(بدرية طلبة).. كومبارس جاهلة لا تعي رسالة الفن والأخلاق!

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة
ذكرتني حكاية تعالي وشيفونية الفنانة (بدرية طلبة) – معذرة هى ربما لا تعي ولا تفهم معنى الشيفونية – أنه مع طلعة شمس يوم 1 أكتوبر 1970، خرج الشعب المصري إلى الشوارع؛ بعد أن خيم الحزن على قلوبهم، وارتفع صوت النحيب فور الإعلان عن وفاة (جمال عبد الناصر) لتشييع جنازته، ليظهر مشهد يبكي القلوب حتى يومنا هذا وشوارع مصر يتلفحها السواد، ليتفق الشعب على حب قلب رجل واحد
خرجنا نحن تلاميذ الصف الثالث الابتدائي نرتدي الزي المدرسي بوشاح أسود على صدورنا، ونحن نحمل علم مصر ومن حولنا فرقة الموسيقى الجنائزية بآلاتها النحاسية الضخمة التي تصدر أصواتا تبعث على الرعب وجبروت الموت.
في جنازة (ناصر) ونحن متجهين نحو المقابر في قريتنا (الدراكسة) الكائنة في حضن البحر الصغير، حيث كنا نشارك أكثر من 5 ملايين مشيع مخلص في حبه عبد الناصر الزعيم خالد الذكر، في تلك الأثناء شعرت في قلبي الطفولي الصغير بغصة كبيرة تجاه هذا الراحل على عظمته.
ففجأة ودون سابق إنذار انطلق صوت (جمال عبد الناصر) فى أذني الصغيرة قافزا على 16 عاما من قلب ميدان المنشية سنة 1954، وهو يقول: (أنا الذى علمتكم العزة وأنا الذى علمتكم الكرامة)، ظلت تلك العبارة تطن في أذني، حتى خرجت من الجنازة محملا بالغضب تجاه إنسان ظن نفسه إلها حتى يعلمنا معنى العزة والكرامة.
كبرت معي تلك الغصة حتى يومنا هذا، إلى أن جاءت فنانة درجة ثالثة – لا تحسب سوى على الكومبارس – تدعى (بدرية طلبة)، لتقول بوقاحة مفرطة في الشيفونية وجهل مركب: جملة لجمهورها: (احنا أسياد البلد.. وأنتم رعاع)، ولم تقف عند هذا الحد، بل راحت تهبد على (تيك توك) على طريقة (التخبيط في الحلل) قائلة:
(المشخصاتية دي أشكالك بيوقفوها في الشارع وبيقولولها نتصور معاكي يا فنانة، المشخصاتية دي بتشرف بلدها في أي دولة بتروحها، دي غيرة وحقد وحسد على الفنانين عشان هما أسياد البلد).

هذا القبح في الألفاظ
وأضافت (بدرية طلبة): (بتشوفونا في الشارع تقولولنا عايزين تتصوروا معانا ليه، أنا قاعدة في فيلتي والبسين ورايا، واللي بيطبل بيكون محتاج، أنا مش محتاجة، و(وفاء عامر) قاعدة في فيلتها.. قاهركوا إننا بنمثل ومعانا ملايين، وبرضه بندخل التيك توك نجيب فلوس).
ربما يخرج البعض مبررا هذا القبح في الألفاظ وعدم الإدراك بأنه صادر من جانب فنانة على قدر ضئيل من العلم والمعرفة ومحدودية الموهبة، ولكن هل الأخلاق تجزأ ولا تحتاح إلى علم؟، فلا أظن أنها سوى فطرة طبيعية لا تحتاج سوى تربية سليمة في بيئة طبيبعة، لا أقول تربية دينية لأنها على ما أظن لاتعرف عن دينها سوى عبرة (الحمد لله على الملايين التي تكنزها).
وربما يلموني لائم قائلا: كيف تنزل إلى مستوى (كومبارس تافهة)، مثل (بدرية طلبة) لا تعي ما تقول؟، وردي على هذا: أن الفنان مهما كانت درجات تصنيفه سواء كان كومبارسا أو نجما مضيئا في السماء لا ينبغي أن ينزل إلى هذا الدرك الأسفل من الوقاحة والتعالي على الناس، لمجرد أنه يسكن في فيلا ولديه حفنة من الملايين.
