
بقلم المستشار: محمود عطية *
(الصعود إلى الهاوية)، لم يعد عنوانًا لفيلم شهير من سبعينيات القرن الماضي، بل بات توصيفًا دقيقًا لما نشهده اليوم من انحدار أخلاقي واجتماعي وثقافي يضرب بأعماقه المجتمع، مدفوعًا بنماذج منحرفة تتصدر المشهد بلا رادع، في ظل صمت مريب، وغياب حقيقي لدور الدولة في حماية المجتمع، خاصة فئاته الأضعف والأكثر هشاشة: الشباب والأطفال.
ليست المرة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، التي تخرج فيها إحدى (العاهرات الرقمية) عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتعرض فيديو إباحي فاضح، دون أي خجل أو احترام للناس أو للقانون أو حتى للدين في إطار (الصعود إلى الهاوية).. هذه ليست زلة، بل تكرار فج لوقاحة مستمرة.. ما يثير الغضب الحقيقي هنا ليس فقط ما حدث، بل ما تلاه: التبرير، والتطبيع، والتشجيع غير المباشر.
كيف تجرؤ فتاة على نشر مقاطع جنسية بهذه الطريقة، وتخرج في اليوم التالي مدعومة من والديها – نعم، والديها! – لتدعي أن الفيديو مفبرك بواسطة الذكاء الاصطناعي؟!
أي ذكاء اصطناعي هذا الذي يصنع مشاهد كاملة بالصوت والصورة والحركات والتفاصيل؟!.. انه نوع من (الصعود إلى الهاوية)، بل الأدهى أن هذه الأسرة تبرر وتدافع وتهاجم من ينتقد، وكأنهم ضحايا، لا جناة!
هنا السؤال الأهم: أين الدولة؟ أين القانون؟ أين الحد الأدنى من الحفاظ على القيم العامة؟
هل الدولة، بصمتها هذا، تريد أن تقدم هذه (النماذج) كبطلات ملهمات للفتيات؟! هل تريد أن تُفهم الرسالة على أن الشهرة والمال يمكن تحقيقهما من خلال الوقاحة والانحراف؟! إن كان الأمر كذلك، فهذه ليست حرية شخصية، بل فوضى منظمة تهدد استقرار المجتمع كله.

الإعلام الفاسد… شراكة في الجريمة
وإذا أردت أن تعرف من يدفع بهذه النماذج إلى واجهة المجتمع، فابحث عن بعض الإعلاميات اللواتي أصبحن أدوات للتريند وليس للوعي.. إحداهن – التي تم إيقافها سابقًا بعد تجاوزات كثيرة – تصرخ اليوم مستنكرة منعها من استضافة تلك (النجمة الإباحية).
وكأنها تدافع عن حق من حقوقها المقدسة! وأخرى، لا تقل فجورًا في الأسلوب ولا نفاقًا في المواقف، تدّعي أنها استضافت إحداهن (لمواجهتها) بمخالفتها للنظام العام، في مسرحية هزلية لا تنطلي على طفل صغير. منذ متى كان الإعلام منصة للتحقيق؟! وهل صارت الاستضافة الإعلامية مجرد أداة لرفع نسب المشاهدة على حساب القيم والأخلاق أم أنه نوع من (الصعود إلى الهاوية).
إنها موجة (التريند البلوي)، كما يمكن أن نطلق عليها، حيث يتم استغلال أسوأ النماذج من أجل جذب الأنظار، وجني الأموال، وتجاهل كامل لعواقب ذلك على المجتمع، وعلى الشباب، وعلى صورة الوطن نفسه.
فهل هو غياب الردع… أم تواطؤ بالصمت؟
(الصعود إلى الهاوية) يتم الآن بسرعة مذهلة، ولا أحد يحاول كبح جماحه.. الغريب أن العقوبات – حين تُطبّق – تبدو شكلية، رمزية، وربما مؤقتة. يتم القبض على بعضهم، ثم يخرجون، ثم يعاودون نشاطهم بتحدٍّ أكبر.. هل هذه محاولات فاشلة للردع؟ أم أنها تمثيلية لحفظ ماء وجه الدولة أمام الرأي العام؟
إذا كانت الدولة جادة في محاربة هذه الظواهر، فهناك حلول حاسمة: قوانين تجرّم الجهر بالفاحشة، محاكمات علنية رادعة، إغلاق المنصات التي تروج لهذه النماذج، محاسبة الأهل الذين يدعمون أولادهم في الانحراف.
وتجريم تبرير الفساد الأخلاقي تحت أي مسمي بعد أن انحدر الذوق العام والاخلاق في كل مناحي الحياه حتي اصبحت الساحه ممتلأه بأمثال (بيكا وتيكا وكسبرة)، ولا ينقصها إلا (ملوخيه وسبانخ)، غير دراما الإباحه والعري والبلطجه والمخدرات وباعت الدوله كل من دعمها بثمن بخث.
وأصبحت تلهث خلف شرازم إهانتها وسبتها بأحط الالفاظ داخليا وخارجيا وفتحت ذراعيها لهم فأين حمرة الخجل والغريبه ان الاعلام الفاشل يزين للدوله ان الناس خلفها بعد أن باعت الدوله مؤيدينها وداعمينها بالرخيص.
ثم نأتي لموضوع لا يقل اهميه وهو فقدان الثقة… الجريمة الأكبر، كل ما سبق يقودنا إلى قضية أخطر وأعمق: (فقدان الثقة بين الشعب والحكومة).
هذه الفجوة آخذة في الاتساع لدرجة أصبحت لا تطاق. المواطن البسيط، الذي يتابع كل هذه الفضائح ويشعر بالخذلان، لم يعد يصدق أي تصريح رسمي، ولم يعد يؤمن بأن الدولة تقف في صفه أو تحمي أبناءه.. كل التصريحات الحكومية أصبحت – في نظر الناس – شعارات مكررة، لا تمس الواقع، ولا تعالج القضايا الحقيقية.

هل كل هذا مادة للإلهاء؟!
وما زاد الطين بلة، أن هناك تناقضًا واضحًا بين تصريحات المسؤولين، بل أحيانًا نجدهم يصرحون ضد بعضهم البعض!، وزير يقول شيئًا ثم يأتي مسؤول آخر ينفيه أو يقدّم رواية مغايرة، أو حتى يهاجم التصريح علنًا.. والأسوأ أن بعضهم يناقض حتى ما يقوله رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية، وكأن الحكومة نفسها بلا مركزية، وكل طرف يتحدث على هواه.
في مناخ (الصعود إلى الهاوية) هذا، من الطبيعي أن يلجأ المواطن إلى تصديق (عكس) ما يُقال رسميًا.. فبدلًا من أن يكون الإعلام مصدرًا للثقة، أصبح مادة للسخرية. وبدلًا من أن يشعر المواطن بالأمان في ظل القانون، يشعر بأنه مستهدف، بينما المجرمون يسرحون ويمرحون.
هناك من يقول إن ما نراه من انفلات أخلاقي ليس عفويًا، بل هو جزء من خطة (إلهاء).. في ظل أزمة اقتصادية خانقة، وصراع إقليمي مستعر، وأوضاع داخلية مأزومة، تُستخدم هذه النماذج كوسيلة لتشتيت انتباه الرأي العام.. بدلًا من أن يطالب الناس بحقوقهم، يُشغلون بفضائح (التيك توك، وإنستغرام، ويوتيوب).. حتى تفقد القضايا الحقيقية فهل فضائح التيك توك ظهرت فقط الآن؟
في حين من يكتب كلمه علي وسائل التواصل يلاحق قبل ان ينتهي من كتابتها..
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع