
بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ
ما ذكره السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، عن أن أحد أسباب ارتفاع نسبة الطلاق، كثرة مشاهد الرفاهية، إنها لفتة إلى واقع حقيقي لا جدال فيه، وربما كان رسالة تحذير أو حسب التعبير الميري(نوبة صحيان)، فلعل السادة، المنتجين والمخرجين، يصبح لديهم الوعي الكافي فيما بعد حول ما سيقدم للناس عبر (الدراما).
وبالفعل فمشاهد الفيلات السيارات ومظاهر أخرى يبدو فيها الإسراف واضحاً، في غاية الاستفزاز، ليس فقط للمستويات الفقيرة، بل هى كذلك المستويات ذات الدخول المتوسطة وفوق المتوسطة.
ولا يكون في حسبان الكثير من الناس، أن المستويات المقابلة في الواقع، لما تبثه (الدراما) عن مظاهر الرفاهية على شاشتها، لا يزيد عن نسبة النصف في الألف على أكثر تقدير ببن مجموع الشعب الذي يعيش على أرض المحروسة.
ولكنى هنا سوف أحاول الغوص قليلاً فيما وراء ملحوظة السيد رئيس الجمهورية، طارحاً سؤالاً عن المسئولين عن إنتاج (الدراما) والسينما كذلك، فلماذا يقع جل اختيارهم للأعمال المختارة، لمناقشة قضايا هذه المستويات المترفة؟!
هنا سوف أترك (الدراما) وظروف الإنتاج وكل ما يتعلق مباشرةً بإنتاجها وإخراجها وتمثيلها، بالقفز إلى الواقع نفسه، ذلك الواقع الذي أدى في رأيي إلى هذه الظاهرة التى استفحلت على الشاشات وشاعت حتى كان لها انعكاساتها الواقعية المريرة، وما لبثت أن لفتت انتباه أكبر مسئول في البلاد، رئيس الجمهورية نفسه!

يسكنون القصور المنيفة
ذلك لأن أرباب الفن أنفسهم من منتجين ومخرجين وموزعين، منقسمون ما بين فئتين، فئة تعيش هذه الحياة معيشة حية، فهم يسكنون القصور المنيفة في منتجعاتهم الفاخرة، ويركبون السيارات الفارهة ويصيفون في فيلات وشقق وشاليهات الساحل الشمالي، ويشتون في أرقى فنادق سواحل البحر الأحمر.
ومنهم أيضاً من لا يكف عن التنقل ما بين المدن الأوروبية والأمريكية والريفرات الإيطالية والفرنسية وجزر الهادى والهندي.
بينما الفئة الأخرى تضع ترنو بعيونها الى أبعد مدى من الأحلام لتحقيق ما وصلت إليه الفئة الأولى!.
فمن هذين الفئتين يل سيادة الرئيس، كان الغالب يتكون صناع السينما و(الدراما)،
فأنى لهم أن يدركوا حياة الجماهير من المستويات المتوسطة والفقير؟!.
ولأنهم يا سيدي لا يرون بقية الشعب المصري، إلا من خلال زجاج سيارتهم المفيم، أو قياساً على الكومبارس أو الخدم، أو باسترجاع ذكريات في مخيلة بعضهم ممن كان لهم ماض أو صلة في المدن والأحياء الفقيرة أو المتوسطة أو قرى الريف، أو بالسمع من بعيد عمن يخبرهم بمعيشة أهل مصر.
هذا مع الامتعاص والقرف من لدنهم، من مجرد تخيل حياة هؤلاء الناس إذا اضطروا إلى أن يصوروا مشاهد في مسلسلاتهم عن حياتهم المفعمة بكل ما هو منهك، فلذلك يقدمون المجتمع المصري على أنه من طبقتين متباعدبن، الطبقة الأولى ترفل في حياة الرغد والرفاهية، في مقابل الطبقة الثانية تغوص في وحل العوز والعشوائية!.
فالكاميرات تنتقل ما بين مشاهد حية غي قصور أبطال أعمال (الدراما)، من منتجعات أقصى شرق القاهرة، حيث منتجعات التجمعات والرحاب ومدينتي، مع أقصى غرب الجيزة، حيث كمبوندات الشيخ زايد، وبين عشوائيات القاهرة والجيزة في القلب أو الأطراف.
(لاحظ أن المناطق الفاخرة تم انتقاؤها للسكنى في الأقصيين من الشرق والغرب، فليست أسوار الكمبوندات فقط هى الفاصل بين ساكنيها، لكنها فواصل بينها وبين غيرها طرق سفر أو بوابات رسوم وشركات أمن وحراسة.
فعندما كان صناع السينما و(الدراما)، يعيشون بين الناس وبدون تلك الأسوار ويخالطونهم فيعرفون كبيرهم وصغيرهم وحسنهم وسيئهم وجميلهم وقبيحهم وغنيهم وفقيرهم وعادلهم وظالمهم.

(الدراما) مرآة المجتمع
لذلك كانت (الدراما) في ذلك العصر، مرآة المجتمع بل ومكوناً من مكوناته، ترتبط به ذكرياتنا، فترانا لم نزل نسترجع ذكرياتنا مع مسلسلات الخامسة والثامنة وأفلام اليوم المفتوح وبعد ظهر الجمعة وسهرات التلفزيون ومسرحيات الإثنين والخميس وشم النسيم وثلاثينية رمضان وفيلم العيد.
هل يعيش السادة صناع (الدراما) هذه الذكريات الآن؟!
أظن سيادتكم تعلمون ما يفخر به المخرجون وكثير من السيناريست ؛ لاسيما أصحاب الورش، من دراسات الكليات والمعاهد في أوروبا وأمريكا، انظروا الى طريقتهم في الحديث وكيف اعوجت السنة بعضهم فعجزت عن حروف العين والخاء والقاف والجيم المعطشة، إلا بما وافق حرف الـ (j).
فعذراً سيدى الرئيس: فلهذه الأسباب، ولغيرها مما لا يتسع له المقام الآن، جاءت صناع (الدراما) بما يفرقون به بين المرء وزوجه، فكثرت حالات الطلاق وتشرد الأطفال وخربت البيوت طمعاً في واقع قريب منهم تراه الزوجات على الشاشات في مسلسلات مجزأة وإعلانات فواصل طويلة.
وهن يحلمن بأن يقفز من الشاشة كجنى مصباح علاء الدين، لكنه في الحقيقة دونه مفاوز وأهوال، فهو أبعد عنهم من أى وهم وأي خيال!.