
بقلم الباحث المسرحي الدكتور: كمال زغلول
(تحوتي) من الشخصيات التي ظهرت في المسرح المصري القديم، ويعد من أبطال هذا المسرح، وقد ظهرت شخصية تحوت أو تحوتي في العديد من الأعمال المسرحية المصرية القديمة.
ولكن لتلك الشخصية كتابات أسطورية ، تتحدث عن من هو (تحوتي)، وما هو دورة في حياة المصريين القدماء ، وما وصل إلينا من برديات تعريفية عن تلك الشخصية، يتمحور في دور هام جدا لتحوت فينسب إليه تعليم الكتابة للمصريين، وتعليم الفلك وتقسيم السنة إلي 365 يوم، وصوره المصريون القدماء بجسد إنساني وبوجه حيواني (أبو منجل).
وظهر (تحوتي) في الصور الخاصة ممسكا بقلم ولوح يكتب عليه، وله دور في حساب الميت، فمن المعتقدات الخاصة عند المصريين القدماء ميزان قلب الميت، بميزان، كفة يوضع فيها قلب الميت، والأخرى ريشة، و(تحوتي) كان من يسجل نتيجة الميزان، كما أنه القائم بحساب السنوات.
وقد جسد تحوتي (الكتابة ، والسحر ، والطب ، والفلك ، والفنون)، وهو راعي الكتبة والمسئول عن سلسلة الألقاب الملكية، وظهر بدور الوسيط بين الآلهة.

تصور شخصية (تحوتي)
وهذه المقدمة عن (تحوتي)، لم تظهر بالطبع داخل العروض المسرحية المصرية، ولكن ظهر تحوت كشخصية تمثيلية، تصور شخصية (تحوتي) كما ورد عن شخصية في الأساطير المصرية، ونسوق بعض الأمثلة من العروض المسرحية التي ظهر بها (تحوتي):
دوره كوسيط بين الآلهة.. في مسرحية غزو الفرس لمصر
(تحوتي) يتوسط في ارسال رسالة إيزيس
أحدث الاضراب فى بوزيريس
فعم الحزن مدينة منديس وإقليمها
لقد احتل سرابيوم منديس
ورفع صوته داخل جدرانه
وحمل الشجرة المقدسة لسايس مدينة الإلهة نيت
وأفسد حلى المعبد
وأثار الفتن في الجبانة
وحث على القتل في مدينة خري محا
لقد أدخل ما يبغضه آتوم
في معبد التاسوع الإلهي
أثار الحرب وبث الفتن
في معبد أمون الأكبر فى الجبانة
لقد عمد إلى الحرب وخلق المنازعات
في معبد روح الشرق
قصد صفط الحنة وعبر إقليم شنن
احتل غيضة ساؤريس المقدسة
حيث يكثر شدر السنط الذى فيه الموت والحياة معا.
والمشهد السابق صور ظهور (تحوتي)، بدور الوسيط وحمل رسالة (إيزيس)، لكي يتم إنقاذ مصر من أيدي الفرس، وقد تم تأليف النص وفقا لدور (تحوتي) كوسيط.
وفي مسرحية أخري خاصة بإيزيس يظهر (تحوتي) كإله الزمن والسحر والطب، فعندما لدغ العرض الطفل حورس استنجدت إيزيس ، فهبط إليها تحوتي من قارب الزمن:

