

بقلم الكاتب الصحفي: أحمد الغريب
بمرور الأيام تتراجع شعبية رئيس وزراء الاحتلال (بنيامين نتنياهو) داخل إسرائيل بشكل أصبح واضح للجميع، وبات الجميع يرى فيه شخصية متطرفة عدوانية هدفها الوحيد البقاء في الحكم والسلطة بغض النظر عن أي إعتبارات أخرى.. الإعلام الإسرائيلي ذاته، لا يتوقف عن ملاحقة ( نتنياهو) وتسليط الضوء علي تدنى شعبيته ليس داخل إسرائيل فحسب ولكن في العالم أجمع.
كان لافتاً ما كتبه (شافي جاتنيف) في موقع (العين السابعة)، المتخصص في شؤون الإعلام الإسرائيلي والحريات، بتأكيده على أنه وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، قاطع (نتنياهو) وسائل الإعلام الإسرائيلية، واقتصر على إجراء مقابلات للصحافة في الخارج.
موضحاً إنه وخلال عام ونصف العام منذ اندلاع الحرب، عقد 19 مؤتمرًا صحفيًا عامًا، أولها بعد 21 يومًا من أفدح خطأ في تاريخ الدولة، وذلك فقط إثر ضغط شعبي طالبه بالظهور أمام وسائل الإعلام، لكنه لم يتحمّل مسئولية الفشل، لا في ذلك الوقت، ولا في أي وقت مضى.
وأضاف أنه في المؤتمرات الخمسة الأولى، ظهر (نتنياهو) أمام الصحفيين برفقة وزير الدفاع السابق (يوآف جالانت)، ورئيس المعسكر الرسمي (بيني جانتس)، الذي انضم للحكومة بعد الفشل الأمني الخطير، وساهم بمنع سقوطها.

فاقد الثقة بنفسه
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل زاد بقوله (في هذه المؤتمرات، رأى الإسرائيليون (نتنياهو) شاحبًا ومفتقرًا للثقة بالنفس، محاولًا استغلال زميليه لإيصال رسالة الوحدة المزيفة، وخلق انطباع وهمي بتقاسم تحمّل مسئولية الفشل، وبعد أن استعاد ثقته بنفسه، بعد شهرين تقريبًا من الهجوم، في ديسمبر عقد مؤتمره الصحفي الأول منفردًا).
وهنا يشير الكاتب (شافي جاتنيف) إلى أن (تحليل المؤتمرات الصحفية التي عقدها (نتنياهو) منذ هجوم السابع من أكتوبر يُظهر أن قسمها الأول تم في الأشهر الستة الأولى من الحرب، عُقدت المؤتمرات الصحفية على فترات تتراوح من 3-14 يومًا، حيث جاء المؤتمر الثاني أواخر مارس 2024، بعد توقف دام ثلاثين يومًا، وهو أطول توقف حتى تلك النقطة..
وبالنظر للماضي كان نقطة تحول أشارت لتراجع مؤسسة المؤتمرات الصحفية، وهي الرابط المباشر الوحيد المتبقي بين نتنياهو ووسائل الإعلام الإسرائيلية).
وأوضح أن القسم الثاني من هذه المؤتمرات الصحفية جاء بعد فترة صمت أطول، حيث عُقد المؤتمر التالي في 13 يوليو بعد توقف دام 104 أيام، ثم في 2 سبتمبر بعد 51 يومًا، وفي 9 ديسمبر مرة أخرى، بعد 98 يومًا من الصمت.
ومنذ ذلك الحين، حافظ (نتنياهو) على مقاطعة كاملة وشاملة للصحافة الإسرائيلية، ولم يظهر إلا بمقاطع فيديو مُحرّرة ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في عروض منظمة على القناة 14، قناته الدعائية المخصصة.
وأكد أنه مع استمرار رفض (نتنياهو) عقد مؤتمر صحفي، يتزايد التساؤل حول ما إذا كانت دولة الاحتلال على أعتاب الفترة الثالثة حيث سيتوقف فيها عن عقد المؤتمرات الصحفية تمامًا، لأنه بينما تتناقص مؤتمراته الصحفية.
فإنه يختار التواصل مع الجمهور بطريقة أحادية الاتجاه من خلال عشرات مقاطع الفيديو لتصريحات مسجّلة مسبقًا، دون فرصة للأسئلة؛ ومئات البيانات الصحفية والمنشورات ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل؛ ومقابلات في الخارج، لا سيما على قناة (فوكس نيوز) المؤيدة لترامب، ومع المؤثرين على الشبكات”.

