
بقلم المستشار: محمود عطية
في مشهد هابط لا يمتّ لا للفن ولا للذوق العام بأي صلة، وقعت واقعة صادمة خلال حفل غنائي أقامه الفنان (راغب علامة) في منطقة الساحل الشمالي، تلك البقعة التي تحوّلت خلال السنوات الأخيرة إلى وكرٍ للانفلات الأخلاقي، وساحة استعراض لكل ما هو شاذ وغريب عن قيمنا وأعرافنا.
ففي قلب الحفل، تسللت مجموعة من النساء والفتيات إلى المسرح، وتهافتن على الفنان (راغب علامة) لتقبيله بشكل علني وفج، أمام عدسات الكاميرات وآلاف الحضور.
مشهد مخزٍ يعكس انهيارًا صارخًا في منظومة القيم داخل المجتمع المصري، الذي طالما تفاخر بحشمته ورجولته واحترامه للمرأة كرمز للأخلاق لا أداة للإغواء والاستعراض الرخيص.
ما حدث لم يكن مجرد تصرف عابر من فتيات مهووسات بشخصية (راغب علامة) الفنية، بل كان إعلانًا فجًا عن نوع جديد من الجرائم الأخلاقية التي تُمارس في العلن دون حياء أو شعور بالذنب.
والأسوأ من ذلك أن الرد الرسمي الوحيد جاء موجّهًا نحو الفنان (راغب علامة)، في حين غُضّ الطرف تمامًا عن تصرفات النساء، مما يطرح تساؤلات مشروعة: هل فقدت نقابة الموسيقيين بوصلتها الأخلاقية؟، وهل باتت قراراتها تُحرّكها الضجة الإعلامية فقط لا غير؟
إن ما جرى من تصرفات لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال، لا تحت اسم الحرية الشخصية، ولا حب الجمهور، ولا حماسة الحفل. فحين تُنتهك حدود اللياقة وتُلقى القيم عرض الحائط، وتتحوّل المسارح إلى فوضى أخلاقية، يصبح من الأولى أن يُحاسب الفاعل الحقيقي، لا أن يُحمّل الفنان المسؤولية الكاملة، خاصة وهو الذي بدا عليه الذهول والحرج مما جرى.
لقد شبّه البعض المشهد بما يحدث في (جبلاية قرود) لا حفل غنائي محترم، فإلى متى سيُترك الحبل على الغارب؟

صخب هابط يعكس خواء داخليًا
ومع احترامنا الكامل لحرية الذوق والنقد الفني، فإن ما يُقام في بعض أماكن الساحل الشمالي لم يعد له علاقة لا بالطرب ولا بالفن الراقي، بل هو مجرد رقص وانفلات أخلاقي مغلف بالبذخ والاستعراض الفارغ، وتذاكر باهظة أقرب لبوابات الجحيم منها لفعاليات ترفيهية محترمة. شباب وفتيات يتمايلون على أنغام لا تنتمي للفن الأصيل، بل لصخب هابط يعكس خواء داخليًا لا فرحًا حقيقيًا.
والأدهى من ذلك أن بعض هذه الحفلات باتت تشترط ملابس بعينها لدخولها، وكأننا في مهرجان للانحلال، لا في مجتمع شرقي له قيمه وحدوده. وترددت أنباء عن وجود أماكن مخصصة لتعاطي مواد مخدرة غريبة مثل (البانا)، التي بدأت تتسلل إلى عقول الشباب إلى جانب الفودو والآيس، في كارثة أخلاقية تهدد مستقبل الأجيال.
أين الدولة من كل هذا؟، أليس من أولوياتها الحفاظ على الأخلاق العامة كما تهتم بالأمن والاقتصاد؟، هل يُعقل أن يُغضّ الطرف عن مثل هذه الأفعال لمجرد أنها تتم تحت أضواء الحفلات ومن بعض النساء المنتميات لما يسمى بـ (الطبقة الراقية)؟
وهنا لا بد من طرح السؤال الصادم:
هل في بيوت هؤلاء النسوة رجال؟ وأقول (رجالا) لا (ذكورًا) لأن الرجولة الحقيقية غابت عن هذه البيوت، التي أنجبت نساءً بلا حياء ولا تربية، يتفاخرن بالمعصية علنًا دون أي مراعاة للفضيحة التي يجلبنها لأسرهن ولمجتمع بأسره.
