شاعر يتهم (عبد الوهاب محمد) و(بليغ حمدي) بسرقة (حب إيه) من (عبداللطيف التلباني)!

كتب: أحمد السماحي
كانت أغنية (حب إيه) كلمات الشاعر المبدع (عبد الوهاب محمد)، هى أول تعاون فني يجمع سيدة الغناء العربي (أم كلثوم) بالملحن العبقري (بليغ حمدي).
وقد حققت الأغنية نجاحا ساحقا حيث قدمت لأول مرة في مثل هذه الأيام وبالتحديد في الأول من ديسمبر عام 1960 بسينما أوبرا، ثم قدمت في الشهر التالي في حديقة الأزبكية يوم 5 يناير عام 1961.
بعدها غنت (كوكب الشرق أم كلثوم) أغنية (حب إيه) 6 مرات في نفس العام، وبعد عامين أعادت غنائها مجددا، في (بيسين عالية لبنان) عام 1963.
ويبدو أن النجاح الكبير الذي حققته الأغنية فتحية شهية البعض بإتهام شاعرها (عبدالوهاب محمد) بسرقة كلماتها!، من هو الشاعر الذي جرأ واتهم (عبد الوهاب محمد) بسرقة الأغنية، مفاجأة! وماذا كان رد (أم كلثوم)، و(بليغ حمدي) و(عبد اللطيف التلباني) على هذا الأتهام؟!
تعالى بنا عزيزي القاري إلى نهاية عام 1961 لمعرفة القصة كما جاءت في إحدى المجلات، ولن نذكر إسم المجلة، ولا التاريخ، حتى لا يتم سرقة الموضوع كما يحدث في معظم الموضوعات التى ننشرها.
ويتم تحويل ما كتبناه إلى فيديوهات، وتقارير، ويتم تداولها على كثير من المواقع على أعتبار أن صاحب الموقع أو الصفحات هو الذي أكتشفها!

هو صحيح الهوى غلاب
تقول الحكاية: (في قاعات المحاكم هذه الأيام يقف شابان مغموران، أحدهما من الأسكندرية، والآخر من بورسعيد، وعلى فم كل من الشابين اتهام جرئ الأول يقول في إصرار: أنا المؤلف المجهول لأغنية (حب أيه)!
والثاني يردد: وأنا المؤلف الحقيقي لأغنية (هو صحيح الهوى غلاب)، والاتهامان موجهان إلى (عبد الوهاب محمد) مؤلف الأغنية الأولى، وإلى (بيرم التونسي) مؤلف الأغنية الثانية.
والأغنيتان اللتان شدت بهما كوكب الشرق، وأثارت الصحف اتهاماتهما على مسرح النشر، والسطور أسقطت قضية أحدهما بموت المرحوم (بيرم التونسي) أما الثانية لا تزال تنتظر كلمة القضاء.
ويقول كاتب التحقيق الذي نشر عام 1961: أذكر أنني إلتقيت بالمرحوم (بيرم التونسي) وألقيت أمامه بالإتهام الذي نشرته الصحف، وقلت له: هل صحيح أن أغنية (هوه صحيح) ويومها لم يبتسم (بيرم التونسي) كعادته.
ولكنه كان متألما أشد الألم وهو يقول: وهل من المعقول أن بيرم التونسي يسرق كلاما لمؤلف مغمور؟! وهل نضبت مواهبي حتى أنزل لهذا المستوى؟ الشاهد الوحيد على أنني مؤلف هذه الأغنية هي السيدة أم كلثوم.
لقد طلبت مني تعديل مقطعين من الأغنية، وبعد هذا فإن ألفاظ الأغنية تحمل انطباعاتي وشخصيتي.
واستطرد المرحوم بيرم التونسي يومها وهو يتميز من الغيظ: أن هذه وسيلة جديدة يحاول بها المؤلفون المغمورين إجتذاب الأنظار إليهم، هذا إذا سلمنا بأنهم مؤلفون فعلا؟!

