رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (القبح) يحاصرنا !

محمود حسونة يكتب: (القبح) يحاصرنا !
لا ندري أي حريات هي التي تسمح لمثل هذا الفنان بكل هذا التعالي والغرور

بقلم الكاتب الصحفي: محمود حسونة

(القبح) يحاصرنا، التفت يميناً.. التفت يساراً.. تصفح هاتفك، يصادفك (القبح) هنا أو هناك.. إن لم تصادفه في الشارع ستصادفه على شاشات التليفزيون، وإن نجوت فلا بد أن تجده بوفرة على مواقع السوشيال ميديا.

ومهما حاولت تجنبه سيلاحقك، من إتصال تليفوني من شركات العقارات التي لم تجد حتى الآن من يردعها ويمنعها من إزعاج الناس، أو من مشاهد خليعة تفرضها عليك كثير جداً من المواقع الانترنتية، أو من مذيع فقد صوابه وتوهم نفسه حكيم العصر والزمان يفتي فيما لا يعلم ويحرض فئات مجتمعية على أخرى.

أو من إعلامي ارتضى أن يبيع نفسه وينقلب على وطنه ويتحول إلى بوق يمتدح من اشتراه ويذم وطنه وينتقد أهله فيما لا يستحق الانتقاد، مشككاً في النوايا ومهيلاً التراب على أي إنجاز يضخ دماء الأمل في عروق 120 مليون إنسان.

(القبح) تعددت ملامحه وتنوعت ميادينه وليس له عنوان محدد، تنضح به دول تجاوزت القوانين الدولية والأعراف الإنسانية واستحلت دماء الأبرياء ومارست الإبادة الجماعية ووجهت أسلحتها المتوحشة على من يختلف معها دينياً وعرقياً، وبلغ (القبح) ذروته فيما تمارسه إسرائيل على أرض فلسطين، نجحت في تحويل جمال البناء في غزة قبحاً، وخضرة الزرع إلى ألوان الموت، وبراءة الطفولة إلى جثث.

لم تترك وسيلة إلا واستخدمتها لنشر (القبح) في كل ربوع غزة، قصفاً وإبادة وتجويعاً وتعطيشاً وحصاراً، لم ينج منها مريض ولا سليم، لا رجل ولا امرأة، لا شاب ولا كهل، لا حيوان ولا نبات، لا بناء ولا شارع، لا مستشفى ولا مدرسة.

فكل كائن حي وغير حي هدف لها، حتى انتشرت صور القبح التي أنتجتها إرادتها السياسية وآلتها العسكرية، إلى مشاهد يتداولها البشر في أربع أركان الكوكب من دون أن يهتز لها جفن.

(القبح) الاقتصادي ما أكثره، الطبقية لم تعد مرض يفتت الشعوب ولكنها مرض يعزل الدول عن بعضها، دول غنية تمارس الطبقية على دول فقيرة، تنهب ثرواتها وتخرج لها ألسنتها، وكأنها لا تدرك أن تلك الممارسات تزيد الأحقاد بين الشعوب وترفع حدة الكراهية بين المجتمعات.

محمود حسونة يكتب: (القبح) يحاصرنا !
أصبح بعضهم يتوهم أنه مخلوق فوق مستوى البشر

(محمد رمضان) يجسد القبح

كان الفن أداة لنشر الجمال والوعي بين الناس، وكان الفنانون صناع للجمال والمحبة والتسامح، وفي زماننا تحول بعض الفن إلى أداة لنشر (القبح)، وتحول بعض الفنانين إلى صناع للقبح السلوكي، أعمال فنية هنا وهناك تروج للجريمة والرذيلة والشذوذ وتتجاوز على القيم، وفنانون يتعالون على جمهور رفعهم على الأعناق وجعل منهم نجوماً آملاً أن يضيئوا له الطريق.

فإذا بهم يدخلونه في متاهات العتمة، بعد أن أصاب البعض منهم داء الغرور وتمكنت منه الأنا، وأصبح بعضهم يتوهم أنه مخلوق فوق مستوى البشر.

الزمن الذي يكون فيه (محمد رمضان) نجماً تلاحقه الكاميرات أينما ذهب هو زمن القبح، فهذا الفنان لم يقدم لنا سوى ما يبلينا، أعمال فنية تروج للجريمة وسلوكيات حياتية تنضح بالغرور وتصريحات تؤكد عدوانيته تجاه كل زملائه وتجاه جمهور أحبه، ولا يتسع المجال هنا لذكر كل تجاوزاته.

