رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

طارق عرابي يكتب: روشتة (وطن) !

طارق عرابي يكتب: روشتة (وطن) !
مجموعة من الشباب البسيط الموهوب .. غيَّروا بإبداعاتهم اقتصادات وقيادات دول حول العالم .. فمتى ندرك الحقائق؟

الموهوب جنين (وطن)، إن تركناه في رَحِمِ الجهل والتجاهل سيموت تاركًا وطنًا عقيمًا

بقلم الدكتور: طارق عرابي

لا يختلف عاقلان على أن التشخيص الجيد للعلل والمشاكل هو أول خطوة طبيعية لصياغة (روشتة) علاج صحيحة وذكية لأي علة أو مشكلة. 

لذا دعونا نتوقف عن الاستمرار في ممارسة فن (الإنكار) للحقائق ونواجه واقعنا بشجاعة ولو لمرة واحدة في حياتنا، ودعونا أيضًا نتفق أن هناك علل كثيرة في مجتمعاتنا العربية لايمكن إنكارها، وهي التي تبدو جلية في تساؤلات الكثيرين من العقلاء والحكماء:

لماذا نستمر في اعتمادنا المفرط على الغرب؟ ولماذا يأتي تصنيفنا في مؤخرة قوائم العديد من التصنيفات العالمية، مثل التعليم والاقتصاد والتكنولوجيا والشفافية والنزاهة، وغيرها؟

ولماذا نستسيغ أن يقدم العالم الغربي لنا أبناءنا كعلماء وعباقرة في مجالات مختلفة رغم أنهم كانوا يعيشون بيننا من قبل؟ لماذا لم نقدم نحن أحمد زويل ومجدي يعقوب وأكثر من 800 ألف عالم مصري يعيشون خارج أوطانهم ويحققون إنجازات وابتكارات غير مسبوقة في دول مختلفة حول العالم؟

الإجابات بسيطة، ولكنها تمثل جرس إنذار مقلق للغاية، فباستثناء من رحم ربي من الفوارس القلائل الذين أنعم الله عليهم بنور المعرفة وعبقرية الوعي والإدراك والانتباه المبكر لقيمة مواهب الأمة وعلمائها ومفكريها المبدعين من أبناء هذا الـ (وطن).. دعونا نعترف بالحقائق التالية:

– نحن لا نقرأ بقدر ما يقرأ الآخرون..

– نحن نُخطئ في فهم المشهد العالمي سريع التغير، والأسوأ من ذلك، أننا قد نُضلّل أنفسنا وغيرنا عمدًا..

– نحن لا ننصت جيدًا لبعضنا البعض، فمعظمنا يريد فقط أن يتحدث ويدعي أنه الأعلم والأكثر فهمًا..

طارق عرابي يكتب: روشتة (وطن) !
هؤالء أيضًا شباب موهوب .. ينافسون البراندات العالمية ويقدمون أجمل صورة عن بالدنا

نفتح عقولنا للمبادرات

– نحن نخدع أنفسنا بأننا (أعظم) من أن نحتاج إلى التوجيه، أو أن نستمع إلى الأخرين، أو أن نفتح عقولنا للمبادرات التي قد ترفع من شأننا بين الأمم العظيمة، ولا نتعلم أبدًا من تجارب وخبرات الآخرين.

– نحن ننساقُ بسرعة الصاروخ وراء منشورات التواصل الاجتماعي ونصدق ونتشارك تضليل عامة الناس، ونظلم أشخاصًا دون دليلٍ موثوق، فقط لمجرد منشور صدر عن شخصٍ أو أشخاص في حق شخصٍ ما

– نحن العرب لا نستحق أفضل مما نحن عليه حتى الآن.

– نحن لا نعير اهتمامًا لما لدينا من كنوز ربانية ومواهب بشرية.

– نحن لا ندرك قيمة الفرص العظيمة الفارقة إلا بعد فوات الآوان.

– نحن لا نقدر قيمة العلم والعلماء والمفكرين المبدعين بالقدر المطلوب.

– نحن نسافر لبلاد الغرب من أجل متعة الشهوات، بينما الغرب يأتينا لاستكشاف الحضارات.

– نحن العرب نستثمر ما منحنا الله فيما لا ينفع الناس ولا يرتقي بمستوى المواطن معيشيًا وفكريًا وثقافيًا.

– نحن العرب تُستحلُ أموالنا لاسترضاء من يعملون على تحقير شأننا، بل وإذلالنا لنقبل أن نعيش صاغرين.

تلك هي بعض الحقائق الواضحة لكل الناس، ومع ذلك لا نتوقف عن ممارستها وإنكارها في آنٍ واحد.