عبد الوهاب محمد.. (حب إيه)
الأغنية الثانية التى دخلت باب المحاكم هى (حب إيه)، فمنذ شهور فوجئ كاتب الأغنية (عبدالوهاب محمد) بخبر منشور في إحدى الصحف، والخبر يقول أن مؤلفا آخر اسمه (محمد زكي الملاح) كان قد قدم نفس الأغنية لصديقه الحميم جدا (عبد الوهاب محمد).
وأعجب (عبدالوهاب محمد) فلطشها وقدمها إلى كوكب الشرق، التى قدمتها بدورها إلى جميع آذان الناس.
واستطرد الخبر فقال: أن المؤلف (المسروق) قد رفع دعوى على المؤلف (السارق)، والمطربة، والملحن، متضامنين، وأنه يطالبهم بتعويض مادي كبير مع إجراءات وقف الأغنية حتى يثبت القضاء ملكيته لهذه الأغنية.
وانتظر (عبد الوهاب محمد) أن تصله عريضة الدعوى، وعلى ملل الانتظار كانت بعض الصحف تخرج بتصريحات على لسان (محمد زكي الملاح) أشبه بحرب الأعصاب.
وضاق (عبد الوهاب محمد) ذرعا بالأنتظار، فكلف الأستاذين (مجدي العمروسي) المحامي، و(محمود لطفي) المحامي برفع دعوى ضد (الملاح)، ومطالبته بالتعويض المناسب على الأساءة التى لحقت بسمعته.
وقال (عبد الوهاب محمد) لنا: هذه الأغنية كتبتها في آواخر عام 1956، ولم يخطر على ذهني إطلاقا أن كوكب الشرق ستغنيها يوما ما، لقد أعطيتها لصديقي (بليغ حمدي)، ونسيتها فترة، ثم تذكرتها.
وتذكرت أن (بليغ) لم يهتم بها فقدمتها إلى الإذاعة، ووافقت عليها لجنة النصوص بتاريخ 31 أغسطس عام 1957، وعلى أثر الموافقة نشرتها إحدى الصحف مع صورة لي، والقصة العاطفية التى أوحت بكتابتها.
ثم بعد ذلك عرفت أن الملحن (محمد فوزي) عرف (أم كلثوم) بـ (بليغ حمدي)، والأغنية مدار حديث ومناقشة بين كوكب الشرق وبليغ، وأن (ثومة) أعجبت بالكلمات واللحن.
ويستطرد (عبد الوهاب محمد) فيحكي لنا قصة أول لقاء بينه وبين أم كلثوم فقال: حين أفهمني (بليغ) أن (أم كلثوم) تريد أن تتعرف على كاتب الأغنية أحسست بإضطراب شديد جدا.
وحين التقيت بها كنت لا أزال أعاني من هذا الأضطراب، لكني بعد دقائق من المقابلة شعرت أنني أجلس في حضرة فنانة ديموقراطية وأديبة ومثقفة وبسيطة.
وحين ألقيت عليها كلمات الأغنية استعادت الأعجاب بها من جديد، ثم مضت ثلاث سنوات على هذا اللقاء الذي دام أربع ساعات كاملة، ولم ألتق بكوكب الشرق إلا في يوم تسجيل الأغنية بإستديو مصر.
وهنا أخرج (عبد الوهاب محمد) مصحفا صغيرا من جيبه، وأقسم عليه قائلا: أقسم بهذا الكتاب المنزل أنني لم أسمع عن اسم (محمد زكي الملاح) طول حياتي.
وأنني راجعت كل قائمة أصدقائي منذ الطفولة فلم أجد فيهم صديقا يحمل هذا الإسم، ثم تساءل (عبد الوهاب محمد) : وأين كان هذا المؤلف حين إذيعت الأغنية منذ شهور؟
قلت له: (المؤلف يقول أن المطرب الجديد (عبد اللطيف التلباني) قد غناها في الأسكندرية عام 1957) فصرخ (عبد الوهاب محمد) قائلا: هذا كذب، وأسأل (التلباني) لعله يفسر هذا اللغز؟!

