بهاء الدين يوسف يكتب: فئران (مجاري) مواقع التواصل الاجتماعي

بقلم الكاتب الصحفي: بهاء الدين يوسف
تملك جهاز كمبيوتر لوحي (لابتوب) او حتى هاتف حديث؟! إذن يمكنك أن تكون بطلا ومناضلا وداعية أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، بل والأخطر من ذلك، أنك ستكون في مأمن من الكشف عن عيوبك وأخطائك بل انك حتى غير مضطر للكشف عن شخصيتك الحقيقية، لكن اعلم أنك في الحقيقة بكل ما تفعله لست سوى فأر مذعور من الفئران التي تعيش وتتكاثر في (مجاري) التواصل الاجتماعي.
صحيح أن معايير أو قواعد اللعب في زمن السوشيال ميديا، أتاحت لكل من هب ودب أن يكتب ما يشاء، وينصب نفسه حكما وقاضيا ضد من يشاء، ووفرت له منصات تسهل عليه الخوض في سيرة وأعراض من يشاء بالحق احيانا و بالشائعات غالبا.
يمكنك أنت أيضا أن تفعل ذلك وانت مطمئن تماما أن أحدا من جحافل المتفاعلين مع ما تكتبه لن يتوقف ليسأل نفسه أسئلة بسيطة كنا نسألها لأنفسنا في زمن ما قبل مواقع التواصل.
يمكنك أن تغتال مسيرة مهنية طويلة ومحترمة لسيدة بقيمة الدكتورة نوال الدجوي، التي لم يسمع عنها طوال 60 عاما إلا كل خير، وتحول ما تبقى من سنوات لها في الحياة الى تعذيب وفضائح لسيرتها وسمعة عائلتها وأحفادها، ولن تجد من يلومك بل على العكس ستجد مئات الآلاف يتجاوبون معك.
يمكنك أيضا أن تغتال فعليا وليس معنويا فقط، مذيعة مشهورة مثل البريطانية كارولين فلاك مذيعة برنامج (Love Island) التي انتحرت عام 2020 بسبب الهجوم عليها في مواقع التواصل، وعندما يحدث ذلك اثق انك لن تلوم نفسك ولو للحظة ولا حتى أن يهتز لك جفن.
بل انك غالبا سترى في المأساة فرصة مواتية لمزيد من المكاسب عبر تسويق فكرة فكرة أن تلك نهاية تستحقها، حتى يتفاعل معك ملايين المرضى النفسيين المنتشرين في العالم الافتراضي في (مجاري) التواصل الاجتماعي.

حفلات (تقطيع) المشاهير
افعل كل ذلك واطمئن أن أحدا لن يسأل نفسه عما إذا كان ما تنشره من أخبار وفضائح حقيقيا أم لا؟! عبر (مجاري) مواقع التواصل الاجتماعي، ولن يسأل نفسه بالتأكيد عما اذا كنت أو كان هو نفسه أفضل في تعامله مع الحياة وتقلباتها من الشخص المشهور الذي يشارك في اغتياله معنويا على مواقع التواصل أم لا؟!
وبالتأكيد لن يفكر ولو للحظة واحدة فيما إذا كانت مشاركته في حفلات (تقطيع) المشاهير وحياتهم الخاصة، تتم بوازع من حرص حقيقي على الأخلاق والقيم المجتمعية، ام هي محاولة خائبة للتطهر من (بلاويه) التي يرتكبها هو نفسه في حياته الحقيقية؟!
يمكنك أن تفعل كل ذلك وأنت مطمئن تماما على أسرار حياتك الشخصية، بل يمكن أن تتحول الى أحد المؤثرين المشاهير على السوشيال ميديا وربما تكسب الآلاف أو ملايين الدولارات أيضا، ولا تشغل بالك كثيرا بانعكاس ما تفعله على الآخرين ممن تنهش لحمهم بقسوة رافعا شعار الأخلاق والقيم بينما أنت في الحقيقة لست سوى فأر (مجاري) ضعيف.
نعم أنت كذلك والتشبيه بالمناسبة ليس إهانة، بل محاولة لتفسير سلوكيات اجتماعية رقمية متطرفة، لأن الدراسات المتخصصة كشفت ان هؤلاء المسيئين يعانون غالبا من عقد نقص، تسهل عليهم بيئة الإنترنت (التطاول دون مساءلة) بهدف الحصول على قيمة مزيفة، وهم فيما يفعلونه يفعلون ما تفعله الفئران التي تسرح في الأماكن المهملة بلا رقيب.

فئران (مجاري) قذرة
ومثلما أن فئران (مجاري) يعيشون في أماكن قذرة ومظلمة لا يظهرون إلا في أماكن قذرة ومهملة، ويحرصون على التواري عن الأنظار لأن في ظهورهم خطر على حياتهم، يعيش فئران التواصل الاجتماعي من البشر في الظلام ويختبئون خلف شاشات وأسماء وهمية، ويظهرون فقط في لحظات الضعف أو الفضائح.
كما أنها فئران (مجاري) تنشط في الأماكن المظلمة وتعيش على فتات او بقايا البشر، مثلهم مثل فئران السوشيال ميديا الذين يقتاتون على بقايا وفتات حياة المشاهير والتغذي على فضلاتهم لتحقيق ذواتهم ومنح أنفسهم شعورا وهميا وغير حقيقي بأن لهم دور في الحياة.
ومثل فئران المجاري أيضا يمتد ضرر فئران السوشيال ميديا، الى المجتمع ككل، فالفئران تنشر الأمراض خصوصا الطاعون، بينما ابطال “الكيبورد” ينشرون الشائعات والكراهية، ويضرون بالصحة النفسية، وفي النهاية هم جبناء مثل الفئران التي تهرب عند رؤية أول ضوء أو تهديد، بينما هؤلاء يحذفون حساباتهم أو يختفون إذا تم فضحهم.
لكن الفارق المهم الذي يجعلنا نتفهم سلوك الفئران الحقيقية ونطالب بمحاسبة الفئران البشرية، أنها فئران (مجاري) كائنات بيولوجية تتصرف وفق غريزتها، بينما المسيئون بشر يملكون حرية الاختيار، مما يجعل أفعالهم أكثر مسؤولية.