نحن في حقيقة الأمر أممٌ تحتاج بشدة إلى مفاهيمٍ ثورية تنويرية حقيقية

We are Nations that urgently need true revolutionary enlightening Notions

والدرس شديد الوضوح الذي ينبغي أن نتعلمه جميعًا من الأمثلة التي سأذكرها هنا هو أن هناك أشخاصًا صنعوا بأفكارهم الثورية الجديدة اقتصادات (وطن) أقوى من اقتصادات دول كثيرة حول العالم، بل هم من صنعوا شأنًا عظيمًا لأوطانهم ووضعوها في مقدمة صفوف دول العالم.

ونستخلص أيضًا أن أعظم التحولات في العالم جاءت من أشخاص عاديين وغير مشهورين في حينه، وقد تم ذلك من خلال أفكار غير تقليدية، وصبر في حال الفشل، ومحاولات مستميتة لإيجاد أفضل الحلول، والاستعداد للتطوير واقتناص الفرص، ولم يأتِ أبدًا من الغرور أو إنكار تجارب الأخرين.

طارق عرابي يكتب: روشتة (وطن) !
جان كوم وبريان أكتون .. رفضهما فيسبوك كموظفين في 2009 ثم اشترى منهما واتساب بقيمة 19 مليار دوالر في 2014

ثورة تنويرية معرفية وابتكارية

ولو عدنا بالذاكرة إلى (توماس إديسون) وتجربته المريرة والمضنية ومحاولاته الأولى الفاشلة مع اختراع المصباح الكهربائي الذي أضاء العالم وغيَّر ملامح الحياة لتعلمنا الدرس بيقين كامل وتأكدنا بأننا لن نتقدم خطوة للأمام ما لم نتبنى ثورة تنويرية معرفية وابتكارية وثقافية قادرة على تصحيح المسار وإنجاز المستحيل.

وعالمنا العربي مليء بشباب أكثر ذكاءً وإبداعًا من كل هؤلاء الذين ورد أو لم يرد ذكرهم هنا، والشأن العظيم لن يأتي إلا عبر الإيمان بالتغيير الحقيقي وخلق أثر إنساني وتنموي عميق يؤكد للعالم أن عقول أبناء الشرق الأوسط قادرة على تقديم حلول اقتصادية وثقافية طال انتظار العالم لها.

وأن تلك العقول العربية ليست أقل شأنًا من العقول في تلك الدول التي تدعي لنفسها حصرية النبوغ والعبقرية والقدرة على الإبداع والابتكار.

إن كنتَ مدركًا لتلك الحقائق ولا تنكرها، فأنت صديقنا العادل الطموح في (وطن) يشاركنا الرغبة في إطلاق العنان لشبابنا النابغ والموهوب، وتمكينهم من أجل بناء (مواطنٌ ثلاثيُ الأبعاد .. في أوطانٍ تَصْلُحُ للأحفاد)

قصص واقعية مُلهمة حديثة العهد:

  • فيسبوك 2004 Facebook

بدأ كمنصة لطلاب هارفارد فقط، ثم انفتح للعالم في 2006. نجاحه اعتمد على تصميم يضع المستخدم أولًا، وابتكار مستمر، وقيادة قوية.

  • واتساب 2009 WhatsApp

أسسه جان كوم وبرايان أكتون بعد رفض فيسبوك توظيفهما. وقد تحول من تطبيق بسيط إلى وسيلة تواصل مجانية عالمية، وقد استحوذ عليه فيسبوك عام 2014 مقابل 19 مليار دولار.

طارق عرابي يكتب: روشتة (وطن) !
بيل جيتس .. حكاية فشل كبير في البداية .. واليوم ميكروسوفت أعلى من اقتصادات دول كبيرة مجتمعة .. بقيمة 4 تريليون دوالر

بيل غيتس

  • ميكروسوفت – بيل غيتس Microsoft – Bill Gates

التجربة الأولى (Traf-O-Data) فشلت، لكنها منحت غيتس الدروس لتأسيس ميكروسوفت.. بترخيص نظام MS-DOS لشركة IBM عام 1980، انطلقت الشركة نحو العالمية.. واليوم تجاوزت قيمتها 4 تريليون دولار، بفضل التعلم من الفشل والاستثمار الجريء في الذكاء الاصطناعي.

  • إن فيديا NVIDIA

تأسست عام 1993، واخترعت معالج الرسومات GPU الذي غيّر عالم الألعاب والحوسبة.

بإطلاق CUDA عام 2006، فتحت الباب لعصر الذكاء الاصطناعي. واليوم تتربع على عرش التكنولوجيا بقيمة سوقية 4.1 تريليون دولار.

