رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: مفهوم (الفن) وماهيته في (المسرح العربي).. (2)

كمال زغلول يكتب: مفهوم (الفن) وماهيته في (المسرح العربي).. (2)
واعد العمل  الفني التمثيلي تختلف كل الاختلاف عن قواعد الأعمال ذات الصبغة الغربية

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

تحدثنا من قبل عن مفهوم (الفن) وماهيته في العربية، ومن هذا المفهوم عرفنا أن الفن الجمالي في العربية يعني التأثير والمتعة الجمالية في النفوس البشرية، ونتعرض اليوم إلي مفهوم فن التمثيل في العربية، وماهيته  ونستهل بالمعجم الوجيز في مادة (م ث ل) بمعنى التشبيه والشبه والصفة.

إذ مِـثْل: كلمة تسوية، يقال هذا (مِثْله) و(مَثَله) شِبْه وشَبَه.. و(المَثَل) ما يضرب به (جملة من القول مقتطعة من كلام أو قائمة بذاتها، تنقل ممن وردت عنه إلى ما يشابهه دون تغيير، مِثْل: الرائدُ لا يكذِبُ أهلَه).

ونرى أن أهم ما ورد في الكلمة هو ضرب الأمثال ، وضرب الأمثال من أهم معاني التمثيل في العربية، ومن أغني جماليات (الفن) التمثيلي العربي ، فالعمل التمثيل في ضرب الأمثال، يحوي مجموعة من الجماليات الغنية التي تصل بالمشاهد والمستمع إلي أعلى درجة من الاستيعاب الحسي الذهني النفسي.

وقواعد العمل  الفني التمثيلي تختلف كل الاختلاف عن قواعد الأعمال ذات الصبغة الغربية، وهذا ما سوف نوضحه بأمثلة إن شاء الله في مقالات لاحقة، ومن معانيها التمثيل، التصوير، والكتابة.

وهذا ما نجده عند الرازي في المصباح المنير: (مَثَل) الشيء أيضا بفتحتين بين صفته.. و (مثَّل) له كذا (تمثيلا): إذا صور له مثاله بالكتابة أو غيرها، ولهذا للمثيل قيمة جمالية داخل الحياة العربية يوضحها العلامة عبد القاهر الجرجاني، فهو يبحث عن تلك القيمة الجمالية في (الفن).

ويقول: إذا بحثنا عن ذلك وجدنا له أسبابا وعللا كل منها يقتضي أن يفخَّم المعنى بالتمثيل وينبَّل، ويشرَّف ويكمَّل، فأول ذلك وأظهره أن أُنس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلي، وتأتيها بصريح بعد مكني، وأن تردها في الشيء تعلمها إياه إلى شيء آخر هي بشأنه أعلم.

وثقتها به في المعرفة أحكم، نحو أن تنقلها مما يدرك بالعقل إلى الإحساس، ومما يعلم بالفكر، إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع، وهذا يدل على الطبيعة الحسية لفن التمثيل، إذ هو يمثل نقل ما في العقل من تصورات إلى واقع ممثل يستقبل بالحس عن طريق الصورة التمثيلية.

كمال زغلول يكتب: مفهوم (الفن) وماهيته في (المسرح العربي).. (2)
للصورة التمثيلية ( المُشاهَدة ) تلك الأبعاد التأثيرية في النفس

(الفن) له أثر عند المُشاهَدة

وهنا يكون إدراكها أعم وأشمل، ويكون لها طبيعة مؤثرة في النفس البشرية، إذ أن المدرك الحسي له صفة التأثير الجمالي، فإعادة تصوير الواقع الخفي إلى واقع محسوس عن طريق (الفن) له أثر عند المُشاهَدة .

