رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: (بوس الأيادى).. من طابور سي السيد لطابور الشيخ أسامة !

محمد شمروخ يكتب: (بوس الأيادى).. من طابور سي السيد لطابور الشيخ أسامة !
لا أجادل ولا أناقش تقبيل اليد (بوس الأيادي) كنوع من التبجيل للمكانة العائلية أو التربوية أو الاجتماعية

بقلم الكاتب الصحفي: محمد شمروخ

كان من طقوس أسرة السيد عبد الجواد في فيلم (بين القصرين) أن يقف الأبناء جميعاً في طابور صباحي قبل تناول الإفطار، ليقبل أولهم  عن طريق (بوس الأيادي) يد الأب ثم يترك مكانه لمن يليه لتدور الدائرة عليهم جميعاً،

لكننا لم نعتبر هذا المشهد فقط، دليلاً على مقدار ما كان يشكله الأب من مكانة جليلة لدى أسرته في ذلك العهد، ولكن اعتبرناه دليلاً عن زمن ولى ومرحلة انقضت من تاريخ الأسرة المصرية.

كان ذلك – حسب أحداث الرواية – في نهايات الحرب العالمية الأولى ثم ثورة 1919، أى قبل حوالى 106 سنوات، توالت خلالها الخطوب وتغيرت دهور وتدهورت أمور بما لا حاجة لتصور أهواله واستبيان أحواله!.

أما الآن، فنجد من ينادى على والديه بأسمائهما مجردة من ماما وبابا، وبنوع من الاستخفاف أحياناً أو بتشحيع من الوالدين المدرن لكسر كل الحواجز التربوية، على سبيل (الدلع المرئ).

بل ولا تعدم من تسمعه (ببجح) بأعلى صوت في الكبيرة والصغيرة مخاطباً أحدهما أو كليهما!.

تذكرت هذا المشهد عندما انتشر مقطع فيديو يقف فيه بعض الأشخاص في طابور أشبه بطابور أبناء سي السيد الصباحي، ولكن أمام مولانا الدكتور أسامة الأزهرى العالم الكبير ووزير الأوقاف، وكان يمد لهم يده ليقبلوها! واحداً تلو الآخر في إطار (بوس الأيادي)!

ودعوني أعترف بأننى في اللقاء الوحيد العابر مع الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وددت لو أسأله عن قيام كثيرين بتقبيل يده، مع رجاء خفي منى أن يعيد النظر في الأمر.

محمد شمروخ يكتب: (بوس الأيادى).. من طابور سي السيد لطابور الشيخ أسامة !
هناك حرصاً من أتباع بعض الطرق الصوفية على تقبيل إيادى

التبجيل للمكانة العائلية

وهنا لا أجادل ولا أناقش تقبيل اليد (بوس الأيادي) كنوع من التبجيل للمكانة العائلية أو التربوية أو الاجتماعية، بل أرى أننا في حاجة الى مبادرة لإعادة تقبيل إيادى الآباء والأمهات والأعمام والأخوال والمربين والمعلمين ومن في مقامهم.

 غير أنه ما لم يشف نفسي وكذلك لم يبرئ سقمها، هو دافع (بوس الأيادي) لأسباب الاعتقاد الديني والمقام الروحي فيما بين القائم بالتقبيل أو متلقيه على يده!

فلابد أن نضع في الاعتبار أن تقبيل أولاد سي السيد يده، أو أى أبناء آخرين مع أبيهم في الواقع المعاش أو على شاشات السينما والدراما التلفزيوني، أمر مختلف عن الاعتقاد الدينى والانتساب الروحاني!

أعرف جيداً أن كثيراً من الجماعات ذات المرجعيات الدينية المتعددة، ما بين صوفية وفقهية بل وسياسية، تعتبر أن (بوس الأيادي) طقس من طقوسها الأساسية.

وكذلك على العكس، أعلم يقيناً أيضاً، أن هناك حرصاً من أتباع بعض الطرق الصوفية على تقبيل إيادى من يصافحونهم من جماهير الناس، مع رفض السماح لأحد أن يرد ذلك بتقبيل يد أى منهم.