لقد قلتها منذ البداية: أنا لم أقبل جملة واحدة من زعيم وطني اتسم بالعظمة – كما صوره الناس في زمانه – لأنني شعرت بالغبن جراء تكبره على الشعب المصري مدعيا أنه علمه العزة والكرامة.. مع أنه ليس سوى مجرد إنسان طبيعي لا تنطبق عليه صفات الألوهية، حتى ولو كان رئيسا أو زعيما لا يشق له غبار.
صحيح أن (بدرية طلبة) أدركت مؤخرا خطأها، وفي أول تعليق منها كتبت على الفيس بوك قائلة: (اعتذار واجب لجمهوري المحترم اللي بيحبني، وأنا تحت أمر نقابتي لأن أنا فعلا غلطانة إني أنساق ورا كتائب إلكترونية مأجورة، لا يمثلون الشعب المصري واديتهم فرصة يستغلوا فيديوهات..
ويختزلوا منها ويستخدموها ضدي لعمل فجوة بيني وبين جمهور محترم، حتى لما حبيت أعتذر للجمهور اللي بيحبني قدمت اعتذار بعصبية، لأنهم برضو دخلوا استفزوني وانسقت تاني وراهم).
وأضافت (بدرية طلبة): (دى غلطتى كان لازم أكون أهدا من كده، وأكيد اللي بيحبوني هيلتمسوا لي العذر، بكرر أسفي واعتذاري للجمهور اللي كان سبب في وجودي، ولا يمكن أغلط في ناس بتحبني وهما سبب في اللي أنا فيه..
ومن فضلكم متصدقوش اللي شفتوه لأن الفيديوهات كاملة موجودة على صفحتي، والحمد لله أن هيتم تحقيق في نقابتي، أقدر أثبت فيه كلامى بعيدا عن أي توتر واستفزاز من حد، وكل التقدير والحب والاحترام لجمهوري الحبيب.

(بدرية) ستدفع ثمن جهلها
من المؤكد أن (بدرية طلبة) ستدفع ثمن جهلها وغبائها اتسامها بنوع من العته النادر، جراء فعلتها النكراء، من جانب نقابتها، ولكن أين حقنا نحن الشعب المصري الذي أساءت له إساءة بالغة.. هل يمر الأمر مرورا الكرام لمجرد رسالة اعتذار في بوست على الفيس بوك؟
نرجو من الدكتور (أشرف زكي) إجبارها على الخروج عبر إحدى القنوات لتقديم اعتذار مصحوبا بالندم حتى تكون عبرة لغيرها من النجوم الذين يتجبرون على الجمهور يوميا ويدلسون عليه، تحت ستار واهى بأنه يقدر الجمهور ويرى أنه سنده في تحقيق الشهرة والنجومية متشدقا بعبارة (الثقة في الله نجاح).
أعجبني جدا قرر مجلس نقابة المهن التمثيلية، برئاسة الدكتور أشرف زكي، تحويل الفنانة (بدرية طلبة) للتحقيق فورا، وذلك بالإجماع، نظرا لما صدر منها من تجاوز صارخ، مؤكدا اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد أي فنان سيخرج عن ميثاق الشرف الأخلاقي.
من ناحية أخرى نشرت (المهن التمثيلية) بيانا محترما يتسم بالمسئولية الأخلاقية، جاء في نصه: (أيها الفنانون وأيتها الفنانات، يا من تحملون مشاعل الإبداع وروح الجمال، يا من خُصصت لكم القلوب قبل المنصات، والأذهان قبل الأضواء نخاطبكم اليوم من منطلق محبة وتقدير..
ومن حس وطني واجتماعي عميق، إدراكا لدوركم المركزي بوصفكم القوى الناعمة التي تؤثر في العقول، وتحرك المشاعر، وتصوغ وجدان الأجيال، لقد كان الفن عبر العصور مرآةً للمجتمع، وضميرا للناس، وصوتًا للثقافة والهوية، وكان الفنان، ولا يزال، رمزا للمسؤولية قبل أن يكون رمزا للشهرة.
