
بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
حملة الهجوم الشخصي على الفنان (محمد صبحي) من أشخاص محسوبين على الوسط الإعلامي، لم تكن مفاجأة في اعتقادي لمن يتابع المشهد الإعلامي والثقافي المصري في السنوات الأخيرة، والذي كشف بوضوح عن وجود ما يمكن اعتبارهم (طابور خامس) إعلامي ثقافي يكرس مهاراته لمن يدفع أكثر.
لم يكن غريبا كذلك ما رصده البعض على مواقع التواصل الاجتماعي من تباين آراء المذيع (السعودي) عمرو اديب تجاه الفنان (محمد صبحي) قبل وبعد آرائه الناقدة لتدخل بعض الجهات السعودية في الإنتاج الفني المصري، وكيف تحول بين يوم وليلة من فنان تربى على فنه أجيال منهم أديب نفسه، الى رجل لم يقدم عملا محترما طوال حياته.
ناهيك عن هجوم المذيعة الباحثة دائما عن (ركوب الترند) على الفنان (محمد صبحي) والتحدث معه بطريقة لا تليق، ليس فقط بمذيعة في قناة محترمة مثل MBC مصر تحت قيادة مدير محترم هو الزميل (محمد عبد المتعال)، وإنما حتى بشابة حظيت بقدر من التربية في بيت أهلها وتعملت هناك كيف تتحدث مع من يكبرها سنا.

خطورة الطابور الخامس المصري
كل الحملات التي تعرض لها (محمد صبحي) في رأيي المتواضع ليست عشوائية، ولا تستهدف شخص الفنان الكبير بقدر ما كانت انعكاسا للانزعاج الكبير مما كشفت عنه كلماته التي كرست ماحذرنا منه في عديد المرات في هذا المكان، عن الاشتباه في مخطط يتم تنفيذه على قدم وساق لضرب الفن المصري بتاريخه وحرمان مصر من أهم مصادر قوتها الناعمة.
قد يرى البعض أن الحديث عن مخطط ليس سوى درجة متقدمة من الانزعاج المرضي لدينا، لا يوجد عليها دليل، وربما على العكس فإن الأدلة كلها تسير في الاتجاه المعاكس، وأبسطها أن كل ما يحدث من إساءة لمصر وفنها ورموزها وشعبها يصدر من مصريين وليس من أجانب.
هنا تكمن خطورة الطابور الخامس المصري، المكون من إعلاميين ومثقفين وكتاب وفنانين، على استعداد لفعل كل ما يطلب منهم، وأحيانا التجويد بما يعتقدون أنه يرضي أصحاب المحافظ الثقيلة المستعدين لدفع اتعابهم و الإغداق عليهم، كلما تفننوا في الاساءة لبلدهم.
لمن لا يعرف فإن تعبير (الطابور الخامس) الذي ظهر في ثلاثينات القرن الماضي وتحديدا خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ليصف الجواسيس والمخربين ومثبطي الهمم داخل الدولة لصالح الدول المعادية، بدأ كحالة سياسية وعسكرية بحتة، لكنه سرعان ما امتد الى الثقافة والإعلام، في الستينات ثم تطور في التسعينات وأكمل تطوره مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي.
مهمة المنخرطين في هذا الطابور الخامس الإعلامي والثقافي وفقا للأدبيات المتعارف عليها عالميا، تتمثل في تفكيك الهوية الجمعية، ضرب الثقة في الذات الوطنية، تشويه الرموز الجامعة، أو ترويج قيم ومعايير تخدم مصالح قوى خارجية على المدى الطويل.
أتذكر واقعة رواها لي قبل سنوات صديق توضح كيف تستفيد الدول من الطابور الخامس المصري، وتقول أن عتابا جمع بين مسؤول مصري رفيع المستوى ونظيره القطري في بداية عودة العلاقات بين البلدين عقب المقاطعة التي شملت ايضا السعودية والإمارات والبحرين مع النظام القطري.

(إحراق روما) بسكانها
وفي لقاء ودي بين المسؤولين بادر القطري بعتاب نظيره المصري على الاتهامات واللهجة العدوانية في الإعلام المصري ضد قطر، فرد عليه المسؤول المصري بأن قنوات (الجزيرة) تفعل المثل ويوجه مذيعوها الاتهامات ضد مصر، فما كان من القطري إلا أن قال ببساطة (حدد لي إعلاميا قطريا واحدا أساء لمصر وسوف أعاقبه، عزيزي ما أعرفه أن كل من يهاجمون مصر هم المصريون).
كارثة الطابور الخامس المصري الذي ينشط حاليا، أن المنخرطين فيه لا يرون سوى مصالحهم، ولا يهتمون سوى بتعظيم حساباتهم البنكية الشخصية، ولو اضطروا إلى (إحراق روما) بسكانها من أجل حفنة دولارات.
وهم في مساعيهم لإرضاء (الزبون) لا يكترثون بالأعباء السياسية التي يراكمونها على كاهل الدبلوماسية المصرية، بالحرائق التي يشعلونها بين مصر والدول الشقيقة والصديقة، ولا بالاحتقانات التي يتسببون فيها بسبب ما يقولونه.
وإنما ما يشغلهم فقط إسعاد (الزبون) لدرجة تجعله مستعدا لكي يشتري لهم (زجاجة البيرة المشبرة)، التي عادة ما تكون مقدمة ضرورية قبل الانتقال الى المراحل الحميمية التالية وصولا إلى مرحلة الإغداق.
أخيرا لست مع الغاضبين الذين يحملون هيئة الترفيه السعودية ورئيسها ما لا يجب أن تحتمله، سواء في فيلم (الست) وما حمله من تشويه أو ما سبق ذلك من مواقف مخزية لفنانين مصريين خلال مشاركتهم في مهرجانات مقامة بالمملكة، طمعا في تقديم أنفسهم لـ (أولى الأمر) الانتاجي هناك، وذلك ببساطة لأننا قبل أن نعاتب من يشتري يجب علينا أن نحاسب من يبيع.