رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شريف عبد الوهاب يكتب: انطلاقة تعيد بريق دراما (الإذاعة).. دراما إف إم

شريف عبد الوهاب يكتب: انطلاقة تعيد بريق دراما (الإذاعة).. دراما إف إم

شريف عبد الوهاب يكتب: انطلاقة تعيد بريق دراما (الإذاعة).. دراما إف إم
مشروع ثقافي واستراتيجي يعيد الاعتبار لفن دراما (الإذاعة)

بقلم الاذاعي والكاتب: شريف عبدالوهاب *

في عيد الإعلاميين، وبينما نحتفل بمرور تسعين عاماً على انطلاق (الإذاعة) المصرية، كانت الرؤية حاضرة لدى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الكاتب الصحفي (أحمد المسلماني)، ورئيس الإذاعة المصرية محمد نوار، لإطلاق مبادرة تليق بهذا الجهاز العريق الذي لم يكن ناقلاً للخبر فقط، بل كان صوتاً للتنوير والترفيه، ومصدراً للثقافة الشعبية.

لقد استطاع راديو (الإذاعة) عبر الأثير أن يكوّن وجدان أجيال، حتى قال الأديب يوسف إدريس ذات مرة: (مشكلة المصري أنه مثقف زيادة عن اللزوم… لأنه بيسمع راديو)، من هنا، ولدت فكرة تدشين أول إذاعة عربية متخصصة في الدراما، تحمل اسم (دراما إف إم) لتعيد سحر الحكاية المنطوقة في (الإذاعة) في زمن كثرت فيه الشاشات وتداخلت الوسائط.

شريف عبد الوهاب يكتب: انطلاقة تعيد بريق دراما (الإذاعة).. دراما إف إم
وسيط مستقل يعتمد على الخيال والصوت والموسيقى

مشروع ثقافي واستثماري

(دراما إف إم) ليست فقط انطلاقة إذاعية جديدة، بل مشروع ثقافي واستراتيجي يعيد الاعتبار لفن دراما (الإذاعة)، ويمنحه روحاً جديدة تتماشى مع تطورات العصر الذي يضج بالدراما التلفزيونية وعلى المنصات الرقمية. (الإذاعة) ليست بديلاً للتلفزيون أو للمنصات الرقمية، بل وسيط مستقل يعتمد على الخيال والصوت والموسيقى، ويمنح المستمع دوراً فاعلاً في بناء المشهد.

لكن النجاح لا يأتي بالشعارات، بل بخطة واضحة ترتكز على محاور ثقافية واقتصادية قادرة على تحويل هذه القناة إلى منصة جماهيرية ذات تأثير مستدام تماما مثلما يحدث في وسائل الميديا الأخرى.

أولاً: إحياء التراث وبعث الأصوات

تمتلك (الإذاعة) المصرية أرشيفاً درامياً هائلاً، يضم أعمالاً نادرة لكبار المبدعين. إعادة ترميم هذه الأعمال رقمياً وبثها في برامج تحليلية مثل (كنوز الإذاعة)، يمكن أن يشكّل جسراً يربط الأجيال، ويعيد تقديم هذه الكنوز في سياق معاصر يفهمه الشباب ويقدّره الكبار.

ثانياً: منصة لاكتشاف المواهب

(دراما إف إم) يمكن أن تكون حاضنة لمواهب شابة في مجالات التأليف والتمثيل والإخراج والموسيقى التصويرية.. مسابقات تفاعلية مثل (نجوم الميكروفون) قد تكون البوابة لاكتشاف جيل جديد من المبدعين يعيدون للدراما الإذاعية نضارتها.

ثالثاً: شراكات مع المؤسسات التعليمية

بالتعاون مع المعاهد الفنية وكليات الإعلام، يمكن تحويل (الإذاعة) إلى معمل تدريبي حي، يمنح الطلاب الفرصة لتطبيق ما تعلموه، ويكسبهم خبرة حقيقية في صناعة المحتوى الإذاعي، مما يخلق علاقة تكاملية بين التعليم والإنتاج.

رابعاً: دراما توعوية بعمق إنساني

دراما (الإذاعة) يمكن أن تكون وسيلة فعالة لنقل رسائل توعوية في قضايا البيئة والأسرة والعنف المجتمعي، دون خطاب مباشر أو تقريري.. قوة الحكاية تكمن في قدرتها على التأثير دون وعظ، وهذا ما يجعل الدراما أداة تغيير حقيقية.

خامساً: نموذج اقتصادي واعد

(الإذاعة) ليست مجرد منبر ثقافي، بل يمكن أن تكون مشروعاً اقتصادياً ناجحاً إذا ما أُديرت برؤية تسويقية ذكية.. الإعلان المدمج في السياق الدرامي يترك أثراً أعمق من الإعلانات التقليدية، كما أن رعاية الشركات للأعمال الإذاعية تمثل مورداً مالياً مستداماً.

يمكن أيضاً تطوير تطبيق رقمي خاص بالقناة يتيح الاستماع حسب الطلب، مع محتوى متميز مدفوع، كذلك فإن تسويق الأعمال عربياً أو ترجمتها إلى لغات أخرى يمثّل باباً لتصدير الثقافة العربية ومصدر دخل جديد.

شريف عبد الوهاب يكتب: انطلاقة تعيد بريق دراما (الإذاعة).. دراما إف إم
إعادة بث أعمال درامية كلاسيكية وبرامج توثيقية عن صناعة العمل

خارطة برامجية مدروسة

لجذب الجمهور، يجب أن تتمتع القناة بتنوع زمني وبرامجي:

الصباح: برامج خفيفة مثل (صباح الدراما)، تدمج بين المتعة والإلهام.

الظهيرة: إعادة بث أعمال درامية كلاسيكية وبرامج توثيقية عن صناعة العمل.

المساء: عرض مسلسل يومي جديد، إلى جانب برامج تفاعلية مثل “اكتب معنا”.

الليل: “حدوتة قبل النوم” وموسيقى تصويرية تُطلق العنان للخيال.

في هذا السياق، لا بد من توجيه الشكر لرئيس الهيئة الوطنية للإعلام (أحمد المسلماني)، على دعمه للفكرة وإيمانه بقدرة (الإذاعة) على النهوض من جديد.. كما نثمّن دور (محمد نوار)، رئيس الإذاعة المصرية، الذي تولى التنفيذ بإخلاص، ومعه فريق عمل آمن بالحلم وعمل على تحويله إلى واقع.

في الختام

(دراما إف إم) ليست إذاعة عادية، بل خطوة على طريق استعادة الريادة الثقافية، وإثبات أن الصوت لا يزال قادراً على اختراق الضجيج إذا ما اقترن بالإبداع.. إنها لحظة مفصلية تتطلب خيالاً وشجاعة، وإرادة للاستثمار في الإنسان والمحتوى.

فلنُعِد للصوت سحره، وللحكاية مجدها، ولنمنح الأثير حياةً جديدة.

* كاتب درامي – رئيس الشبكة الثقافية بالإذاعة المصرية الأسبق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.