رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

رسمي فتح الله يكتب: (محمد يوسف أوزو).. الموهبة التي فجّرت (وحش حولي)

رسمي فتح الله يكتب: (محمد يوسف أوزو).. الموهبة التي فجّرت (وحش حولي)
منذ المشهد الأول، يُدخلك الفيلم في عالمٍ متوترٍ كأنك تسير فوق زجاجٍ مكسور

بقلم الكاتب الصحفي: رسمى فتح الله

في عرضٍ جديد من سلسلة (وحش)، التى تعرض على منصة نتفلكس يطلّ علينا فيلم (وحش حولي) بطولة (محمد يوسف أوز) كأحد أكثر الأعمال العربية جرأة وصدقًا في تناول الجريمة النفسية من الداخل لا من الخارج.

العمل من إخراج المبدع محمد سلامة، الذي قدّم كل مشهد بدقة مدهشة وسرعة إيقاع محسوبة جعلت الفيلم غير مملّ على الإطلاق، بل قطعة نابضة من التوتروالإثارة.

الفيلم من بطولة (محمد يوسف أوزو) في دور حجاج السعدي المغتصب، وبشار الشطي في دور ضابط المباحث، ليشكّلا معًا مواجهة إنسانية وفكرية بين الجريمة والعدالة، بين الوحش والضمير.

منذ المشهد الأول، يُدخلك الفيلم في عالمٍ متوترٍ كأنك تسير فوق زجاجٍ مكسور، لا تعرف متى تنزف قدمك، أو متى تنزف روحك.

وما بين ظلمة الجريمة وبرودة التحقيقات، تلمع خمسة فناجين قهوة على مكتب المحقق؛ علامة السهر والإصرار، واعتراف صامت بأن الوصول إلى الحقيقة يحتاج أكثر من عينٍ ساهرة… يحتاج إلى قلبٍ لا ينام.

رسمي فتح الله يكتب: (محمد يوسف أوزو).. الموهبة التي فجّرت (وحش حولي)
في كل مرة يرتكب فيها “حجاج” جريمته، يعود إلى مرآته المكسورة كمن يواجه نفسه

محاكمة الضمير أمام المرآة المكسورة

في كل مرة يرتكب فيها “حجاج” جريمته، يعود إلى مرآته المكسورة كمن يواجه نفسه لا كمن يطلب غفرانًا.

ينظر إلى وجهه المبعثر في الشظايا، ويهمس بصوتٍ متهدّج:

(ليه يا حجاج؟ ليه بتعمل كده؟).

لكن هذه الهمسة لا تحمل ندمًا، بل صراعًا بين وحشٍ فقد إنسانيته وبقايا إنسانٍ ضائع بداخله.

يتحوّل المشهد إلى ضحك هستيري، ضحكٍ لا يعبّر عن ضعفٍ أو توبة، بل عن جنونٍ متجذّرٍ لا رجعة فيه.

ثم ينكسر الضحك إلى بكاءٍ عصبيٍّ متشنّج، كأنّ الكيان المجرم نفسه ينهار أمام مرآته، لا بحثًا عن خلاص، بل لأنه لم يعد يحتمل قبحه.

في تلك اللحظة لا نرى (محمد يوسف أوزو) ممثلًا، بل إنسانًا يعري الجريمة أمامنا بلا تجميل ولا تبرير.

(محمد يوسف أوزو) هنا لا يؤدي الدور، بل يغوص في قاع الظلام الإنساني ليُرينا كيف يصنع الألم وحشًا من لحمٍ ودم.

ملامحه تتبدّل من لحظة إلى أخرى، وكأن الكاميرا لا تلتقط صورة، بل روحًا تتفكك.

رسمي فتح الله يكتب: (محمد يوسف أوزو).. الموهبة التي فجّرت (وحش حولي)
أبدع المخرج محمد سلامة في الإمساك بخيوط العمل كقائد أوركسترا يعرف متى يصمت الصوت ومتى يرتفع

براعة الإخراج وسحر التفاصيل

أبدع المخرج محمد سلامة في الإمساك بخيوط العمل كقائد أوركسترا يعرف متى يصمت الصوت ومتى يرتفع.

اختار زوايا تصوير تحاصر الممثل أكثر مما تحاصره الكاميرا، وكأنها تسأله:

(هل تجرؤ أن تهرب من نفسك؟).

حتى التفاصيل الصغيرة، كأكواب القهوة المتناثرة على مكتب المحقق، جاءت رموزًا للسهر، والبحث، والإرهاق الإنساني في مطاردة الشرّ حتى آخر الليل.

وربما أجمل ما في هذا العمل أنه أعاد تقديم (محمد يوسف أوزو) كما لم نره من قبل.

فعلى الرغم من مشاركاته السابقة في أعمالٍ عديدة مثل الدالي، شط إسكندرية، ليالي، الحشاشين، وفيلم حرب وبعض الأفلام القصيرة،

فإن (وحش حولي) كان بمثابة بوابة الميلاد الفني الحقيقي له.

هذا ما يحدث عندما تُمنح الموهبة فرصة تحت يد مخرجٍ يفهم الممثل لا كمؤدٍ، بل كروحٍ قابلة للاشتعال.

كم من ممثلين نالوا فرصًا لا تُعدّ، لكنهم ما زالوا يرددون في صمت (نحن نجوم)،

من دون أن يملك أحدهم شرارة واحدة من صدق (محمد يوسف أوزو) في هذا الدور.

الفرق هنا ليس في الظهور، بل في الصدق، وليس في النص، بل في القدرة على تحويل النص إلى رعبٍ ملموسٍ ووجعٍ حقيقي يُحسّ ولا يُرى.

رسمي فتح الله يكتب: (محمد يوسف أوزو).. الموهبة التي فجّرت (وحش حولي)
(محمد يوسف أوزو) في هذا العمل لم يكن ممثلًا يؤدي دور مغتصب

(وحش حولي) ليس فيلمًا عابرًا،

بل درسٌ في كيف تحوّل الكاميرا إلى محكمة ضمير، وكيف يُعرّي التمثيل القبح لا ليبرّره، بل ليحذّرنا منه.

(محمد يوسف أوزو) في هذا العمل لم يكن ممثلًا يؤدي دور مغتصب، بل كان فنانًا يضعنا وجهًا لوجه أمام وحشٍ حقيقيٍّ نحمد الله أنه لم يخرج من الشاشة.

هكذا تُصنع الأعمال العظيمة:حين يلتقي مخرج بارع بموهبة صادقة، وحين تتحوّل الشاشة إلى مرآة، والمرآة إلى حكمٍ لا يُستأنف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.