رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أفكار (خالد صلاح) الذكية لإنقاذ الصحافة المصرية

أفكار (خالد صلاح) الذكية لإنقاذ الصحافة المصرية
المشكلة أن الصحافة لم تتغير مع هذا الجمهور ولم تلاحق مزاجه المتطور

بقلم الكاتب الصحفي: محمد حبوشة

ظني أن فكرة دمج الدراما والفنون الإبداعية مع الصحافة الرقمية وصناعة الأخبار، التي طرحها الكاتب الصحفي النابغ (خالد صلاح)، هى فكرة رائدة يمكنها أن تحرك المياه الراكدة في بحيرة الصحافة الآسنة، بعد أن أفلس القائمين على أمر الصحافة المصرية، والذين يصرون على أن الصحافة الورقية ماتزال تلعب أدوارا مهمة في الحياة المصرية.

يقول (خالد صلاح): ليست المشكلة أن الجمهور تغير ذوقه وطريقته في استهلاك المعلومات المشكلة أن الصحافة لم تتغير مع هذا الجمهور ولم تلاحق مزاجه المتطور، ولم تدرك طبائع الأجيال الجديدة وعلاقتها بالإعلام المؤسسي بوجه عام.

وهذا أمر مشهود خلال الـ 15 سنة الأخيرة، فلم يدرك رؤساء التحرير الحاليين، والسابقين لهم قليلا في الصحف القومية – الذين يفتقون المهنية الحقيقية في استيعاب التكنولوجيا – أن زحف الصحافة الإلكترونية أصبح أمر حتميا نال كثيرا من (صاحبة الجلالة)، بينما هم يغطون في نوم عميق، بينما شاخت المهنة بفعل عدم تجديد دمائها بالشباب والأفكار طوال السنوات الماضية.

لسنوات طويلة، ظلت الصحافة (ورقية أو الكترونية) وفية لقوالبها الموروثة: (مقال مكتوب، تقرير مصور، نشرة أخبار صوتية أو متلفزة، بث لايف لحدث كبير، حوارات مطولة مع مشاهير أو أبطال لحدث مؤقت)، لكن ذلك الولاء لم يشفع لها أمام طوفان المحتوى الذي اجتاح المنصات، فصار الخبر الجاد يخفت أمام رقصة على (تيك توك)، والتحقيق العميق يتوارى خلف ترند للعبة جديدة أو تحدي تافه على فيسبوك.

تلك حقيقة مؤسفة بوصف (خالد صلاح)، الذي عرف منذ ربع قرن باستيعابه فروض العصر الجديد، وراهن على الصحافة الإلكترونية، ليست كبديل للصحافة الورقية، بل داعم أساسي لها تلبية لاحتياجات جيل جديد من الشباب الذي تفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك، انستجرام، إكس، تيك توك)، حتى أصبحت بديلا سريعا لوسائل شاخت في عصر السرعة.

أفكار (خالد صلاح) الذكية لإنقاذ الصحافة المصرية
لم تعد تلك القوالب قادرة على المنافسة ولم يعد للصحافة بريقها في عين القراء

قوالب قادرة على المنافسة

يؤكد (خالد صلاح) في طرحه الذي يحتاج إلى مناقشة جادة قائلا: اليوم، لم تعد تلك القوالب قادرة على المنافسة ولم يعد للصحافة بريقها في عين القراء، أو في ميزانيات المعلنين، فالمعلن هو مستهلك للمحتوى أيضاً.. نعم أصبح للمعلن متطلبات جديدة تستدعي الوصول بسهولة للمستهلك على طريق المعلومات السريع.

لقد أصبح المعلن يدير ميزانيته حسب ما يشاهده، وحسبما تشير أرقام (الريتش واللايكات) إليه على منصات السوشيال ميديا، وحسبما توجهه لوغاريتمات فيسبوك ويوتيوب وتيك توك، في ظل أن قيمة الكلمة المكتوبة أو التحقيق الجاد تتوه وسط في دهاليز هذه الفوضى، ولا يبقى للصحف إلا الفتات.

مرت أيام على طرح (خالد صلاح)، ولم يتحرك ساكنا في الهيئة الوطنية للصحافة التي تسعى سعيا حثيثا لإسقاط ديون المؤسسات الصحفية الآن، ولا تدرك حقيقية عصر المعلومات السريع بتهيئة المناخ المناسب لاستعادة دور الصحافة من خلال خطط تدريبية تفهم وتعي طبيعة العصر.