إعلام اليمين المتطرف
كما لفت إلى أن ظهور (نتنياهو) داخل دولة الاحتلال فهو مقتصر على قناته الدعائية 14، فيما استمرت مقاطعته للمقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية لأكثر من أربع سنوات، وضد البث العام لأكثر من خمس سنوات ونصف.
وبهذه الطريقة، يمنع الجمهور الإسرائيلي من تلقي رواية منه غير مُعدّة سلفًا ولا مُحرّرة من قِبل دعايته، في وقتٍ تُواجه فيه الدولة حربًا مُتعددة القطاعات، وتُوشك أن تكون الأطول في تاريخها، فضلًا عن حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، وعشرات المختطفين الذين لم يعودوا بعد.
وأكد أنه في الوقت نفسه، زاد (نتنياهو) من وتيرة هجماته على الإعلام الإسرائيلي، وتبنّى المصطلحات المُحرّضة والمُثيرة للجدل لـ (آلة السموم)، وهى آلية الدعاية التي تُروّج لرسائله، مما مكّنه في السنوات الأخيرة من تمييز نفسه عن الرسائل الأكثر سميةً وضراوة.
وتهدف مقاطعته هذه لمنعها من توجيه أسئلة مُحرجة وغير سارة إليه، بعد أن كانت المؤتمرات الصحفية بمثابة حل وسط، حيث سُمح لعدد محدود فقط من الصحفيين بطرح سؤال واحد لكل منهم، ولكن مع تدهور وضعه، يبدو أن هذا الوضع كان مُرهقًا للغاية بالنسبة له.
وأشار إلى أن قائمة الأسئلة المُحرجة لنتنياهو حول مواضيع مُتنوّعة، كان من المفترض أن تُوجّه إليه تطول، إضافة للأسئلة البديهية حول رفض إطلاق سراح الرهائن، وفشل صفقات إعادتهم، ورفض تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وإطالة أمد الحرب بلا هوادة بدافع المصلحة الائتلافية، وأموال الائتلاف التي نمت رغم امتدادها لأزمة اقتصادية، وغيرها، ومحاولة إقالة النائب العام ورئيس الشاباك، وغيرها.

الاقتداء بالمتطرفين
في سياق مماثل، جاء حديث (يائير جيل) أستاذ التصوير في قسم الاتصالات بجامعة حيفا وكلية (جوردون)، في مقال نشره موقع (العين السابعة) على التقاط رئيس الحكومة (نتنياهو) لصور أثناء رفع قبضته في خطاباته الشعبوية.
مؤكدا أنه يحاول تقليد عدد من زعماء العالم لتعويض الورطات التي يعاني منها داخليا وخارجيا، وأشار إلى أن ذلك حدث تحديدا خلال خطابه بمؤتمر وكالة الأخبار اليهودية (JNS) أواخر أبريل الماضي في القدس.
وذكر (جيل) أن (نتنياهو) عندما يُصوَّر وهو يرفع قبضته، فإنه يدخل ناديا كبيرا ومتعدد الأوجه ممن سبقوه في هذه الحركة، فقد استخدم حركة (كاخ) الصهيونية المتطرفة رمز القبضة، كما استخدمها رئيس الحكومة الراحل (مناحيم بيجن)، لكن أشهر من رفع القبضة هو (نيلسون مانديلا) في نضاله ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وأضاف: أن حركة قبضة (نتنياهو) جاءت من اتجاه مختل، فقد تحدث باللغة الإنجليزية، أمام جمهور ملتزم أيديولوجيًا، استعرض أمامه بارتياح إنجازاته الأمنية، إضافة للتحديات التي واجهته، وستواجهه.
وأظهر ثقة مصطنعة أمام وسائل الإعلام اليهودية الدولية، التي يشعر بالراحة تجاهها، على عكس وسائل الإعلام الإسرائيلية المحلية، وهو الذي يعترف بأنه قليلا ما يلتقي بالصحفيين الإسرائيليين، بزعم أنه لا جدوى منهم.
وأوضح أن (نتنياهو) رفع قبضته عندما تحدث عن جنود الجيش الذين يقاتلون في غزة، بعضهم جرحى، أحدهم فقد أحد أطرافه وساقيه، ولديه ساقان اصطناعيتان وذراع، هنا يرفع قبضته، لكن الغريب أن (نتنياهو) لم يقل إنه سمع ورأى هذا الجندي بنفسه، ولم يذكر من هو، ومن أي وحدة، ولم يذكر اسمه أيضًا، ولم نسمع عنها في الصحافة العبرية”.
واستدرك الكاتب بالقول إن (نتنياهو) لعله استخدم قصة هذا الجندي (المجهول) كرمزٍ لحالته الجريحة؛ بعد تلاشي أقرب مقربيه، بات يُتهم في مظاهراتٍ حاشدة بأنه المسئول الأول عن أهوال الحرب، وإخفاقاتها؛ ومُحاطٌ باتهاماتٍ قانونيةٍ، ونقاشاتٍ لا تنتهي.
ومحدودٌ في تناوله العلني للقضايا التي تهمّه بسبب تسوية تضارب المصالح الناتجة عن اتهاماته الجنائية؛ بجانب ضغوطه العائلية، كما أن صحته ليست على ما يرام أيضًا”.
إجمالاً: يمكن القول أن حرب غزة المتواصلة منذ 19 شهراً دون هوادة عرت معها (نتنياهو) وكشفته أمام الجميع داخل إسرائيل وخارجها، وللحديث بقية..