ولكن تكفي الأغنية الأخيرة التي خرج بها على الناس ليقول (أنا وليس بعدي ولا قبلي أحد) ومن يتأمل كلماتها يدرك أي مستنقع سقط فيه وسيسقط معه كل من يهرول إليه.

بعض من  كلمات الأغنية يقول:

رقم واحد يا أنصاص.. غالي التمن يا رخاص.. تمساح في وسط براص..

عرفتوا أنا أطلع مين؟

أنا الجديد يا قديم.. أنا الشنب يا حريم.. أنا الجحيم يا نعيم.. عرفتوا أنا أطلع مين؟

أنا الشرس يا أليف.. أنا التقيل يا خفيف.. أنا المتين يا ضعيف.. عرفتوا أنا أطلع مين؟

أنا الأسد يا غزال.. أنا المجال يا مجال

أنا الكبير يا عيال.. عرفتوا أنا أطلع مين؟

مفيش حد ميعرفتيش.. مفيش واحدة محبتنيش

مفيش زيي وزيي مفيش..مفيش مفيش

مفيش حاجة مبعملهاش.. مفيش أرض مزلزهاش

مفيش مني وزيي مجاش.. مفيش مفيش”

وتتواصل الأغنية على هذا النهج المرَضي الذي لم ينهجه فنان في التاريخ ولا في أي منطقة من جغرافيا الأرض، والغريب أن الرقابة على المصنفات الفنية التي كانت حائط الصد لكل فلتان أو تجاوز في الماضي أصبحت بلا صوت بدعوى عدم مصادرة الحريات، ولا ندري أي حريات هي التي تسمح لمثل هذا الفنان بكل هذا التعالي والغرور والذاتية والتجاوز على خلق الله.

محمود حسونة يكتب: (القبح) يحاصرنا !
ممثلة مغمورة تدعى (بدرية طلبة)

قبح (بدرية طلبة)

شاهدنا (القبح) الفني في ممارسات نجوم كبار آخرين تجاه معجبين بهم، شاهدنا ذلك من (عمرو دياب ومحمد فؤاد وأحمد عبدالعزيز) وآخرين.

آخر مشاهد قبح الفنانين مارستها على الشعب المصري بكامله ممثلة مغمورة تدعى (بدرية طلبة)، خرجت علينا بفيديو عبر التيك توك لتقول (نحن الفنانون أسياد البلد)، ووصفت بعض المنتقدين بـ (المشخصاتية)، ما اعتبره آخرون إهانة مباشرة للجمهور، ولو لم تر نجوماً كباراً يتعاملون مع جمهورهم على أنهم (أسياد البلد) ما قالت هذا الكلام حتى لو كان دفاعاً عن نفسها بشأن شائعات رددها البعض عنها.

نقابة المهن التمثيلية برئاسة النقيب (أشرف زكي) أدركت أن الأمر وصل إلى حد الخطر، فقررت تحويلها إلى لجنة تحقيق ثم إلى لجنة تأديب، وأصدرت بياناً يناشد الفنانين عدم التجاوز والعودة إلى القيم والمبادئ واستيعاب دور الفنان الحقيقي، ويعتذر للجمهور عن أي تجاوزات في حقه.

وهو بيان يمكن أن يكون خارطة طريق لعودة الضالين من الفنانين إلى صوابهم، ولكن هذا لا يمنع محاسبة كل المتجاوزين وليست المغمورة (طلبة) فقط، ولكن أيضاً هذا (النمبر وان) وغيره من المتجاوزين المغرورين المتعالين الموهومين حتى لا يفقد الفنانون البوصلة ويهدروا قيمة رسالتهم ويساهموا في نشر مزيد من القبح في حياتنا.

الميدان الذي يتسيد فيه (القبح) هو السوشيال ميديا الذي أتاح لكل من هب ودب النيل من غيره ونشر ما يريد بصرف النظر عن العواقب، ولعل الحملة التي قامت بها وزارة الداخلية مؤخراً ضد التيك توكرز المتجاوزين قيمياً وأخلاقياً وسلوكياً تكون خطوة على طريق محاصرة (القبح) الذي يظلل الفضاء الاليكتروني، ولكن وحدها لا تكفي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.