وفي هذا الصدد يؤكد (خالد صلاح): من هنا، تتآكل المؤسسات الصحفية واحدة تلو الأخرى، وتدخل معظمها في أزمات مالية طاحنة، ليس لأنها فقدت المصداقية، بل لأنها فقدت اللغة التي يفهم بها الناس العالم من حولهم، والسؤال الآن: كيف يمكن أن نفكر في قوالب أكثر مرونة لصناعة الأخبار، دون أن تفقد هذه الصناعة مكانتها وهيبتها ووقارها ومصداقيتها لدى الناس؟

وفي نفس الوقت يتساءل (خالد صلاح): كيف تصبح صناعة الصحافة جذابة بدون ابتذال، وشيقة بلا ميوعة، وحاصدة للرتيش واللايكات دون هز وسط ومطاردة جنازات المشاهير التي أصبحت آفة الصحافة المصرية مؤخرا، حين اتجهت لنبش القبور والتفتيش في عقول النجوم؟

الجواب عند (خالد صلاح) يتمثل في جرأة اقتحام قوالب صحفية جديدة تصمد أمام تحديات الذكاء الاصطناعي، وتنافس فيض المحتوى على المنصات، ويتحقق هذا في اقتراحي بأن نقوم بتوسيع مفهوم الصحافة لتبني قوالب فنية جديدة ودمجها في صناعة الأخبار مثل (الدراما القصيرة، والأغنية، والموشن جرافيك، وأفلام الكارتون المبسطة التي نستخدمها في تقديم الأخبار الجادة، وشرح ما وراء الخبر) .

أفكار (خالد صلاح) الذكية لإنقاذ الصحافة المصرية
أصبحت الدراما تكتب التاريخ حاليا

الدراما تكتب التاريخ

ياسادة: أرجوكم أن تناقشوا مقترحات (خالد صلاح) في مسألة دمج الصحافة مع الدراما والفنون، فربما تكون مدخلاً إبداعياً نحو عصر جديد لصناعة الخبر، وخاصة أن الدراما الآن أصبحت ظاهرة فرضت نفسها وتحظى بمشداهات كبيرة للغاية، بعدما أصبحت بديلا للكتاب الورقي والصحيفة الورقية والإلكترونية بحيث أنها تكتب التاريخ حاليا.

ولأن (خالد صلاح) تلميذ نجيب لعصر التكنولوجيا منذ ربع قرن، فهو يشير إلى حقائق مهمة استمدها من تجاربه المهنية المهمة في الصحافة الإلكترونية، حيث يقول: لو فهمنا أن الناس لا تكتفي بالمعرفة، بل تطلب أن تشعر بها وأن القصة حين تُروى بلغة المشهد، تظلل أعمق أثراً من كل بيان أو بوست مكتوب أو مقال مطول

وضرب (خالد صلاح) مثلاً: أن نقدم تغطية أزمة غلاء الأسعار عبر مشهد تمثيلي من بيت مصري حقيقي، بدلًا من تقرير جاف، أو أن نروي مأساة التحرش من خلال مونودراما صوتية تمثل صوت الضحية، أو أن نحكي قصة شهيد في مشهد بصري يتنقل بين لحظة الفقد، وأثر الغياب، والعدالة المؤجلة.

وتخيل مثلاً أننا نقدم نشرة أخبار رقمية من خلال مشهد درامي لأسرة صغيرة من أب وأم وثلاثة أولاد يتبادلون حديث شيق في الصباح أو المساء ونسمع كل الأخبار على لسان هذه الأسرة ، أو أن المقال التحليلي نسمعه في حدوتة يرويها جد مثقف لأحد أحفاده يومياً في قالب درامي شيق.. أليس هذا ما تفعله الدراما حاليا؟

ما يطرحه (خالد صلاح) هنا من أمثلة هى مجرد تصورات أولية يمكن أن يتم دعمها وصقلها داخل كل غرفة أخبار بطرق أكثر عمقاً، لتحقيق غاية جذب جمهور السوشيال ميديا إلى الأخبار الجادة مرة أخرى دون أن يشعر هذا الجمهور بالملل أو الرتابة والتكرار .

وهذا أمر يتطلب أن تعتمد مناهج التدريس في كليات الإعلام وأقسام الصحافة والإذاعة والتلفزيون مادة (الدراما) وصناعة المحتوى بالذكاء الاصطناعي، بهدف تأهيل أجيال تعى وتفهم كيفية تحول الصورة في قالب الفيديو المصحوب بالموسيقى والحركة التي تخاطب أجيال أصبحت ثقافة مستمدة من وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن هنا يشير (خالد صلاح) إلى أن الدراما الطويلة أو القصيرة ليست خصمًا للصحافة، بل فرصة ذهبية أمامها في زمن الفيديو القصير، واللقطة التي تسبق المقال، يمكن للصحفي أن يتحول إلى كاتب مشهد، ويمكن للمعلومة أن تقدم في صورة، وصوت، وتمثيل، دون أن تفقد جوهرها الجاد أو معانيها العميقة .

