعلى العلاقة الأسرية.
وبعدما أصبحت القنوات الفضائية هي وسيلة الاتصال الأكثر انتشارا، والأوسع مدى، والأكثر جذبا وإغراء؛ لجمعها بين الصوت والصورة، والضوء واللون والحركة، ولقد حولت الفضائيات الإعلام اليومي من مجرد نقل المعلومات والأفكار إلى الإسهام الفعلي في تكوين الحياة في أبعادها السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية؛ لما لها من قدرة على التأثير في الاتجاهات لدى الأفراد والجماعات، أو تعديلها، أو تغييرها، يصبح لازما علينا لفت النظر إلى أن التليفزيون في أزمة “كورونا” ليست مهمته أن يقوم بإذاعة الأخبار حول الأعراض، أو توجيه إرشادات مكثفة وبرامج توعوية يكون من شأنها أن تنبه الناس إلى خطورة الفيروس ومدى انتشار على مستوى العالم فحسب، بل يبقى الدور المنوط بالتليفزيون هو كيفية التعامل مع المواطن الذي ترك عمله ومشاغله في الشارع وجلس بالبيت بطريقة مختلفة في إطار الوظيفة المنوطة بهذا الجهاز المؤثر في حياتنا.
صحيح أن التليفزيوم له دور حيوي ومهم في ترفيه المواطن، وجلب السعادة له، خاصة ونحن نجلس أمام شاشته مرغمين الآن، ومن ثم فإنه من خلال مشاهدة جهاز التلفاز يمكن الحصول على المعلومات المختلفة في شتى المجالات، وعن طريقه يمكن التعرف على الثقافات والشعوب المختلفة حول دول العالم، وبالتالي لابد للقائمين على هذا الجهاز الحيوي في حياة الشعوب والأمم أن يوفر طريقة جيدة للتواصل بين الأفراد، وذلك من خلال ابتكار بعض البرامج الهادفة والمفيدة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ وطن يواجه مخاطر هذا الفيروس اللعين.
إذا لابد لنا في هذا الصدد أن نطالب التليفزيون ممثلا في “ماسبيرو والفضائيات الخاصة” بضرورة تغيير خرائط برامجه العقيمة ثقيلة الظل، وابتكار أفكار جديدة في صورة برامج يمكنها أن تمنح المشاهد فرصة تعلم مهارات جديدة، وفي مناسبة جلوسنا مرغمين أمام شاشته في ظل جائحة كورونا، ينبغي أن تنتهز هذه الفرصة في صورة حزمة برامج منتقاة يكون هدفها التثقيف والتوعية في إطار وظيفته التليفزيون الأساسية، وذلك في سبيل الحصول على معلومات مفيدة عن دول العالم من مختلف القارات – على سبيل المثال – خاصة تلك البعيدة في مجاهل إفريقيا، أو سفوح آسيا، أو أغوار أمريكا اللاتينية التي لا يتوفر الكثير من المعلومات عنها.
ومن هنا فإن الفضائيات على هذا النحو تستطيع إتاحة فرص غير محدودة لجميع الفئات، وفي مختلف الأوقات، فبدلا من أن يسافر الناس بالجو أو البحر عليهم فقط أن يتابعوا أحداث العالم بالصوت والصورة عبر برامج موجهة وموثقة، وبالتأكيد سيكون لمثل تلك البرامج تأثيرها المعرفي وإزالة الغموض، فقد ودلت الكثير من الدراسات أن استخدام وسائل الإعلام يزيد من المعلومات، ويحدث الغموض عندما يفتقد الأفراد في المجتمعات المعلومات الكافية لفهم معنى الأحداث، بل يؤدي نقص المعلومات إلى عدم مقدرة الفرد على تفسير الأحداث بشكل ملائم.
معروف أن للتليفزيون تأثيره العاطفي على الأفراد والمجتماعات، ويتمثل التأثير العاطفي للقنوات الفضائية في أن الفرد يصبح أكثر حساسية للعنف والخوف وإثارة الرعب في نفسه من خلال مشاهدته للبرامج أو الأخبار الخاصة بهذا الجانب – أقصد التركيز على عدد الضحايا أو انتشار رقعة الفيروس بطول البلاد وعرضها – وعليه فإن الفضائيات لا ينبغي لها أن تضمن في رسائل الإعلامية اليومية مضمون يؤدي إلى زيادة الخوف والقلق جراء الأزمة الطارئة على مصر حاليا، ومن ثم فإن التعرض من قبل الفرد للبرامج ذات التدعيم الإيجابي يزيد الفاعلية والتأييد لديه، كما يمنحه في الوقت ذاته نوعا من الثقة في جهود الدولة بخصوص المواجهة.
ويبقى التأثير السلوكي للفضائيات من أخطر مايكون، لأن مرحلة التأثير السلوكي تساهم بشكل كبير في عمليات التنشئة، إذ تعد الترجمة الحقيقية لكل ما اكتسبه الفرد من معارف ومعلومات تتعلق بالبيئة المحيطة به، وما أفرزته تلك المعارف والمعلومات من مواقف واتجاهات تساعد على المشاركة، وأكدت الدراسات كلما زاد تعرض الأفراد للوسائل الإعلامية زادت إمكانية مشاركتهم في الأنشطة المتاحة في البيئة الاجتماعية، وعليه تتطلب خرائط البرامج في التليفزيون حاليا مراعاة البرامج التي من شأنها التأثير على السلوك للأفراد، فكلما زاد تعرض الفرد للقنوات زاد نقاشه وبالتالي زادت نسب المشاركة الإيجابية الناجمة عن تغير السلوك.
وفوق كل ما مضى، فقد أضحت شخصية القائم بالاتصال في العمل الإعلامي بصورة عامة والقنوات الفضائية بصفة خاصة من الأمور المهمة – أقصد الإعلاميين من مقدمي البرامج خاصة منها التوك شوز” – حيث يرتبط تقبل الأفراد للبرامج بشخصية القائم بالاتصال وتأثرهم بما يشاهدونه، ولذلك تسعى جميع القنوات بالاهتمام بشخصيات القائمين بالاتصال، ولذا لابد من الاهتمام بشخصية القائم بالاتصال في تلك القنوات من حيث إعداده الإعداد الجيد من خلال التعليم والتدريب وإكسابه المهارات والخبرات التي تؤهله لأداء العمل بصورة إيجابية، فلقد مللنا تلك الوجوه الكريهة من أولئك الأشخاص الذين لم تعد لديهم المقدرة على رسم لوحة لمنظر طبيعي لم يره على الإطلاق من داخل غرفة مظلمة.