وأضاف البيان: (نناشدكم بألا يساء استخدام هذا الدور العظيم، وألا يُمس بالمبادئ التي يقوم عليها مجتمعنا، أو تُهمش القيم التي نشأنا عليها، والتي تشكل نسيج هذا الوطن وركائزه الأخلاقية والثقافية، إنكم تصوغون الكلمة، أو تُشكلون اللحن، أو ترسمون المشهد، التخاطب ذائقة فردية فحسب..
بل تبنون وعيًا عاما، وتغرسون رؤى، وقد تُغيرون مسارات تفكير وسلوك، فكونوا على العهد مع المجتمع، الذي منحكم ثقته، وفتح لكم أبواب قلوبه، ووضعكم في مقام المؤثرين).

القدوة والتأثير الإيجابي
وتابع البيان: نوجه نداءنا لكل فنان وفنانة: أن تظلوا كما عهدناكم، في موقع القدوة والتأثير الإيجابي، تحترمون جمهوركم، وتقدرون مسؤوليتكم، وتسهمون في رقي الوعي، لا إثارة الجدل، ولا زعزعة الثقة التي بُنيت على مدار سنوات من العطاء والإبداع، وليكن هذا البيان تذكيرا لا توبيخا..
ودعوةً للم الشمل لا للإقصاء، فنحن في النهاية أبناء مجتمع واحد.. جمهورنا العزيز، نعلم أنكم أنتم الأصل، وأنتم الغاية، ومنكم نستمد شرعيتنا، وبكم يعلو صوتنا، ولفنكم نُخلص، وإن خرج أحد من بيننا، عن السياق، أو من دون قصد بثوابت مجتمعنا وقيمه).
واستكمل: (إننا نعتذر لكم بصدق ووضوح، لا تبريرا، بل احتراما، وحرصا على ألا تُفهم الزلة على أنها موقف عام أو توجه مقصود، فنحن نعتز بكم، ونفخر بأننا
جزء منكم، ومن أجلكم نقدم فننا، ومن محبتكم نستمد عزيمتنا، وإن كان من تجاوز، فهو اجتهاد خاطئ لا يمثل جموع الفنانين..
الذين ما زالوا يضعون الجمهور في صدارة أولوياتهم، ويقدرون حجم الأمانة التي في أعناقهم، لقد كان الفن، وسيبقى، قوةً ناعمة، تهذب الذوق، وتبني الوعي، وتنير الطريق، وهو ليس ترفًا فحسب، بل حاجة مجتمعية ورسالة سامية، لا تكتمل إلا حين تُؤدى بضمير، وتستند إلى احترام عميق لقيم المجتمع وثقافته).
واستطرد: (إزاء ما حدث في الآونة الأخيرة من تجاوزات من نفر قليل من الزملاء أو الزميلات، فإننا نؤكد أن ما وقع هو محض تصرفات فردية لا يمكن بأي حال من الأحوال تعميمها أو نسبها إلى الوسط الفني بأكمله، الذي نعرف عن كثير من رموزه التزامهم وانتماءهم الصادق لمجتمعهم..
وإيمانهم العميق بأنهم جزء لا يتجزأ من نسيجه، وأن رسالتهم تنويرية، وربما ترفيهية، لكنها لا يمكن أن تكون على حساب الثوابت أو الهوية، إننا نؤمن بأن المجتمع هو الحاضنة الحقيقية للفن، والجمهور هو الوقود الذي يمنح الفنانين قيمتهم وبقاءهم، ولذلك فإن أي انحراف عن هذا التعاقد الأخلاقي غير المعلن بين الفنان والمجتمع يُعد خيانة لهذه الثقة، وخسارة لجوهر الرسالة).
ومع احترامي لهذا البيان – على ما حمله من تقدير واحترام للجمهور المصري.. صانع نجومية (بدرية طلبة) وغيرها ممن أصابهم جنون العظمة وجبروت المال – أن نرى نتائج التحقيق منصفة لجمهور طالما وقف في ظهر الفنانين ومنحهم الشهرة والنجومية التي لا يستحقها البعض منهم للأسف!