
بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
أصبح موقف (حسين إبراهيم) حرجا بعد أن تكرر من الفتاة (أ) بوادر نفورها من تصرفاته بشكل عام .. وسلوكياته تجاهى بشكل خاص.. سيطر الاكتئاب على (حسين إبراهيم)..
حاولت إقناعها أن تقبل الخطوبة بعد أن يتخطي في كلية الطب هذه المادة التي تمنعه أخته التي تحت الأرض من حضورها بعد أن أزعجها في مقبرتها حينما بحث عن هيكل عظمى مجانى ليدرس عليه التشريح..
فجأة عادت (أ) من أمريكا.. زارتنا فى شقتنا المتواضعة في طلخا.. تحمل حقيبة معها ضخمة مملؤة بالملابس والمكسرات وعشرات الهدايا بالإضافة إلى ساعة ذهبيه لزوجتي.. أهدت (رضوى) مبلغا كبيرا.. ولشادي مبلغا آخر.. ولزوجتي خرطوشة ذهبيه منقوش عليها اسمها بالهيروغليفية..
عاود (حسين إبراهيم) مرة زياراته لأسرة (أ).. حينها كان فتحي سرور وزير التربية والتعليم قد منح (حسين إبراهيم) – عن طريق معارفى – تأشيرة ليؤدى الامتحان في المادة المتبقية في كليه طب بنها ..
يوم الامتحان استأجرت (أ) له سيارة لنصحبه إلى بنها.. رفض (حسين إبراهيم) رفضا تاما الذهاب معنا.. قلت له معقبا أنك بهذا التصرف ستتسبب في إنهاء العلاقة بينك وبين (أ).. أخذ يبكي وينتحب كالأطفال..
عدت مع (أ) إلى منزلنا الذي كنا نستضيفها فيه بمجرد وصولها من أمريكا حتى عودتها مرة أخرى.. سبب ذلك ضيقا لعائلتها.. كانوا في غضب يحضرون في السادسة صباحا لاصطحابها قائلين لها في استنكار و ضجر.. يعني اللي جاي يسلم عليكي.. نقوله انك انتي عند ابراهيم رضوان؟.. كرهتنى عائلتها بشدة..
في رمضان ذهبت بصحبة الصديق (سمير أمان) في سيارته لأنها كانت ترسل لي النقود حتى أسلمها لهم.. وصلنا العلامية في موعد الإفطار.. تحججوا لنا أنهم معزومين في القرية المجاورة.. عدنا و نحن نعانى جوعا شديدا..

اشترى كل قطن مصر
كانت (أ) تتكلم معنا بالساعات من أمريكا رغم التكلفة المرتفعة للاتصالات.. ابن عمها اشترى في أحد الأيام كل قطن مصر.. في أمريكا كان يقيم مع أسرته في فيلا كبيرة تطل على المحيط كلها زجاج حتى يرى البحر من أسفل ويرى الأسماك مستمتعا بالمنظر..
كانت له ابنة تقوم بارتداء ملابسها الداخلية والخارجية مره واحده ثم تأخذ كل هذه الملابس في حقيبة إلى سلة المهملات.. قالت لنا (أ) أنها فتاه قذرة جدا في مظهرها وتصرفاتها الشخصية..
ظلت علاقتنا بـ (أ) لسنوات طويله..
قالت لي يوما أنها على استعداد – كنوع من التضامن و التعاطف الإنساني – في حالة تخرج (حسين إبراهيم) من كلية الطب أن تفتح له عياده على حسابها الخاص.. أبلغت (حسين إبراهيم) بذلك فلم يهتم.. كان مصمما على عدم دخول المادة الباقية بأوامر الجن.. كان يزور الشيوخ و المدعين في قرية (طناح) لإخراج العفريتة دون جدوى..
أخذته يوما إلي كنيسة (ميت دمسيس) ليعالج عن طريق القسيس.. جلس (حسين إبراهيم) أمامه.. ظل القسيس يقرأ عليه بعض الطقوس ويضع الصليب على رأسه حتي تكلم (حسين إبراهيم) بصوت أنثي لتخبرهم العفريتة على لسانه أنها لن تخرج منه مهما حاولوا..
ظل القسيس يحاصرها وهى تصرخ في وجهه.. صاح فيها يطلب منها الخروج من إصبع قدمه الكبير.. شاهدت بنفسي الدم ينبثق من قدمه.. لكنه بعدها لم يتغير.. واستمر يرفض الذهاب لأداء المادة الباقية عليه..
ظلت (أ) تزورنا.. تنام في الحجرة الكبيرة مع (رضوى).. تقوم قبل أن نصحوا.. تخرج وتعود لنا بالإفطار وبكل الصحف والمجلات التي صدرت في نفس اليوم.. تذكرنى دائما أنني زرتها وهى عند أسرة ابن عمها بالقاهرة واشتريت له سندوتشا وأعطيته جنيها كاملا وأنها ترد لي الجميل..
أصبحت (أ) فردا من العائلة.
كنا خارج المنزل.. عند عودتنا ليلا تنظر زوجتي من الشارع نحو الشقة في الدور الرابع لتقول لي: (أ. موجودة في الشقة).
– عرفتي ازاي؟
– (النور والع ومفيش حد معاه مفتاح شقتنا غيرها).
شهادة تخرج مزورة
بالفعل عند دخولنا الشقة نجدها في انتظارنا وقد وصلت لفورها من أمريكا .. كنت ذاهبا إلى شقتي بالقاهرة.. اصطحبنى (حسين إبراهيم).. في الطريق أخذ يحكي لي كيف انتقم من دكتور يدعى (منير).. فقد خدعه و أخبره أنه سيسلمه شهادة تخرج من كلية الطب مزورة لكنها مختومة بكل الأختام الرسمية والتي يحتفظ بالمئات منها في شقة جدته بعيدا عن العيون المترصدة..
لم يف الدكتور (منير) بوعده.. طالبه (حسين إبراهيم) بالمبالغ التي أخذها منه فضربه وأهانه.. ظل (حسين إبراهيم) يراقب شقة جدة الدكتور المزيف حتي رآه خارجا منها.. صعد إلى الشقة و فتحها بالمفتاح الذي كان معه منذ الفترة التي كان (منير) قد كلفه فيها بخدمة جدته..
دخل الشقة ومعه جوال كبير وضع فيه كل الأختام.. استيقظت الجدة لتدخل الحمام.. اختبأ (حسين إبراهيم) تحت كتبة ضيقه.. ثم انصرف في الوقت المناسب بصيده الثمين.
سألت (حسين إبراهيم): (ماذا كنت ستفعل إذا شاهدتك جدته في الشقة وصرخت بأعلي صوتها)، قال لى دون تردد: (كنت سأقتلها).
من كتاب (مدد مدد..)
سيرة ذاتية لبلد