رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: جماليات (فن) المسرح العربي

كمال زغلول يكتب: جماليات (فن) المسرح العربي
ونتأمل شعر عنترة، ونذهب معه بحواسنا ونتنبه، لمدركات الصورة التمثيلية

بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول

أولا : ماهية الفن العربي              

ولقد ذكرتك والرماح نواهل منى .. وبيض الهند يقطر من دمي

فودتت تقبيل السيوف لأنها.. لمعت كبارق ثغرك المتبسم

عنترة بن شداد

(المسرح العربي): نقصد به مفهوم التمثيل في العربية، وعند العرب، ولكي نقف على هذا المفهوم وأسسه وقواعده، لابد من التعرض لمفهوم (فن) في العربية، حتى يتسنى لنا استنباط (فن) التمثيل العربي، والكيفية التي تخرج بها الأعمال التمثيلية في المحيط العربي، وفق هذه الأسس والقواعد، والتي نبعت من العقلية العربية، وغير وافدة إلينا من الغرب.

وبداية نتعرف على مفهوم (فن) المسرح العربي، من خلال شعر عنترة في عبلة، والذي ورد في معلقته : 

ونتأمل شعر عنترة، ونذهب معه بحواسنا ونتنبه، لمدركات الصورة التمثيلية، من سمع وبصر، ولمس، وتذوق، وشم (صوت الرماح.. صورة المبارزة والجسم المصاب، غبار المعركة، رائحة الغبار والدماء ، وفي خضم المعركة ، يأتي تذوق الحب والعشق لعبلة..

لينتقل بنا عنترة إلي صورة العاشق، في تعبير تمثيلي أنيق جدا فقد أراد تقبيل السيوف اللامعة  كفم عبلة المتبسم)، تلك هى الصورة التمثيلية المدركة بالحواس، والتي تنتقل فيما بعد إلي مدركاتنا الذهنية (الخيال، والتصور، والفهم، والبيان، والتبيين ) ، وبعدها تنتقل الصورة التمثيلية إلي مدركاتنا الشعورية ، لننفعل ونتأثر، ونشعر بالمتعة الجمالية، ونقول يا له من شاعر( يُفَنِّنُ – الكلام).

أَي يَشْتَقُّ في (فَنٍّ بعد فنٍّ)، كما أتت في (لسان العرب)، فقد أخرج صورة المعركة ومزجها بمشاعره لحبيبته عبلة، وبالتالي اشتق وأدخل فنونا كثيرة في البيتين، وبهذا يكون عنترة (رجل مِعَنٌّ مِفَنٌّ: ذو عَنَنٍ واعتراض وذو فُنُون من الكلام) – لسان العرب – أي عنده ملكة التأثير والتأثر (الجمالية الحسية).

كمال زغلول يكتب: جماليات (فن) المسرح العربي
تأتي كلمة (فن) بمعني الجمال المؤثر في النفس البشرية

المهارة المعرفية التأثيرية

ويمتلك طرق وأساليب مختلفة في هذا التأثير، وهذا ما نجده في المعنى العام لكلمة (فن) في العربية، تعني المهارة المعرفية التأثيرية والمؤثرة بطرق عديدة، حيث أن: (الفَنُّ: واحد الفُنُون، وهى الأَنواع، والفَنُّ الحالُ.. والفَنُّ:الضَّرْبُ من الشيء، والجمع أَفنان وفُنونٌ، وهو الأُفْنُون.. والتَّفَنُّنُ فِعْلك.

ورجل مِفَنٌّ: يأْتي بالعجائب، وامرأَة مِفْنَّة .. وافْتَنَّ الرجل في حديثه وفي خُطْبته إِذا جاء بالأَفانين.. افْتَنَّ الرجل في كلامه وخصومته (لسان العرب).

كما تأتي كلمة (فن) بمعني الجمال المؤثر في النفس البشرية، وبمعنى الألوان، قال عكرمة في قوله تعالى: ذَواتَا أَفْنانٍ؛ قال: ظِلُّ الأغصانِ على الحِيطانِ؛ وقال أَبو الهيثم: فسره بعضهم ذَواتا أغصانٍ، وفسره بعضهم ذواتا أَلوان، واحدها حينئذ (فن) وفَنَنٌ، كما قالوا سَنٌّ وسَنَنٌ وعَنٌّ وعَنَنٌ، قال أَبو منصور: واحدُ الأَفنان إذا أَردت بها الأَلوان (فن)، وإذا أردْتَ بها الأغصان فواحدها فَنَنٌ (لسان العرب).

وكلمة (فن) في العربية لها العديد من الدلالات، تستخدم في الحياة العربية، وما يعنينا هو أن دالتها العامة تعني التأثير والتأثر، ومجملها أن الفن (جملة القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة – و :جملةُ الوسائل التي يستعملها الإِنسان لإِثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال، كالتصوير والموسيقى والشعر، الفَنُّ: مهارةٌ يَحكُمُها الذوقُ والمواهب والجم : فنون كما أتت في الوجيز),

وأهم ما في مفهوم العربية للفن ، وجود أسس وقواعد لنوع (فن) الجمال، أو فنون الصناعة والطب.. إلخ، ومع وجود هذه القواعد والأسس، يتم التجديد واستحداث الطرق الإبداعية، داخل النوع الفني الجمالي، ينتج عنها المتعة والاستحسان الجمالي للنفس البشرية.

كمال زغلول يكتب: جماليات (فن) المسرح العربي
وقع عنترة تحت مؤثر (الحب)، وهذا المؤثر حسي (غير ملموس)

ما هو مراد عنترة من هذا الشعر؟

ومن هذا المفهوم العام للفن في العربية، يكون الأساس العام للفنون الجميلة العربية هو التأثيرية، والمقصود منها: كيفية التأثير والتأثر لإخراج العمل الفني، وهذا ما نراه في شعر عنترة السابق، فقد وقع عنترة تحت مؤثر (الحب)، وهذا المؤثر حسي (غير ملموس).

وعنترة كما نعرف من شعراء العرب الكبار ، فهو يمتلك ملكة التعبير القولي (الشعر)، وهذا المأثر الحسي قد تغلغل في وجدانه ومشاعرة الداخلية، فأخرج ما تأثر به في صورة تمثيلية تصويرة شعرية بها من الغرابة والعجب، فقد شبه لمعان السيوف نتيجة المبارزة العنيفة ، بثغر عبلة المتبسم، بعد وصفة التمثيلي للمعركة.

ونجد أن عنترة استخدم الكلمات التصويرة في شعره، وكأن المستمع يراها، لكي تنفذ في حواسه ويشعر بها، ولكن ما هو مراد عنترة من هذا الشعر؟، لقد كان مراده التأثير في عبلة، وأن يجعلها تشعر بحبه، وأن يجعلها تعيش هذه الصورة البليغة.

وهذه الصورة التمثيلية، توضح مفهوم الفن عند العرب، كما ذكرنا سابقا، ومن هذه الصورة نري كما ذكرنا من قبل أنها تمثل مسرح للأحداث التي دار فيه المعركة بشكل تمثيلي، مشتملة على وصف الحدث في زمانه ومكانه، والكيفية التي كانت عليها المعركة بكلمات بليغة لخصت الموضوع في ايقاع شعري موزون.

وبهذا نكون وضحنا المفهوم العام للفن عند العرب في مقلتنا الأولي عن المسرح العربي، وإن شاء الله نتعرض لمفاهيم المسرح والتمثيل عند العرب مع التطبيقات الخاصة بهذا المسرح، حتى نتعرف على الجماليات الخاصة بالمسرح العربي من خلال أسسه و قواعده.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.