تعرف على الجريمة التى ارتكبها (محمد رشدي) في حق واحدة من أروع أغنياته الوطنية!
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفه.
كتب: أحمد السماحي
صوت (محمد رشدي) كان ـ ومازال ـ يذكرني بالعمال والفلاحين، ويذكرنا بالفن الجميل الصافي عند هذه الفئة المطحونة من أهل بلدي، فالناس في القرية، والمصانع تغني وهي تعمل، ولذلك كان غناؤهم عميقا صافيا.
وذلك لأنه غناء المتعبين الذين يجدون في الفن قوة تساعدهم وتجدد مافيهم من قدرة على الحياة، وتخفف العرق، وتخلق في الجهد الذي يبذلونه متعة وجمالا.
لهذا كان طبيعيا عندما يبدأ بناء مشروع السد العالي، أن يكون (محمد رشدي) واحدا من الذين شاركوا في بناء هذا المشروع العملاق، خاصة أن معركة السد العالي لم تكن معركة علمية وتكنولوجية ومالية وسياسية واقتصادية وإجتماعية فقط.
وإنما كانت معركة فنية أيضا، معركة للتعبير عن هذا العمل الهائل بالكلمة والصورة واللون والنغم، بالتحقيق والوصف والأدب والتاريخ والشعر، بالكاميرا والسينما، باللوحة والتمثال، بالرقص والحفربالأغنية والموسيقى.
بلديات والسد العالي
كما كان من مهام الفن في السد الترفيه عن بناة السد في مواقعهم، وأن ينتقل وينقل إليهم مشاعر أهل ناس مصر الطيبيين جميعا، نغما حلوا.
وكان من أكثر الشعراء تفاعلا مع مشروع بناء السد العالي الشاعر الكبير (عبد الرحمن الأبنودي) والمطرب (محمد رشدي)، والملحن العبقري (بليغ حمدي)، وفي هذه الفترة قدم هؤلاء الثلاثة واحدة من أجمل أغنيات السد العالي.
وهي (بلديات) التى تتحدث عن شاب يذكر واحدة من بنات بلده وهى (نجاة) بما كان بينهما من ذكريات، حيث (قابلها مرة وريتك مصر ومصانعها)، كما سهروا ليلة مع عمال السد العالي.
وفي هذه الأغنية قال (الأبنودي) في أحد (كوبليهاتها) تعبير من أجمل ما سمعته في أغنية وطنية وهذا التعبير هو (مصر عروسة ونازلة الصاغة تختار بإيداها شبكتها) حيث صور (مصر) وكأنها عروس فرحانة وسعيدة بجمالها وعريسها ومن شدة فرحتها (نازلة الصاغة تختار بإيداها شبكتها).
هذه الأغنية الجميلة التى تحتفي بالسد العالي وعماله، اغتالها (محمد رشدي) في سنواته الأخيرة عندما قام بعمل توزيع موسيقي جديد لأشهر أغنياته العاطفية التى قام بغنائها في حقبة الستينات.
وقام بتغيير كلماتها، وجعلها أغنية عاطفية، والمحافظة على لحنها القديم، مع عمل توزيع جديد له، واحتفظ فقط بإسمها القديم، و(الكوبليه) الأول منها، أما باقي الكلمات التى تتحدث عن السد العالي وعماله، فقام بحذفه.
واستبدله بكلام عاطفي لا بأس به، كتبه للأسف الشاعر الكبير (عبد الرحمن الأبنودي) كاتب الأغنية الذي شارك في الجريمة، ولا أدري لماذا وقع اختيارهم على هذه الأغنية الوطنية الجميلة تحديدا لإعادة كتابتها مجددا طالما قدمت في مناسبة معينة؟!
كلمات الأغنية الوطنية
هذا الأسبوع في باب (محذوفات الأغاني) سنقوم بنشر كلمات الأغنية الوطنية التى قدمت في الستينات، وتحت منها كلمات الأغنية عندما تم اغتيالها وتحويلها إلى أغنية عاطفية!.
بلديات، بلديات، وحياة من خلى كلامك أحلى من الشربات
وحياة من خلى العود ملفوف أربع لفات
مانتش عارفاني إزاي يا نجاة ده أحنا يا حبيبتي بلديات
بلديات وقابلتك مرة، وريتك مصر ومصانعها
مصر عروسة ونازلة الصاغة تختار بإيداها شبكتها
ياما سهرنا يا حلوة ليالي، مع عمال السد العالي
مانتش عارفاني إزاي يا نجاة، ده أحنا يا حبيبتي بلديات
ياما مشينا ورحنا وجينا وفرشنا طريقنا بغناوينا
ولاد الحارة في عيد السد بإبتساماتهم نصبوا الزينة
الدنيا فرح، زغاريد وطرح، وحاجات، وحاجات وحاجات
مانتش عارفاني إزاي يا نجاة، ده أحنا يا حبيبتي بلديات
………………………………………………………
النسخة الجديدة من أغنية (بلديات)
النسخة الجديدة من أغنية (بلديات) كما كتبها الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، وحولها إلى أغنية عاطفية في حقبة التسعينات.
بلديات، بلديات، وحياة من خلى كلامك أحلى من الشربات
وحياة من خلى العود ملفوف أربع لفات
مانتش عارفاني إزاي يا نجاة
ده أحنا يا حبيبتي بلديات
بلديات وقابلتك مرة، وسالتك من فين يا صبية
وسكتي يا اصيلة وحرة، وخجلتي ما تردي عليا
انا شوفتك هربت أحزاني
صوتي يا ناس ماعرفش لساني
مانتش عارفاني إزاي يا نجاة، ده أحنا يا حبيبتي بلديات
بلديات، بلديات، وحياة من خلى كلامك أحلى من الشربات
سحرك هادي، وماهوش عادي، ورموشك سيف وسط النار
سألوني الناس، مالك ملهوف، لونك مقطوف، قلبك مخطوف
أنا قولت لهم سيبوني أعملوا معروف
والقلب لمس في عينيكي ونس
مانتش عارفاني إزاي يا نجاة ده إحنا يا حبيبتي بلديات
بلديات، بلديات، وحياة من خلى كلامك أحلى من الشربات.
……………
للأسف الشديد النسخة الجديدة هي المنتشرة والموجودة بقوة على شبكة (الأنترنت)، أما النسخة القديمة من أغنية (بلديات) فهي التى يحتفظ بها عشاق صوت محمد رشدي الذي كان في قمة جماله وقوته وعذوبته في حقبة الستينات.