(جمال إسماعيل).. أجاد تجسيد كل الأدوار والحمامة أدخلته الفن رغم اعتراض أسرته (1/2)
* ينتمي (جمال إسماعيل) لعائلة فنية، فوالده هو الموسيقي المخضرم (إسماعيل أفندي خليفة)، وشقيقه العبقري (علي إسماعيل)
* المسرح المدرسي، كان له أكبر الأثر على حبه، وولعه بالتمثيل
* بسبب الحمامة نال الميدالية الذهبية في التمثيل على مستوى مدارس القطر المصري
* (علي إسماعيل) يتوسط له عند الأسرة للموافقة على دخول معهد الفنون المسرحية
* كان من بين أبناء دفعته في معهد الفنون المسرحية كلا من (كرم مطاوع، نجيب سرور، أحمد عبدالحليم، وإبراهيم سعفان) وغيرهم
كتب: أحمد السماحي
(جمال إسماعيل).. هو أحد عملاقة الفن المصري الذي أرتدى كل ملابس الشخصيات المصرية، وأرتدى معها كل المشاعر والأحاسيس، فهو (المعلم، والأستاذ، والبائع، والفلاح، والبيك، والثائر، والموظف، والقهوجي، والطرشجي، والسماك) وغيرها من الشخصيات التى جسدها.
ومن خلال أعماله التليفزيونية والسينمائية والمسرحية والإذاعية قدم لنا (جمال إسماعيل) نموذجا نادرا لما يمكن أن يفعله ممثل قدير، وكيف يستطيع أن يغوص في أعماله ليقدم لنا اللؤلؤ بين كفيه.
حيث عبر (جمال إسماعيل) عن مشاعر كثيرة متناقضة، فيها صمت، وثورة، وعجز، وألم، وفرح، ومن خلال كل هذه المشاعر التى يعجز كثيرا عن التعبير عنها، كان ممثلا وشاعرا وفيلسوفا معا.

جمال إسماعيل وعائلة فنية
ينتمي الفنان (جمال إسماعيل) لعائلة فنية، فوالده هو الموسيقي المخضرم (إسماعيل أفندي خليفة) زميل الرواد الأوائل الذين تعلموا الموسيقى في طفولتهم بالملجأ العباسي بطنطا.
ثم تدرجوا بعصامية خلاقة وتبوأوا مراكز رئيسية في فن الموسيقى بمصر، وكانوا جنودا في نشر الموسيقى عزفا وإنتاجا وتعليما.
وأراد (إسماعيل أفندي خليفة) مدرس الموسيقى بملجأ روض الفرج أن يبعد أولاده عن عالم الفن، فألحق ولده (علي إسماعيل) بالمدرسة الصناعية البحرية بالسويس، والحق ولديه (حسن، وجمال) بالمدارس الابتدائية بالقاهرة.
ولكن جرثومة الفن دفعت بالأولاد الثلاثة إلى عالمه، حيث تطوع (علي إسماعيل) ومعه (حسن) في الجيش المصري بإدارة موسيقات الجيش، وهناك درس الاثنان العزف على آلة (الساكسفون) وآلة (الكلارنيت).
أما الثالث فهو (جمال إسماعيل) موضوعنا هذا الأسبوع في باب (مظاليم الفن)، فقد وقع عليه ظلم شديد من كافة وسائل الإعلام حيث تقتصر بعض الفضائيات أحيانا على استضافة ابنته (عزة) للحديث عنه في دقائق قليلة لا توفيه حقه.
أما المواقع الصحافية فلا أدري ما سر إصرارهم على ذكر أن الفنان الراحل (أنور إسماعيل) هو شقيق (علي، وجمال إسماعيل) الثالث، ويذكروا كثير من المعلومات الخاطئة.
ورغم انتماء (جمال إسماعيل) لهذه العائلة الفنية إلا أن رغبتهم جميعا إجتمعت على حرمانه من دخول عالم الفن، والأكتفاء بما حققته العائلة من نجاح في هذا المجال، وكان دخوله أشبه بمعجزة!.

الحمامة وعزة بنت الخليفة وزكي طليمات
كانت الفترة التى كان (جمال إسماعيل) عضوا فيها في فرقة المسرح المدرسي، كان لها أكبر الأثر على حبه، وولعه بالتمثيل، فقد برزت موهبته في مسابقة (كأس المدارس).
والتى كانت تقام بين مختلف مدارس القطر المصري، وكان يشهدها أساتذة المسرح الكبار مثل (نجيب الريحاني، زكي طليمات، حسين رياض، فتوح نشاطي) وغيرهم.
وفي السنة النهائية من المرحلة الثانوية، قدم مع زملائه في المدرسة مسرحية (عزة بنت الخليفة) وهي مسرحية من فصل واحد، وهي النسخة العربية من مسرحية الشاعر الدانماركي (هنريك هرتز) المُسمَّاة (ابنة الملك رينيه).
وقد عرَّبها الكاتب المسرحي (إبراهيم رمزي) عن الترجمة الإنجليزية لها التي وضعها (إدموند فيبس)، وكان دور (جمال إسماعيل) يتطلب أن يطلق (حمامه زاجله) برسالة بحيث تخرج من خشبة المسرح إلى الكواليس.
وهو يقول لها: (إذهبي يا حمامة السلام وارجعي لي بالرد)، وكانت المفاجأة أنه بعد أن أطلق (الحمامه) أبت أن تخرج، وتذهب إلى الكواليس، وظلت تدور بين أضواء الخشبة!.
ولأن هذا الموقف لم يكن متوقعا من قبل، فبدأ (جمال إسماعيل) يرتجل بكلمات غير موجودة في النص، ويقول:(لماذا لم تذهبي يا حمامه؟.. هل لأن السلام إختفى من الحياة؟).
وراح يخاطب (الحمامة) بحوار ارتجالي وكأنه جزء من المسرحية، حتى شاءت إرادة الله أن (تفهم الحمامة) دورها، وتخرج إلى الكواليس.
وهكذا انتهت المسرحية، وكان كل ظن (جمال إسماعيل) أنه فشل في أداء دوره، بسبب (الحمامة) اللعينة، ولكنه فوجئ بالفنان الكبير (زكي طليمات) يطلب مقابلته بعد إنتهاء المسرحية.
وقال له: (لقد كنت رائعا في موقف الحمامة، وأبديت مرونة، وحسن تصرف كبيرين، وأنصحك بالإلتحاق بمعهد التمثيل، فور تخرجك من المدرسة).