كما يوضح الجرجاني (لأن العلم المستفاد من طرق الحواس أو المركوز فيها من جهة الطبع وعلى حد الضرورة يفضُل المستفاد من جهة النظر والفكر في القوة والاستحكام؛ وبلوغ الثقة فيه غاية التمام)، كما قالوا (ليس الخبر كالمعاينة ولا الظن كاليقين)، فلهذا يحصل بهذا العلم هذا الأُنس أعني الأنس من جهة الاستحكام والقوة” وهذا دال على ارتباط النفس البشرية بهذا (الفن).

فتحويل الخيال والتصورات إلى واقع تمثيلي أي نقله إلى صورة ممثلة إلى جمهور مُشاهِد يمثل لغة جمالية مؤسسة على أربعة عناصر هي: 1- الخيال والتصورات، 2- الحس، 3- الذهن، 4- الشعور، ويعطي لهذا الفن تأثيرات جمالية تجعل منه لغة فنية ذات قيمة كبيرة بالنسبة للحياة الإنسانية.

وهذا راجع كما يقول الجرجاني إلى (أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته، كساها أبهة، وأكسبها منقبة، ورفع من قدرها، وشب من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفا، وقصر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا).

وإن كان للصورة التمثيلية ( المُشاهَدة ) تلك الأبعاد التأثيرية في النفس، فهذا يعود إلى طبيعة التكوين الإنساني في كون المعرفة  تأتيه كما يوضح الجرجاني بأنه (معلوم أن العلم الأول أتى إلى النفس أولا عن طريق الحواس، ثم من وجهة النظر والرؤية..

وإذا نقلتها في الشيء بمثله عن المدرك بالعقل المحض، وبالفكرة إلى القلب، إلى ما يدرك بالحواس أو يعلم بالطبع، وعلى حد الضرورة، فأنت كمن يتوسل إلى الغريب بالحميم، والجديد الصحبة بالحبيب القديم، فأنت إذاً مع الشاعر وغير الشاعر، إذا وقع المعنى في نفسك غير ممثل، ثم مثله كمن يخبر عن شيء من وراء حجاب ويقول: (هذا هو ذا، فأبصره تجده على ما وصفت).

كمال زغلول يكتب: مفهوم (الفن) وماهيته في (المسرح العربي).. (2)
التمثيل في العربية له قيمة جمالية في (الفن)

قيمة جمالية في (الفن)

وهكذا نري أن التمثيل في العربية له قيمة جمالية في (الفن)، ونلمح ذلك في المصباح المنير من معنى المثل  الذي يضرب ونوضح جماليته في كون: (المثل) يستعمل على ثلاثة أوجه بمعنى الشبيه وبمعنى نفس الشيء وذاته، والجمع أمثال؛ ويوصف به المذكر والمؤنث والجمع، فيقال: هو وهي وهما وهم وهن مِثْلُه.. والمثل بفتحتين والمثيل وزان الكريم كذلك.

وقيل المكسور (مِثْل) بمعنى شِبْه؛ والمفتوح (مثَل) بمعنى الوصف؛ وضرب الله مثلا أي وصفا. والمِثال بالكسر اسم مَنْ ماثَلهُ مماثلةً، إذا شابَهَهُ.. وقد استعمل الناس المِثال بمعنى الوصف والصورة،  فقالوا مِثالُه كذا، أي وصفُه وصورتُه؛ والجمع أمثِلة.

ومما سبق نكتشف أن(الفن) التمثيلي في العربية له باع كبير في الحياة العربية، تختلف كل الاختلاف عن فلسفات الغرب منذ اليونان وحتى اليوم، إذ ان فكرة المسرح اليوناني وما تبعه من مسارح يطلق عليها الأوربي أو العالمي، ما هي إلا أعمال لا تعتمد على فن التمثيل بل تعتمد على الكتابة الحوارية.

وتغيب عقل المشاهد أو المستمع في خيالي بالي ، بعكس التمثيل  في العربية الذي يعتمد علة المثال والقيمة، وضرب الأمثال التي تسري المشاهد أو المستمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.