أفكار (خالد صلاح) الذكية لإنقاذ الصحافة المصرية
كان برنامج (حياتي) عيد تجسيد الجرائم، أو المشكلات العاطفية في دراما قصيرة

برنامج سباق بالفكر التلفزيوني

ويوضح (خالد صلاح): للتبسيط أسأل حضراتكم، من منكم يتذكر برنامج (حياتي) في التليفزيون المصري من تقديم القديرة (فايزة واصف)، حيث كانت تعيد تجسيد الجرائم، أو المشكلات العاطفية في دراما قصيرة، ثم تفتح الباب للتحليل والمناقشة، فهذا البرنامج كان سباقا بالفكر التليفزيوني، وما أدعو إليه اليوم يشبه هذا التوجه المبكر في الإعلام المصري في عصر ما قبل فوضى السوشيال ميديا.

ويقدم لنا (خالد صلاح) طرحه مدعوما بأن هناك تجارب أولية نحو هذا النهج في بعض المؤسسات الإعلامية الدولية، وإن لم تكتمل بعد تحت العنوان الذي أدعو أنا إليه من (دمج الدراما في صناعة الأخبار.

ومنها (واشنطن بوست) مثلاً: أعادت تمثيل (تقرير مولر السياسي) حول اختراق الانتخابات الأمريكية كمشاهد درامية على يوتيوب، و bbc صنعت دراما حقيقية من ملفات صحفية، لتحقيقات استقصائية مثل مسلسل Three Girls حول الاستغلال الجنسي .

صحيح أنها تجارب غير مستمرة، ولم يتم التعامل معها حتى الآن باعتبارها (خط إنتاج جديد) لكنها إرهاصات تشير إلى احتمالات ميلاد شئ ما، ونحن أمامنا فرصة هنا في مصر (للتجريب والإبداع).

والسؤال: هل قرأ رئيس الهيئة الوطنية، ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام، ومن فوقهما رئيس المجلس الأعلى للإعلام مقترحات (خالد صلاح) العملية لإنقاذ حال الصحافة  الورقية والإلكترونية أمام تحديات تقنيات الذكاء الاصطناعي التي اجتاحت الفضاء التخيلي؟

أعتقد أن تلك الهيئات الثلاثة، لابد وأن تأخذ مقترحات (خالد صلاح) على محمل الجد، لأنه إذا فتحنا الباب نحو دمج الفنون في صناعة الأخبار فإن فضاء الإبداع سيتسع أكثر وبلا حدود ، ولن يقتصر على الدراما وحدها بل الأغنية، التي يمكن أن تحمل مضمونًا صحفيًا مثل (الراب السياسي)، والـ (موشن جرافيك)، الذي يشرح قصة اقتصادية معقدة في دقيقة.

أفكار (خالد صلاح) الذكية لإنقاذ الصحافة المصرية
هذه المنتجات الجديدة ليست فقط أدوات للوصول إلى القراء في قوالب جديدة

إعادة تمثيل الأحداث

إن إعادة تمثيل الأحداث الحقيقية (Reenactment) الذي يجعل الجمهور يعايش الخبر، لا أن يسمعه في جمود ورصد معلوماتي جاد أصبح ضرورة حتمية في ظل انتشار المنصات التي تبث الدراما الاجتماعية والكوميديا ودراما الفانتازيا القائمة على الخيال الذي أصبح الواقع يسبقه بسنوات ضوئية، مايؤكد أننا نعيش عصر الدراما بامتياز.

يوضح (خالد صلاح): هذه المنتجات الجديدة ليست فقط أدوات للوصول إلى القراء في قوالب جديدة، بل هي أيضاً منتجات إعلانية محتملة، ومنتج جديد يمكن تقديمه للمعلنين لفتح أبواب أخرى لموارد المؤسسات الصحفية .

وينهي (خالد صلاح) طرحه قائلا: أريد في الختام التأكيد على حقيقتين: 

الأولى أنني لا أعلن موت الصحافة بقوالبها الحالية، بل أبحث لها عن حياة جديدة من خلال منتج جديد .

الثانية: المهمة ليست سهلة لكنها ممكنة، ولو بدأت كل غرفة أخبار حالية الاجتهاد بقوالب جديدة من الدراما أو الأغنية أو الكوميك ، سيؤدي هذا (الأداء التجريبي) إلى تعظيم قدرتنا على إعادة خلق هذه الصناعة من جديد .

وأقول في النهاية: دعونا نستوعب الأفكار الجديدة التي يطرحها الكاتب الصحفي المستنير (خالد صلاح)، فهو القائل: (الصحافة المصرية من وراء القصد)، وهو ما يعني حرفيته في ابتكار وسائل جديدة، ومن ثم على المؤسسات الصحفية التحول الفوري إلى (الرقمنة)، خاصة أن هذه المؤسسات تحوي في أحشائها كنوزا مهولة يمكن تدر عوائد مليونية لو أحسنا استغلالها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.