نعلم أن الانحلال الأخلاقي ليس جديدًا، لكنه بات اليوم جهرًا بالفاحشة وتحديًا سافرًا للمجتمع والدين ومبادئ الحياء.. والفرق بين المعصية الخفية والجهر بها كبير؛ فالأولى خطيئة فردية، أما الثانية فهي فساد جماعي يهدف إلى هدم المجتمع من الداخل.
أما نقابة الموسيقيين، التي طالما ألقت علينا الخُطب عن حماية الذوق العام، فقد أصابها العمى الأخلاقي؛ ألقت اللوم على الفنان (راغب علامة)، وتجاهلت الفاعلين الحقيقيين، في موقف يُثير الريبة والاستياء.
ولو عدنا بالزمن قليلًا، لوجدنا أن بعض العاهرات في الماضي كنّ أكثر احترامًا للخصوصية من بعض من يزعمن اليوم أنهن (سيدات مجتمع محترمات)، فما جرى لا تفعله امرأة في (درب طياب)، أحد أشهر مواخير البغاء سابقًا، والذي أغلق منذ عقود، أما الآن، فالانحدار عاد بصورة أشد فظاعة، وتحت لافتة (فن).
الخطورة الحقيقية تكمن في أن الجيل الجديد بدأ يرى هذا الانفلات قدوة، وهؤلاء النسوة نموذجًا للحرية، وتلك الحفلات مظهرًا للتمدن، وهو ما يشكّل تهديدًا خطيرًا لمنظومة القيم برمتها.

وقفة جادة من الإعلام
المطلوب اليوم وقفة جادة من الإعلام الذي عليه فضح هذه الممارسات لا التطبيل لها، ومن الدولة التي يجب أن تتحرك بقوانين تحمي الفضاء العام، ومن النقابات الفنية التي ينبغي أن تعود إلى دورها الحقيقي، لا أن تصدر بيانات مائعة تُرضي الرأي العام على حساب الحقيقة. وحتي بعد ما اشيع ان السيدات غير مصريات فهذا لن يغير الأمر.
نحن لا ندعو إلى الظلام، ولا إلى قمع الفن، بل إلى فنٍ راقٍ يحترم العقول ويُعلي من شأن القيم، ويُعيد للفنان مكانته الحقيقية، لا أن يتحول إلى كبش فداء لتصرفات نساء بلا وعي ولا حياء.
ويبقى السؤال: هل ننتظر كارثة أكبر حتى نتحرك؟ أم أننا فقدنا القدرة على الحياء، وبات الفجور أمرًا عاديًا لا يثير حتى الاشمئزاز؟
لقد سقطت الأقنعة، وسقط معها وهم التمدن الزائف، وبات واضحًا أن معركة الأخلاق تحتاج إلى شرفاء، لا من يُبررون السقوط.
لقد ذكرنا هذا الحدث المقزز بمشاهد فاضحة أخرى: الممثلة التي ظهرت بفستان بلا بطانة، والمخرِج الذي يروج للأفلام الإباحية، والبلوجر التي اخترقت كل الخطوط، بمباركة والدها.
وأقولها بكل مرارة: لقد فاقت كثيرات من المصريات وبعض الخليجيات ما تفعله صاحبات الرايات الحمر في الغرب، بل تخطّينهن بما لا تفعله حتى (ربيبات درب طياب).
وحين نرى من هربت مواد مخدرة تحصل على سنة مع الإيقاف، ثم تظهر في اليوم التالي في الصفوف الأولى بالحفلات الرسمية، فماذا نقول؟، فلنضحك إذًا على (مسرحية انتخابات مجلس الشورى.. لعلنا ننسى، أو نتناسى!
ولا نقول في النهاية إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
* المحامي بالنقض – منسق ائتلاف مصر فوق الجميع