رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود عطية يكتب: (دونالد ترامب).. الممثل الكاذب!

محمود عطية يكتب: (دونالد ترامب).. الممثل الكاذب!
الكذب في حالة ترامب ليس مجرد وسيلة بل هو جزء من بنيته النفسية والسياسية

بقلم المستشار: محمود عطية *

(دونالد ترامب) ليس مجرد شخصية سياسية مثيرة للجدل بل هو نموذج نادر لسياسي جعل من الكذب أداة مركزية في حضوره السياسي والإعلامي، فمنذ ظهوره على الساحة السياسية لم يتوقف عن إطلاق تصريحات غير دقيقة أو كاذبة بشكل منهجي يكاد يكون متعمدا ومقصودا.

و(دونالد ترامب) لا يكذب فقط في التفاصيل بل في القضايا الجوهرية وفي الملفات الدولية الحساسة وحتى في ما يتعلق بشخصه وسجله السياسي أو الاقتصادي، والأخطر من ذلك أن الكذب في حالة ترامب ليس مجرد وسيلة بل هو جزء من بنيته النفسية والسياسية، فهو يتنفس الكذب كما يتنفس الهواء ومن الأمثلة الصارخة على ذلك ما ادعاه حول دوره المزعوم في حل النزاع بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة.

فقد زعم أكثر من مرة أنه تدخل لحل الأزمة، وأنه لعب دورا محوريا في تقريب وجهات النظر بين الدولتين بل وذهب إلى حد الادعاء بأنه أقنع إثيوبيا بوقف بناء السد أو تغيير مساره، وهي مزاعم غير حقيقية على الإطلاق ولا تستند إلى أي وقائع على الأرض إذ لم يسجل التاريخ السياسي أي دور فاعل أو مؤثر لـ (دونالد ترامب) في هذا الملف.

بينما ظلت مصر وإثيوبيا والسودان في حالة تفاوض دائم مع أطراف دولية متعددة دون أن يكون لـ (دونالد ترامب) أي تأثير فعلي، كما أن (دونالد ترامب) نفسه لم يلتزم بأي خطة تفاوضية واضحة، ولم يطرح أي رؤية حقيقية لحل الأزمة بل اكتفى بإطلاق تصريحات فضفاضة هدفها فقط الظهور بمظهر الزعيم القادر على التدخل في النزاعات الكبرى دون امتلاك الأدوات أو الفهم الكافي لتعقيدات هذا الملف المعقد.

محمود عطية يكتب: (دونالد ترامب).. الممثل الكاذب!
تسطيحه المتعمد للحقائق وتبسيطه الزائف للقضايا الدولية الكبرى من أجل مكاسب إعلامية وشعبية آنية

تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني

وهو ما يعكس جانبا آخر من خطورته، وهو تسطيحه المتعمد للحقائق وتبسيطه الزائف للقضايا الدولية الكبرى من أجل مكاسب إعلامية وشعبية آنية، ويكفي أن نتأمل في طريقة حديثه عن هذا النزاع كي ندرك حجم المأساة، فهو يتحدث بلغة استعراضية خالية من الدقة لا تراعي حساسية الموقف ولا تتناول الأبعاد الجغرافية والتاريخية والسياسية للصراع.

بل يصوره كما لو كان خلافا شخصيا يمكن حله بمكالمة هاتفية أو جلسة ودية، مع أن الملف يرتبط بمصير شعوب ومستقبل أجيال، أما فيما يخص تصريحاته حول حماس فهي مثال آخر على الكذب الممنهج الذي يتبعه.

فقد ادعى أن حماس ترفض المبادرات وتصر على الحرب بينما الواقع يثبت عكس ذلك تماما، فحماس قبلت في مراحل كثيرة بمبادرات تهدئة، وكان موقفها مرنا في بعض المحطات، لكنها اصطدمت دائما بتعنت الاحتلال وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني لكن (دونالد ترامب) يصر على تصوير الأمور كما يريد أن يراها هو.

وليس كما هى فعلا، فهو يتجاهل المعطيات ويقدم خطابا دعائيا يخدم أجندته الخاصة وهي أجندة تنحاز بشكل مطلق للكيان الصهيوني دون مراعاة للحقائق ولا للموقف الأخلاقي، وهو في ذلك لا يقدم نفسه كوسيط نزيه بل كطرف منحاز يحاول شيطنة طرف وإضفاء الشرعية على الطرف الآخر دون النظر في جذور الأزمة أو العدالة الغائبة.