التلباني .. أنت فين والحب فين
بالفعل توجهت إلى المطرب الجديد (عبد اللطيف التلباني) وسألته عن الأغنية؟ فقال: (الحقيقة أنني غنيت عام 1957 أغنية للمؤلف محمد زكي الملاح بعنوان (أنت فين والحب فين) لحنها النقيب محمود زهدي، ويقول نص الأغنية:
أنت فين والحب فين؟ والخصام جالك منين
يا حنون يا بو قلب طيب، هيه دي عشرة يومين
أنت فين والحب فين؟
حبنا في عيني صنته، والكلام الحلو قلته
وفي غيابك لما قلبي اشتكى منك خاصمته
وأنت ليه مش داري بيه، أنس يوم وأرحم شويه
يا حنون يا بو قلب طيب، هى دي عشرة يومين.
وقلت للتلباني: ألم تسمع على لسان (محمد زكي الملاح) أنه صديق (عبد الوهاب محمد)، قال المطرب الشاب : لا أذكر أنه حدثني عنه!
وسؤال آخر: بعد أن غنت أم كلثوم أغنيتها (حب أيه) هل أحسست أنها مسروقة من أغنيتك؟ قال: أبدا، فمطلع الأغنية يخضع لتوارد الخواطر.
وعدت أسأل (عبد الوهاب محمد): ما رأي أم كلثوم في هذا الاتهام؟ قال : حين نشر هذا الخبر في إحدى الصحف اليومية تصادف أن ألتقيت بكوكب الشرق.
ويومها قالت لي بالحرف الواحد: عال يا عبد الوهاب الأدعياء وصلوا لك، يجب ألا نترك هؤلاء الأدعياء قبل أن يؤدبهم القضاء.

بليغ حمدي يتحدث
قال بليغ حمدي: أنا في دهشة من هذا الأدعاء الكاذب، فالأغنية في جيبي منذ سنوات، فأين كان هذا المؤلف حين نشرتها الصحف منذ سنوات أيضا؟، وأين كان حين أذيعت منذ شهور وحققت نجاحا كبيرا؟.
إلى هنا وانتهى كلام بليغ حمدي، ولا تزال الأغنية واقفة هذه الأيام في أروقة المحاكم، والحقيقة التائهة وراءها ننتظر كلمة القضاء.

كلمة (شهريار النجوم)
بعد شهور من تداول القضية في المحاكم حكمت المحكمة في النهاية أن الأغنية هى ملك للشاعر (عبد الوهاب محمد) خاصة بعد أن تقدم بالجريدة اليومية التى نُشر فيها صورته وكلمات الأغنية منذ حوالي ثلاث سنوات.
الملحوظة الأخرى التى نريد أن نذكرها والتى تتردد بقوة على كثير من المواقع والفضائيات، عن أغنية (حب أيه) ونريد إصلاحها أن كوكب الشرق (أم كلثوم) لم تطلب من الملحن سابق عصره (محمد فوزي) تلحين أغنية (حب أيه)، ولكنها طلبت منه أن تتعاون معه من خلال شركته الوليدة يومها (مصرفون)، وهذا ما أعتبره محمد فوزي فتحا مبينا.
والدليل على صحة ما نقوله سبق ونشرناه هنا في (شهريار النجوم) أن (محمد فوزي) رحل عن الدنيا وهو يحلم بالتعاون مع (أم كلثوم).
وكان بالفعل هناك مشروع بينه وبين (ثومه) عبارة عن أغنية كتبها الشاعر الكبير (عبدالفتاح مصطفى) بعنوان (صعبان عليّ) وافقت على كلماتها (ثومه) وكانت ستكون باكورة التعاون بينها وبين (محمد فوزي) لكن رحيله مبكرا منع اللقاء.