رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة).. ما كل هذا البهاء

(مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة).. ما كل هذا البهاء
لم يكن البهاء مجرد مظهر، بل كان جوهرًا تمثل في برنامج ضخم امتد لثمانية أيام

بقلم: الكاتب والناقد: ناصر العزبي

بهاء التنظيم.. وروح الاحترام.. في مشهد ثقافي يزخر بالفعاليّات والمهرجانات المسرحية المميزة التي وصلت إلى 15 مهرجانًا خلال فترة وجيزة أو توقيت واحد تقريبًا، يبرق هذا المهرجان؛ (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة) كجوهرة لها بريق يميزها، لا لمحتواه النوعي فقط، بل للروح التي اتسم بها، وللهيبة التنظيمية التي جعلت من دورته الثالثة (دورة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب) حدثًا استثنائيًا.

إن (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة) يختلف في جوهره؛ فالفريق القائم عليه، بقيادة الفنانة عبير لطفي رئيسة المهرجان، والمديرتين الفنيتين المخرجة عبير علي والكاتبة رشا عبد المنعم، لا يسعى لبروباجندا أو نجومية زائفة، فهم متحققون فنيًا وأخلاقيًا.

ربما كانت هناك بعض مشكلات واجهت التنظيم في (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة)، إلا أنها بسبب حكمة إدارته لم تطفو على السطح، هذا الالتزام – بادئ ذي بدء – هو سر ذلك (البهاء) الذي يلف كل فعالياته، من انتظام برنامجي دقيق، واختيارات مدروسة للعروض ولأعضاء اللجان، وتكريمات موفقة تلمس قلوب الجمهور قبل العقول.

(مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة).. ما كل هذا البهاء
قُدِّمت العروض للمشاهدة والاحتفاء لا للتقييم والتحكيم،

ست دول على خشبة واحدة

لم يكن البهاء مجرد مظهر، بل كان جوهرًا تمثل في برنامج ضخم امتد لثمانية أيام (من 25 سبتمبر إلى 2 أكتوبر)، شارك فيه 17 عرضًا من 6 دول (مصر، لبنان، فلسطين، إسبانيا ضيف الشرف، إيطاليا، اليابان) إضافة لعرض الختام لتونس. وقد اتسم (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة)، بعدم التنافسية.

حيث قُدِّمت العروض للمشاهدة والاحتفاء لا للتقييم والتحكيم، مما أتاح مساحة أوسع للتنوع بين المسرح التقليدي والمجتمعي والتجريبي. وقد اتحدت هذه العروض المتباينة تحت مظلة واحدة لتقدم باقة مكثفة من قضايا المرأة والهموم الإنسانية، حيث كان المحدد الوحيد لاختيارها هو انسجامها مع هوية المهرجان وفلسفته التأسيسية.

من مصر، تألقت عروض مثل: (هل تراني الآن، بيرسونا، طقوس الإشارات والتحولات، آخر حبة رملية، أحفاد دافنشي)، ومن فلسطين، حمل عرض (فاطمة الهواري – لا تصالح) رسالة نضال وإصرار، بينما قدّمت لبنان عرض “جوجينج” للفنانة حنان الحاج علي.

كما أثرى المهرجان بفنون دولية مثل العرض الإسباني (العرس الدامي)، وعرض (هيلينا)، والعرض الإيطالي المصري المشترك (حدود) نتاج ورشة عمل مكثفة، والعرض الياباني البلجيكي (الفراشة والخيط الأحمر)، واختتم المهرجان بالعرض التونسي (فزاعة) للمخرجة خلود عيسي.

وعروض أخرى منها العرض التفاعلي “دبابيس” لفريق نواه أسيوط ضمن خطة أندية السكان.

بهاء الفكر الذي يشع من ندوات وورش تفكّك تحديات العصر، لم يقتصر المهرجان على العروض المسرحية، بل انطلق إلى آفاق الفكر والتدريب، مناقشًا أحدث القضايا المؤثرة في الصناعة المسرحية.

ففي ندوة (تقاطعات الذكاء الاصطناعي مع الصناعة المسرحية) بالمجلس الأعلى للثقافة، قدم الفنان عزت إسماعيل والفنانة شيرين حجازي تجربة غنية في استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج عمل فني بخصوصية مصرية مستلهمًا من (كتاب الموتى)، محذرين في الوقت ذاته من مخاطره الثقافية والإبداعية.

(مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة).. ما كل هذا البهاء
مشكلات واجهت التنظيم في (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة)، إلا أنها بسبب حكمة إدارته لم تطفو على السطح

احتفاء بالمسار والعطاء

كما سلط المهرجان الضوء على قضية العصر الخطيرة (العنف الإلكتروني القائم على النوع الاجتماعي) في ورشة توعوية قدمتها سالي ذهني، إلى جانب ذلك تنوعت الورش ما بين الرقص المعاصر مع شيرين حجازي وميريت ميشيل، وكتابة الرؤية الإخراجية مع المخرج سعيد قابيل، وندوتان ماستر كلاس عن فن التمثيل مع كل من الفنان فتحي عبد الوهاب، والفنانة معتزة عبد الصبور.

تميزت فلسفة التكريم في (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة) بنكهة خاصة، فلم تكن موجهة نحو (التريند) من وراء صخب النجومية، بل انحاز بوضوح إلى قيمة المسار الفني وزخم العطاء، وكانت خيارات المهرجان دليلاً على ذلك، فشملت تكريم قامات مؤثرة تغيب عنها الأضواء الإعلامية.

وشمل التكريم قامات فنية رفيعة مثل الفنانة فريدة فهمي، وعايدة فهمي، ومعتزة عبد الصبور، واللبنانية حنان الحاج علي، والإيطالية آنا دورا دورنو، وأستاذة التمثيل الدكتورة منى صادق، والفنانة حنان سليمان.

كما تميز (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة)، بإضافته النوعية بتكريم المخرج المنفذ لأول مرة في المشهد المسرحي، حيث كرم أيقونة التفاني المخرجة المنفذة (علا فهمي)، والذي لاقى ترحيباً واسعاً من متابعي المشهد المسرحي المصري.. وتسلم درع تكريم سيدة المسرح العربي (سميحة أيوب) حفيدها يوسف علاء مرسي في صورة تعكس مدلولاً إنسانيًا راقيًا.

بهاء الإرث.. مسابقة فتحية العسال تواصل مسيرة العطاء، وفي إطار حرص المهرجان على تواصل مسيرة العطاء، أطلق في دورته الثالثة مسابقة (فتحية العسال) للتأليف المسرحي بالتعاون مع دار (ريشة) للنشر، تقديرًا لإسهامات الراحلة الكبيرة.

(مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة).. ما كل هذا البهاء
بيت البنات.. فوق التل
(مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة).. ما كل هذا البهاء
تكريم سميحة أيوب

بيت البنات.. فوق التل

وقد توجت هذه المسابقة مسيرة المهرجان بإعلان نتائجها في حفل الختام، حيث تنافس 81 نصًا، وتقاسمت مراكزها ستة نصوص فائزة؛ ففي مسار المبتدئين فازت نصوص: (الصمت الأعمى) لهبة مرسي، و(حجب) لأميرة أحمد، و(نقطة على الفاء) لأمنية عادل.

بينما فاز في مسار المحترفين: (بيت البنات.. فوق التل) لأمجد زاهر، و(ميدوسا) لمحمود محمد سيد، و(تحت القذف) لأحمد سمير.. وتتمثل الجائزة في نشر النصوص الفائزة ضمن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب المقبل.

في خطوة عملية لرعاية المواهب الجديدة وضمان استمرارية تيار الكتابة المسرحية المعاصرة، حاملةً إرث “فتحية العسال” إلى مستقبل أكثر إشراقًا.

بهاء المستقبل.. إطلاق حاضنة نهاد صليحة لرعاية الإبداع النسوي.. هو الأمر نفسه ينطبق على إعلان المهرجان عن إطلاق النسخة الثانية من حاضنة نهاد صليحة، ليكتمل العقد بحبات العقد الثلاث (سميحة، فتحية، نهاد)،  وهذا الإعلان يعنى بتطوير مشاريع النصوص والعروض المسرحية المرتكزة على قضايا المرأة.

حيث تهدف الحاضنة إلى تقديم الدعم الفني واللوجستي للمبدعات، وتمكين أعمالهن على أرض الواقع، مع خطط لعرض نتاج هذه الحاضنة في الدورة القادمة من المهرجان.

وتأتي هذه الخطوة لتؤكد أن إيزيس ليس مجرد مناسبة فنية عابرة، بل هو مشروع ثقافي متكامل يسعى لصناعة حركة مسرحية نسوية مستدامة، تخلق جيلاً جديداً من الكاتبات والمخرجات القادرات على حمل راية الإبداع.

وختامًا، لا يسعنا إلا أن نردد: شكرًا لـ (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة).. شكرًا لهذا التنظيم والبرنامج الراقي الذي نُفذ بمنضبطية نادرة. شكرًا للروح الجماعية التي أدارت دفته، وللفريق الذي عمل بكفاءة عالية، خاصة فريق الإعلام والعلاقات العامة.. (مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة) هو نموذج مشرف للمبادرة الثقافية المستقلة التي تثري المشهد دون ضجيج، وتقدم الفن ببهائه الحقيقي، متمنين له دوام التميز والنجاح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.