وهنا يظهر وجه (دونالد ترامب) الحقيقي كمروج لأكاذيب سياسية خطيرة تمس جوهر القضايا المصيرية ولا يمكن الحديث عن شخصية ترامب دون التطرق إلى سلوكه المتغطرس واستفزازه الدائم للخصوم السياسيين أو حتى الحلفاء، فهو لا يعرف شيئا عن التواضع أو احترام الرأي الآخر.

بل يميل دائما إلى إهانة الآخرين والتقليل من شأنهم بأسلوب فج واستعلائي، مما جعله واحدا من أكثر الزعماء إثارة للنفور لدى قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، وربما كان أخطر ما في شخصية (دونالد ترامب) هو أنه لا يشعر بأي حرج في الكذب بل يعتبره أداة مشروعة للسيطرة والتأثير فهو لا يكذب مضطرا.

بل يختار الكذب حتى حين يكون قول الحقيقة أكثر فائدة له، ومن يتتبع تصريحاته سيجد أنها مليئة بالتناقضات والتضليل والافتراءات سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الصحة العامة أو حتى في الأمور الشخصية، فقد كذب بشأن حجم ثروته وبشأن مواقفه السابقة وكذب حين نفى علاقته بشخصيات ثبت لاحقا أنها كانت على صلة وثيقة به.

وكذب حين تحدث عن نتائج الانتخابات ورفض الاعتراف بالخسارة وحرّض بشكل غير مباشر على أحداث اقتحام الكونغرس، وكل ذلك يتم دون أي إحساس بالذنب أو التردد مما يعكس حالة انفصال تام عن القيم الأخلاقية والسياسية المتعارف عليها.

محمود عطية يكتب: (دونالد ترامب).. الممثل الكاذب!
(دونالد ترامب) هو نتاج طبيعي لحالة الانحطاط السياسي والإعلامي التي تعيشها الولايات المتحدة

حالة الانحطاط السياسي والإعلامي

وتكمن المعضلة الكبرى في أن مثل هذا الشخص استطاع أن يتولى رئاسة أكبر قوة في العالم، وهو أمر يطرح علامات استفهام خطيرة حول النظام السياسي الأمريكي الذي سمح بوصول شخصية بهذه الصفات إلى البيت الأبيض دون وجود ضوابط رادعة أو آليات فعالة تمنع استمرار هذا العبث السياسي.

بل إن البعض يرى أن (دونالد ترامب) هو نتاج طبيعي لحالة الانحطاط السياسي والإعلامي التي تعيشها الولايات المتحدة منذ سنوات، فهو يمثل الانعكاس الصارخ لفشل النخب التقليدية ولتراجع القيم الديمقراطية وتحول السياسة إلى عرض تلفزيوني يقوم على الإثارة والفضائح وليس على البرامج والرؤى الجادة.

ومما يضاعف من خطورة (دونالد ترامب) أنه يمتلك قدرة هائلة على التأثير في جمهوره الذي يصدقه دون تمحيص ويتعامل مع أكاذيبه كما لو كانت حقائق ثابتة، بل إن بعض أنصاره يعتبرونه مخلصا أو منقذا، حتى حين تكون أفعاله وتصريحاته كارثية بكل المقاييس وهنا نكون أمام ظاهرة سياسية مركبة تجمع بين الكذب الشعبوي والتحريض الإعلامي والاستعراض الشخصي.

وهى تركيبة قاتلة لا تهدد فقط الداخل الأمريكي، بل تمثل خطرا على العالم بأسره لأن ترامب حين يتحدث لا يتحدث بصفته شخصا عاديا بل رئيسا سابقا وربما مستقبليا لدولة تملك من القوة ما يكفي لتغيير مسار التاريخ، ومن العبث أن نستخف بخطورة كذب من يمتلك هذا الحجم من النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي.

وفي الختام فإن (دونالد ترامب) ليس مجرد سياسي فاشل أو ممثل ثقيل الظل كما يصفه البعض بل هو أخطر من ذلك بكثير لأنه يكذب ويعلم أنه يكذب، ويصر على الكذب رغم انكشافه ويمضي في خطابه دون أي اكتراث بالحقائق أو بالنتائج.

وهو بذلك يشكل نموذجا مدمرا للقيادة السياسية في القرن الحادي والعشرين وعلى العالم أن يعيد النظر في المعايير التي تسمح بوصول مثل هذا الشخص إلى سدة الحكم لأن بقاء الأكاذيب دون مساءلة هو أخطر ما يهدد استقرار الدول وسلامة الشعوب.

 * المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.