وهم يفعلون ذلك على سبيل تأديب النفس وكبح جماحها حيال أى شعور قد يتسلل إليها من الكبر أو الغرور أو تزكية النفس عن الغير، فهم يتعمدون كسر غرور النفس بالمذلة، لأنهم يرون أن أقل الأبواب ازدحاماً كان هو باب الذل.

ذلك لأن الذل من أصعب الاختبارات التى يمتحن بها الإنسان قوة احتمال نفسه بدفعها نحو إنكار الذات، وذلك من أجل تحقيق الهدف الأسمى من التجربة الصوفية، وهو إماتة الذات بترك اللذات.

وليس من شك أن إجلال الناس لك والإكبار لمقامك والإعلاء لشأنك والانحناء أمامك لتقبيل يدك، هو أمر تلتذذ به ولو على سبيل الاحتمال، فما أدراك بحقيفة مقامك بينهم عند ربك، لتترك لهم يدك للانحناء والتقبيل؟!

ولقد حاولت استقصاء سر ترك الإمام الأكبر يده ليقبلها الناس في مجلسه الكبير والشهير بساحة آل الطيب بقرية القرنة بالأقصر، فعلمت أن هذا التقيلد قديم في سلالة آل الشيخ الطيب المشهورة بسلوك أرباؤها طرق العلم وسبل اليقين بالتفقه في الدين، منذ أجيال عديدة مضت.

ثم أن هذه هى عادة الناس في المنطقة التى انتمى إليها وتربي فيها الشيخ الطيب، بين أهله من كبار علماء الفقه وشيوخ التصوف ورجال التربية والتعليم، كما تأكدت بنفسي أن الإمام الأكبر عندما يمد يده ليصافح من يتقدم لمصافحته، يجد هناك من يصرون على تقبيل يده كما كانوا ومازالوا يفعلونه مع بقية شيوخ أهل الطريق من آل الطيب أو غيرهم، بل وقد يغضبهم إذا لم يسمح الشيخ لهم بذلك!

محمد شمروخ يكتب: (بوس الأيادى).. من طابور سي السيد لطابور الشيخ أسامة !
وزير الأوقاف أسامة الأزهري

الشيخ أسامة الأزهرى

أما الشيخ أسامة الأزهرى، فقد حدثتنى نفسي كما بدا على صفحة وجهه – وقد أكون مخطئاً في ذلك – أنه يترك يده للتقبيل وكأن ذلك حق له على هؤلاء الذين أحنوا قاماتهم أمامه في خشوع!

كما أننى علمت أن الدكتور أسامة لم يكمل الخمسين عاماً من العمر (أطال الله بقاءه ومتعه بالصحة).

كما أن هناك علماء فقه ومتصوفة كبار من مشايخ الأزهر وغير الأزهر، أكبر سناً منه يرفضون أن ينحنى لهم أحد ولو سمحوا له بتقبيل الأيادى.

كما أن منصب الدكتور كوزير للأوقاف المصرية – وما أظنه إلا أنه ظلم نفسه بقبوله – يدخل الأمر برمته في دائرة التزلف إليه لمنصبه السياسي وليس تبجيلا لعلمه الفقهي ولا تقديرا لتجربته الصوفية ولا تحصيله العلمي، كما أرجو ألا يكون اى من الذين قبلوا يده لهم أغراض دنيوية كالحصول على مكسب ما من الوزارة المعروفة بمشروعاتها المتعددة.

أو مثلاً لطلب للموافقة على ترقية أو نقل إلى مكان أفضل أو (مثلاً يعنى مثلاً.. لإلغاء قرارات نقل اتخذت في ساعة غضب.. أنا فقط أضرب مثلاً).

وأخيراً.. لا أريد وما أردت ولا أحب أن أخوض، في الأحكام الشرعية المتعلقة من إباحة أو حظر أو ندب أو كراهة أو استحباب، لحكم (بوس الأيادي) للكبراء في المجتمع أو  علماء الفقه أو شيوخ الصوفية.

لكن لأنى أعلم أن الشيخ أسامة لديه حصيلة علمية ومعلوماتية في العلوم الدينية والعامة، فقد تمنيت أن يربأ بنفسه عن ذلك وهو أعلم منى بذلك!

ليته وليتهم!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.