مشهد (تحوتي) وقد جاء إلي إيزيس
(تحوتي): ما وراءك يا إيزيس، يأيتها الإلهة المجيدة التي تنطق بالحكمة، هل ثمة مكروه وقع لابنك حور الذى هو في حماية زورق الشمس ، لقد هبطت اليوم من الحرم الإلهي، ولسوف يقف القرص مكانه بالأمس، وليحتجبن النور وليكونن يومنا ليلا إلى أن يبرأ حور وينهض إلى أمه سالما.
القرص في هذا المشهد تعبير عن الزمن، وأخبرها أنه توقف في مكانه بالأمس، دلالة على تحمه في الزمن.
وفي المشاهد الأخرى يظهر دوره في السحر والطب.
لا تخشى شيئا بعد ايتها الإلهة (إيزيس)، لا تخشى شيئا وأنت يا (نفتيس) كفي عن النحيب، لقد جئت بنسمات الحياة كي أعيد الطفل إلى أمه سليما معافى، يا حور يا حور ليثبتن قلبك فلا يزعزعه اليأس بجرح أصابه، فحور في حماية من يكمن في قرصه ومن يضئ الأرض بعينه.
قم يا حور فقد رددت إليك منعتك ، وها هو ذا راع يبطلك، وها هو ذا لسان الإله العظيم ينزعك، اخرج إلى الأرض أيها السم، وستطمئن القلوب حين ينبثق نور القرص، إني أنا (تحوتي) الابن الأكبر لرع رسول (آتوم) أبى الآلهة فليبرأ حور من أجل أمه إيزيس، ألا فلتعودوا إلى دياركم ، فقد عاد حور إلى أمه سالما.
ويظهر في المشهد طريقة استخدامه للسحر والطب في معالجة الطفل حورس.
وينتهي بمشهد يؤكد فيه على سلامة حورس، وينوه عن سحر أمه إيزيس.
(تحوتي) أيها المربون والمربيات في (ب) أسهروا على هذا الطفل وانظروا أين طريقه بين الناس وردوا عنه كيد الكائدين الذين يعترضون سبيله إلى أن تعيدوا له عرش الأرضين، ورع في السماء يتولاه وأبوه يرعاه ، وأمه بسحرها تحميه وتجعل إرادته هي العليا وتحمل الناس على رهبته وعلى الخشية منه.
ها هو ذا حور قد عاد إليكم بعد أن عادت إليه الحياة، وها أنا ذا، أعلن أنه سوف يخلف أباه، وسوف يمنح راكبي الزورق طربا وهم يجدفون (ها هو ذا حور قد حيا من أجل أمه، ولم يعمل فيه السم) وسوف يمدح الرسول على خدمته عندما يحمل البشرى إلى من أرسله).
والمشاهد السابقة أظهرت شخصية (تحوتي) كراعي للسحر والطب والزمن ، اما عن دوره في تقسم السنة إلي 365 سنه يوم ( الفلك ) فنجد شخصية تحوت في مسرحية انتصار حورس ، ظهرت مقسمة للسنة.

مشهد تحوتت (مسرحية انتصار حورس)
(تحوتي): يوم سعيد في هذا اليوم الذي ينقسم بالدقائق
ما أسعد هذا اليوم الذي ينقسم بالساعات
ما أسعد هذا الشهر الذي ينقسم بعيد الخامس عشر!
ما أسعد هذا العام الذي ينقسم بالشهور!
ما أسعد هذا الدهر الذي تقدر سنواته!
ما اسعد في هذه الأبدية!
كم هو لطيف أن يأتوا إليك كل عام!
وهكذا نري أن شخصية (تحوتي) المكتوبة في الأساطير، ظهرت في المسرحية المصرية القديمة بنفس الأعمال المكتوبة عنها في الأسطورة، وظهر (تحوتي) في صورة الوسيط، والطبيب والساحر، والمسئول عن الزمن، ومسئول عن الفلك (تقسيم السنة إلي 365).
ونلحظ مما سبق أن المصري القديم قدم شخصياته من خلال الأساطير الاعتقادية عن هذه الشخصيات، ووظفها طبقا لما قامت به من أعمال داخل مسرحه، وفق الرؤي والمعتقدات المصرية القديمة، ومن خلال نموذج (تحوتي)، ننوه بأن هذا المسرح ذو خصوصية وللتعرف على شخصياته، لا يتم إلا بالرجوع إلي ما كتب عنها في الأساطير المصرية.
وعلى ضوء ما ذكر فإن المسرح المصري القديم من أوائل المسارح في العالم الذي اعتمد في مصادر موضوعاته وشخصياته على الماضي السحيق بشخصياته، بالرغم من التحريفات التي حرفها الكهنة، وابتداعهم آلهة مزعومة، وانحرافهم عن عقيدة التوحيد التي هى أساس الدين المصري.