علي إسماعيل يتوسط له في الأسرة
في هذا العام نال الميدالية الذهبية على مستوى مدارس القطر المصري في التمثيل، وكان أهم من الميدالية كلمات الرائد المسرحي (زكي طليمات) التى ألهبت خياله، وشجعته على الألتحاق بمعهد الفنون المسرحية.
وفي هذه الفترة أعترضت الأسرة على دخول (جمال إسماعيل) معهد الفنون المسرحية، فقدم أوراقه إلى كلية (الآداب) قسم التاريخ، لكنه لم يستطع الابتعاد كثيرا عن الفن، فذهب إلى شقيقه وصديقه الموسيقار (علي إسماعيل) الذي كان بدأ يخطو خطوات جادة في المجال الفني.
وقال له: (أريد الإلتحاق بمعهد الفنون المسرحية؟، فقال له: ودراستك في كلية الأداب؟! فقال له: سأوفق في الجمع بين الدراستين.
فسأله علي إسماعيل: وهل ستنجح في التوفيق بين الدراستين معا حتى لا تغضب الأسرة؟، فقال (جمال) بجماس شديد: نعم.
وعلى الفور تكفل (علي إسماعيل) بالحديث مع والدته، وأقنعها بأن حب (جمال إسماعيل) للفن ليس بجريمة، وعلى الرغم من حزن الأم الشديد، وجدها تطلب من ابنها (جمال) أن يعاهدها على الانتهاء من دراسته في كلية الأداب والحصول على الليسانس.
وبالفعل نجح (جمال) في تنفيذ هذا الوعد، وحصل على بكالوريس معهد التمثيل، من أجل نفسه، وحصل على (ليسانس الأداب) من أجل والدته.
وكان من بين أبناء دفعته في معهد الفنون المسرحية كلا من (كرم مطاوع، نجيب سرور، أحمد عبدالحليم، فايز حجاب، منير التوني، عبدالعزيز غنيم، إبراهيم سعفان) والمخرج الإذاعي مصطفى أبو حطب.

المسرح الحر
بعد تخرج (جمال إسماعيل) من المعهد، كان المجال الأسهل لممارسة التمثيل هو (المسرح الحر)، فقد كان المسرح (القومي) يضع شروطا صعبة للالتحاق بفرقته، وفي هذه الفترة تقدم (جمال إسماعيل) للإذاعة المصرية وأجرى امتحانا قاسيا، ونجح فيه، وعمل كممثل في الإذاعة.
كما عمل بجوار عمله الإذاعي والمسرحي، مخرج للمسرح المدرسي، وأخرج عدة عروض، وأثناء ذلك عمل لمدة ثلاث سنوات كمفتش للمسرح المدرسي بالأسكندرية، وهناك قابل الرائد الإذاعي (حافظ عبدالوهاب) فعمل معه في إذاعة الإسكندرية.
عام 1960 وبانتهاء عمله في المسرح المدرسي بالإسكندرية، عاد إلى القاهرة، وكون مع (كرم مطاوع، وحسن عبدالسلام) الفرقة النموذجية التابعة للمسرح الشعبي الذي أقترحته الدولة في هذا الوقت.
وكانوا يقدمون أعمالهم على المسرح القومي، (ماتينيه) أي في الفترة الصباحية، لكن زعم بعضهم أن عروضهم تقترب من عروض المسرح القومي، فصدر قرار بإلغاء الفرقة النموذجية بعد أن قدموا من خلالها ثلاثة عروض من المسرح العالمي هي (وراء الأفق، صلاح الدين الأيوبي، شعب الله المختار).

جمال إسماعيل ومسرح التليفزيون
في هذه الفترة تشكلت فرق (مسرح التليفزيون)، فأسرع بالإنضمام إليها، وكان صاحب فكرتها المخرج (السيد بدير)، فتقدم للاختبار، وأمتحنه (السيد بدير، محمد توفيق، محمود السباع) ونجح بقوة.
وكانت بدايته مع مسرح التليفزيون من خلال عروض مسرحية جادة، فقدم (الأرض) للكاتب عبدالرحمن الشرقاوي، و(شيئ في صدري) للكاتب إحسان عبدالقدوس، و(العش الهادئ) للكاتب توفيق الحكيم.
ولأنه يرفض السير على وتيرة واحدة، أراد أن يتجه لتمثيل الأدوار الكوميدية، وبالفعل التحق بالمسرح الكوميدي، فشارك في بطولة مسرحيات (المفتش العام، ممنوع الستات، زهرة الصبار) وغيرها.
لكنه اصطدم بالروتين الحكومي الذي يحكم هذه الفرق المسرحية، فكان قراره بالخروج إلى القطاع الخاص.
في الحلقة القادمة
نستكمل رحلة جمال إسماعيل في المسرح والسينما والتليفزيون ونعرف كيف تم انقاذه من الموت بسبب شخصية (حسب الله بعضشي) في مسرحية (سيدتي الجميلة).