طارق عرابي يكتب: روشتة (وطن) !
رش تشانجييي منج .. ابتكاره )تك توك( أغرى ترامب واستفزه، وتم رفض عرض كة أمريكية الشاب

جذب الملايين بسرعة

  • إنستغرام 2010 Instagram

تطبيق بسيط لمشاركة الصور، جذب الملايين بسرعة بسبب تصميمه الموجه للهواتف وفلتراته السهلة. استحوذ عليه فيسبوك عام 2012 مقابل مليار دولار.

  • يوتيوب 2005 YouTube

انطلق عام 2005، واستحوذت عليه جوجل عام 2006 مقابل 1.65 مليار دولار. أصبح المنصة الأكبر عالميًا للفيديو، وغيَّر ثقافة الإعلام والاستهلاك.

  • تيك توك 2016 – 2018 TikTok

بدأ التطبيق في الصين باسم “Douyin” عام 2016، ثم اندمج مع Musical Ly عام 2018 ليصبح “تيك توك”. بفضل تركيزه على الأشخاص وفيديوهاته القصيرة وخوارزميته الذكية، تحول إلى قوة عالمية رفعت قيمة الشركة الأم “بايت دانس” إلى أكثر من 400 مليار دولار عام 2025.

  • لينكد إن 2003 LinkedIn

من موقع بسيط للتواصل المهني إلى المنصة الأولى عالميًا للأعمال والتوظيف. استحوذت عليه ميكروسوفت عام 2016 مقابل 26.2 مليار دولار.

  • تويتر 2006 Twitter – .. لاحقًا منصة X إيلون ماسك

بدأ كمشروع جانبي لشركة (أوديو)، ثم صار منصة الأخبار الفورية عالميًا. وبعد أن أصبح شركة عامة، استحوذ عليه إيلون ماسك عام 2022 مقابل 44 مليار دولار.

طارق عرابي يكتب: روشتة (وطن) !
الرئيس اأمريكي األسبق بيل كلينتون يكرم مبتكري موقع يوتيوب العالمي

تطبيق (طلبات – Talabat)

ومن الضروري أن أذكر هنا أن تطبيق (طلبات – Talabat) لخدمات توصيل المشتريات من المطاعم والمحلات هو أشهر وأنجح تجربة عربية في عالم الخدمات الإلكترونية التجارية.

وأنا شخصيًا فخورٌ بتلك التجربة وبمؤسسها الأول الشاب الكويتي خالد العتيبي مع ثلاثة من أصدقائه الكويتيين، الذين بدءوا الحلم معًا بمبلغ 4 آلاف دينار كويتي في 2004 وواجهوا صعوبات كثيرة لكنهم حققوا خلال عامين نجاحًا مقبولًا، وجاءهم عرض بقيمة 100 ألف دينار..

وهو ما أغرى أصدقاء خالد العتيبي لأن كل ألف دينار قد تحول إلى 25 ألف دينار خلال عامين فقط، فاشترى خالد حصصهم بقيمة 75 ألف دينار، وأصبح موقع (طلبات) ملكًا لخالد ووالده الذي سدد قيمة حصص الأصدقاء الثلاثة.

وفي عام 2007 قبل خالد عرض رجل الأعمال الكويتي عبد العزيز اللوغاني بقيمة 350 ألف دينار كويتي، ثم باعه اللوغاني في 2010 لرجل الأعمال الكويتي محمد جعفر بمبلغ 880 ألف دينار كويتي.

لكن هذا المنتج العربي الأصيل لم يعد وللأسف ملكًا للعرب، رغم أن محمد جعفر (شديد التميز والذكاء) باعه في 2015 بقيمة 150 مليون يورو (170 مليون دولار حينها) إلى شركة روكيت إنترنت المملوكة لشركة ديليفري هيرو الألمانية.. أي أن 4 آلاف دينار في 2004  صارت 170 مليون دولار في 2015.

وبعد دِقة التشخيص وكشف نقاط العلة وقراءة الواقع العالمي، يتحول السؤال إلى بضعة أسئلة:

هل نحن العرب.. قادرون على التغيير في أي (وطن)؟

هل سنُحْسن استثمار ما لدينا من كنوز وطاقات بشرية واعدة؟

هل سنفكر بجدية في حجز مقعد عربي عالمي دائم بين الأمم الأكثر إبداعًا وتقدمًا وقوة؟

هل نستطيع بناء امبراطورية اقتصادية عربية عالمية بالعقول قبل الأموال؟

(يؤتي الحكمة من يشاء.. ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتيَ خيرًا كثيرًا.. وما يَذَّكَّرُ إلا أولو الألباب).

(فأما الزبدُ فيذهب جُفاءً.. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).. صدق الله العظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.