رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بهاء الدين يوسف (ييع).. سر المصريين على مواقع التواصل!

بهاء الدين يوسف (ييع).. سر المصريين على مواقع التواصل!
فتاة تدعى (هدير عبد الرازق)

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف

قبل أن تتعجب من استخدام كلمة (ييع) في العنوان دعني أذكرك بأنني استعرتها من نكتة بايخة مشهورة قديما، تحكي عن شاب تافه اعتاد التردد على محل بقالة بجوار منزله يوميا ليسأل صاحب المحل: (هل لديك زبادي بالباذنجان؟).

وكان الرجل يرد عليه في كل مرة بالنفي، إلى أن شعر بالضجر منه فقرر أن يجاريه حتى يعرف ماذا يريد، فرد على سؤال أخيرا بنعم هناك زبادي بالباذنجان، فما كان من الشاب إلا أن قال له (ييع) وسار مبتعدا.

هذه الـ (ييع) أصبحت محركا أساسيا لسلوكيات العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي العرب، الذين يحرصون بشكل يومي على زيارة كل الصفحات والحسابات التي تقدم محتوى تافها، أو غير أخلاقي، بوعد أن يقضوا ساعات في مشاهدتها والتدقيق في كل تفصيلة من تفاصيلها والاستمتاع بها في الغالب يسرعون بتطهير أنفسهم من الذنوب، فيكتبون تعليقا قبل أن يغادروا ملخصه (ييع).

قبل أيام راسلني صديق عزيز تجاوز الستين من عمره وكان يشغل قبل احالته الى المعاش منصبا مرموقا في مؤسسة محترمة، يشهد له الجميع بالرزانة والتدين والخلق القويم، وعلى تطبيق واتساب أرسل لي صورة تحمل خبرا عن الشاب الذي ظهر في فيديو متداول بقوة يخص فتاة تدعى (هدير عبد الرازق).

بهاء الدين يوسف (ييع).. سر المصريين على مواقع التواصل!
وجدت نفسي أترك قصة الفيديو وأركز مع سلوك هذا الصديق

ضجة على مواقع التواصل

سألته وكنت قد انتبهت لوجود ضجة على مواقع التواصل حول الفتاة، عن القصة، ووجدته يسرد علي تفاصيل الفيديو الفاضح الذي جمعها مع ذلك الشاب، مع الحرص على أن يردف كل تفصيلة بأوصاف من عينة (مشهد قذر، تصرف حقير)، وغيرها من الأوصاف التي تشي باستنكاره للفيديو وما تضمنه من مشاهد قال لي انها جنسية.

أخبرني أيضا أن الفتاة بعد القبض عليها قالت للشرطة أنها متزوجة عرفيا من الشاب، استوقفني كم المعلومات التي يعرفها عن الموضوع فسألته كيف عرف كل هذه التفاصيل، وهل شاهد الفيديو، فرد علي بكل ثقة (نعم.. واتابع أيضا الأخبار التي ترصد تطورات القضية).

وجدت نفسي أترك قصة الفيديو وأركز مع سلوك هذا الصديق، سألته لماذا شاهد الفيديو الإباحي حسب وصفه له، ولماذا يهتم بمتابعة أخبار التحقيق مع الفتاة والشاب، ألم يكن من الأفيد أن يتابع أخبار وموضوعات أكثر أهمية بعيدة عن الفضائح، لكنه رد عليّ ببساطة أنه يفعل ذلك حتى يكون ملما بالتفاصيل ويستطيع المشاركة في النقاش مع أصدقائه حين يثيرون الموضوع. 

سلوك صديقي يمكن القول أنها باتت سمة عامة في سلوكيات ملايين المشتركين في مواقع التواصل من العرب، ويمكن ببساطة تبين ذلك من رصد حجم التفاعل مع اي منشور او تغريدة مثيرة تشير إلى فضيحة، أو تتضمن صورة أو فيديو يثير الغرائز.

كما يمكن أيضا ملاحظة أنه وسط عشرات آلاف التعليقات على المنشورات من هذه العينة، ستجد معظمها يستنكر المنشور وأصحابه، ويسمح هؤلاء لأنفسهم بالحكم على أصحاب المنشور، دون أن يتوقف واحد فقط من هؤلاء المتفاعلين (الأخلاقيين) ليسأل نفسه سؤالا بسيطا: (وما الذي أتى بك أنت إلى هنا؟).

خاصة انك اذا كنت تكتب تعليقا مستنكرا فهذا يعني أنك قرأت المنشور أو شاهدت الفيديو أو تمعنت في الصورة بدقة، وأنفقت من وقتك دقائق أو ساعات ليس فقط فيما لا يفيدك في اخرتك، وإنما في المشاركة في ترويج سلوك معيب.

بهاء الدين يوسف (ييع).. سر المصريين على مواقع التواصل!
هناك محاولة لتبييض صورتهم الأخلاقية

تبييض صورتهم الأخلاقية

سألت الذكاء الاصطناعي عن السبب الذي يدفع الكثيرين لمتابعة منشورات وتغريدات لا يوافقون على مضمونها، بل ويدينونه في معظم الأحيان، فأجاب بأن الفضول يدفع هؤلاء إلى مشاهدة المحتوى المثير أو غير الأخلاقي على منصات التواصل.

لكن النسبة الأكبر منهم يسرعون الى كتابة تعليقات تدين ما تابعوه في محاولة لتبييض صورتهم الأخلاقية، فيما أطلق عليه علم النفس (التكفير الأخلاقي) ويعني إن الإدانة العلنية تصبح طريقًا رمزيًا لتطهير الذات، والمؤسف أن مواقع التواصل تعزز هذا السلوك من خلال تسهيل وصول تعليقه الى بقية المشاركين، ومن ثم حصوله على نسب هائلة من الإعجاب والموافقة.

كما أن التعليق المندد يمنح صاحبه فرصة إظهار تفوقه الأخلاقي على الآخرين، كأنه يقول (شاهدت لكني أفضل منكم لأنني استنكر)، وهى وسيلة للتحايل على الذات، وهو تحليل يكتسب زخما إضافيا بتطبيقه في المجتمعات العربية التي يعيش سكانها غالبا حالة من الازدواجية السلوكية بين ما يريدونه وما يفعلونه في الحقيقة، وبين ما يجب أن يظهر للناس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.