رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عجائب مسلسلات “الفورمات” والحلقات الطويلة

بقلم : محمد حبوشة

تشهد حاليا ستوديوهات الدراما المصرية والعربية حاليا حالة من الانتعاشة الكبيرة، من خلال صناعة مسلسلات تنتمى لنوعية الدراما الطويلة، والتى يتراوح عدد حلقاتها من (45 إلى 60 ) حلقة فأكثر، وهى “الموضة” التى انتشرت خلال الفترة الماضية، ويبدو صحيحا أنها نجحت فى المنافسة أمام المسلسلات “الهندية والتركية”، بعد أن كانت لها الغلبة والسيطرة طوال العامين الماضيين، نتيجة انشغال منتجى الدراما المصرية خاصة والعربية  بصفة عامة بالتركيز على عرض أعمالهم فى شهر رمضان فقط.

المسلسلات الطويلة مطلوبة وبشدة بلاشك خارج الموسم الرمضانى، وتحظى بقبول كبير من جانب القنوات فلها جمهورها الذي يقبل عليها بشغف شديد جراء تنوع موضوعاتها، وحقق كثير منها نجاحات كبيرة، خاصة أن البداية كانت مع أعمال تتسم بالطابع الاجتماعي والشعبى مع قليل من الرومانسية، لكن بعد ذلك تنوعت في أساليبها المختلفة، وكان هناك دراما صعيدية طويلة وأخرى بوليسية، وأهم ما نجحت فيه هو حشد مجموعة من الأبطال كسرت احتكار النجم الأوحد، ولعل أحد أهم مميزات هذه المسلسلات انها قائمة على البطولة الجماعية، وتقدم لنا مباراة فى التمثيل بين كل الأبطال بشكل غاية فى الجمال والتألق.

لكن تظل لدينا آفة الأخذ عن فورمات أجنبية مرضا استشرى مؤخرا في جسد الدراما العربية بصفة عامة، والدراما المصرية بصفة خاصة، بعد أن استسهل بعض كتاب السيناريو فكرة تمصير أعمال عالمية بطريقة مشوهة، حيث لايملك غالبية هؤلاء قدرا من الوعى الذي يؤهلهم لاستلهام الأفكار وتحويلها إلى أعمال تتفق والسياق العام للمجتمع، وأذكر منها على سبيل المثال مسلسل “الآنسة فرح”، والذي ضربت فيه المؤلفة عرض الحائط بكل القيم التي تربينا عليها، وادعت أنها لجأت إلى عنصر الجرأة في التناول، وهنا لابد من وقفة معها ومع غيرها من مخربي عقول الشباب بدعوى الجرأة والتجديد على جناح ضرب القيم.

أيضا لدينا آفة أخرى استشرت في الدراما تتمثل في مسلسلات  الحلقات الـ (45 و60) حلقة، والتي أصبحت تشكل أهم سلبيات التطور الدرامي على مستوى القصة والسيناريو والحوار، والذي يواجه كثير من المعوقات مثل المط والتطويل، مما يفقد هذه النوعية من المسلسلات بالضرورةعنصري الإثارة والإبهار المطلوبين دوما في أعمال يتم عرضها في مواسم مختلفة خارج الموسم الرمضاني، وهو الأمر الذي ينعكس سلبيا على جودة المنتج الدرامي في الآونة الأخيرة.

للأسف يلجأ صناع هذه الدراما المطولة حاليا إلى أسلوب الـ (45 و60) حلقة فيضطرون إلى تطويل الأحداث على حساب الحبكة الدرامية، بشكل ينعكس سلبا على حوار يبدو مملا في عالب الحلقات، وأحداث راكدة لا تشهد تطورا ملحوظا يمكنه أن يجذب الجمهور على النحو المطلوب، كما أننا نلاحظ عدم التطور في الأداء من فرط تكرار المشاهد في قلب ديكور ثابت لايبعث على الإثارة بقدر مايصيب المشاهد بالملل وركود الحركة، فضلا عن صنع مطاردات أشبه ماتكون بالأفلام الهندية.

ومثال ذلك أن مسلسل “الأخ الكبير”، فقد شهد عدة مطارادات عبر محاولات فاشلة للقبض على “حربي أبو رجيلة” في ظروف مختلفة، مما أفقد المسلسل طزاجته، خاصة أن المشاهد يتوقع النهاية قبل أن تنتهي الحلقات، لأن “حربي” مظلوم بالأساس – كما يدرك المشاهد ذلك، وهو على يقين من هذا الظلم الواقع عليه سلفا – ومن ثم فلا تتطور الأحداث الدرامية بالشكل الذي يشفي غليل مشاهد يتطلع إلى جو من الإثارة في ظل حبكة درامية، رغم إنه كان يمكن أن ينتهي المسلسل بشكل طبيعي في 30 حلقة فقط على أثر توضيح حقيقة مقتل “صفية” التي يعرفها المشاهد من الحلقات الأولى في أثناء التأسيس للعقد والحل.

ربما تكون هذه النوعية من المسلسلات قد حجبت المشاهد عن متابعة الدراما التركية والهندية والمكسيكية، ولكنها خلت من الإثارة الموجودة في مسلسلات تركية بعينها مثل “قيامة أرطغرل” التي تزيد في خمسة مواسم عن 150 حلقة، لكني للحقيقة وللتاريخ في أثناء المشاهدة لم أفقد الإثارة ولو لحظة واحدة أثناء متابعة الحلقات، بل أعترف بأنني طوال أكثر من 300 ساعة لم أتمكن من إدارة وجهى للشاشة لدقيقة واحدة، في ظل حوار غاية في الروعة ، فضلا عن حبكة درامية فائقة الجودة.

نعم أعترف بأننا لم نصل بعد إلى مستوى الإبهار في الصورة وجودة الديكور والملابس الموجودة في الدراما التركية، فضلا عن أداء خرافي لعدد يزيد عن الـ 300 ممثل وممثلة، وأخص منها “قيامة أرطغرل – أنت وطني – العهد”، وعلى الرغم من التزييف المتعمد في تلك المسلسلات وإغفال دور العرب في دعم الدولة العثمانية، والتمجيد للعنص التركي والتأكيد على الهوية العثمانية، إلا أنها جاءت جميعها كصناعة متميزة، بل فائقة الجودة بحيث تشهد تطورا ملحوظا من عمل إلى آخر، وذلك جراء اهتمام الدولة التركية بصناعة الدراما التي نجحت في إزالة الستار عن أخطاء العثمانيين على مدار تاريخهم الدموي كما هو مسطر في صفحات التاريخ.

وفي النهاية أرجو أن ينتبه صناع الدراما في مصر والعالم العربي إلى ضرورة إعادة النظر في مسلسلاتنا التي أصبحت تتكلف ميزانيات ضخمة وللاسف تأتي بمضمون سيئ ولا يرقى لعقل ووجدان المشاهد الذي يتطلع إلى تحويل تراثنا الأدبي من الرويات لكبار الكتاب والشباب أيضا إلى أعمال أدبية، يمكنها أن تعيد اكتشاف القيمة النابعة من نبض أدبنا الذي يعبر أصدق تعبير عن أهم وأعقد قضايانا الاجتماعية والسياسية والإنسانية فوق كل ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.