
بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
لقد عشقت كل الفنون حين أدركت أنها جميعاً ترتبط ارتباطاً مؤكداً بسمو الإحساس وتنمية المعارف وقيم الولاء والانتماء، بعيدا عن أي (فنون ساذجة)، وكلما زادت معارفي واختلطت بالمبدعين الحقيقيين يزداد شغفي بالبحث عن لماذا (شارلي شابلن)، ذلك النجم متعدد المواهب سجل اسمه في تاريخ الإبداع فأصبح أحد رموزه في القرن العشرين.
لقد تدرج من السينما الصامته معتمداً على التعبير الحركي وانفعالات الوجه، ثم مخرج ومؤلف وقدم الموسيقي التصويريه كمؤلف موسيقي، وخدم الوعي الإنساني بتقديم النقد الاجتماعي والسياسي، فقد كانت لدية رؤية ومواقف لخدمة تنمية الوجدان وأكد أن للفن رساله إنسانيه وليس للترفيه فقط، وهو ما أدركته بعد مشوار طويل واطالب به دائماً.
على الفن الاهتمام بجانب المتعة البصرية أن يقدم قيمة مضافه للعقل الجمعي وأعتقد أصبح حتمياً البعد عن (فنون ساذجة) في ظروف نمر بها الان والعالم، من هنا دخل شابلن التاريخ وسُجلت مواقفه من معادات النازيه والدكتاتوريه والتفاوت الاجتماعي ونعرف مواهب نجم آخر كلينت استود ممثل ومخرج وموسيقي ثم (ديفد لينش) مخرج وموسيقي ورسام ومهندس للصوت.
وزاد يقيني أنه حين تستمتع بالموسيقى فأنت تستمتع باللوحه وتشعر بالريتم في الشعر وتستمتع بجماليات الفن السابع فتشعر ببراعة (اللاند سكيب)، ومونتاج الأفلام ودراما وتوافق الأحداث وليس من الضروري ممارسة إبداع (فنون ساذجة) في كل الحالات فقد يكون الاستقبال والتفاعل مع الإبداع هدف في ذاته.
فحين أحببت الرسم والتشكيل أردت ان أتعامل مع وسائط جديدة وبعضها، تم التعامل معه.
فتعاملت وأنا طالب في كلية الفنون مع الزجاج وانتقلت إلى السجاد، ولفت نظر معظم الحضور في بداياتي ثم التوال والخشب، وأيقنت أن الأهم هو اختيار ما أرسمه فرسمت الريف بجماليّته وعلاقته التشكيليه الثريه بين الأرض والسماء التي يخترقها في شموخ النخل وجماليته والمباني التي لايزيد ارتفاعها عن أربعة أمتار أبراج.

إبراهيم ناجي في (الأطلال)
الحمام والطيور والنساء ودام عشقي للريف مختلط لزمن كان فيه الشعر والكلمة، وكذلك الغناء فأستمع لشمس الأصيل وإبراهيم ناجي في (الأطلال)، ثم الغناء للنيل وجماله، ثم تحول الريف إلى مسخ وظهرت الارتفاعات وسافر الشباب وعاد للقهوة والسايبر والتوكتك.
فتحول عشقي إلى النيل وكان آخر معرض لي باسم (حابي الحياة) بدار الأوبرا وقاعة صلاح طاهر بحضور معظم نجوم الثقافة والفن والتنوير الحقيقي.
لقد اهتممت بالخط وتعاريجه ولم أشاهد تعاريج أكثر ابداعاً من ثلاث هم المرأة والخيل والطيور فأخذت مني فتره أظهرت فيها تلك الجماليات وأصبحت لوحاتي في بيوت نجوم مصر والسفارات في معظم الدول العربية بعيدا عن (فنون ساذجة).
تعاريج) روايتي الأولى تتحدث عن مصر منذ 1967 إلى 2011 لتظهر تعاريج تلك المراحل من خلال مراهق من الريف نزح لمصر، أدرك تعاريج النساء فكان مدرك لتعاريج الحياة، فهو من بطن الأرض وفيها تحدثت عن مرحلة نجوم الكاسيت مروراً بمشاهداتي في مسيرتي من خلال استديو الصوت ووحدة التصوير وتعاملي مع كبار النجوم.
وقدمت البطل قارئ جمعته الظروف برجال التنوير والوعي والثقافة، فكان طلقه في كبد الحقيقة، ولحسن حظي كانت من إصدارات دار الشروق وحققت نجاحاً كبيراً فقد كتب عنها الكبير د. صلاح فضل نصف صفحه في أحد الصحف المهمه رواية من بطن الأرض تحدثت عن مصر والريف ودمنهور والفن والمسخ والعار.
كتبت صرخة (محمد نوح) لتعريف الشباب بفنان حقيقي عشق مصر ولم يتصالح بعض أبطال الإعلام معه، فلم تذاع إلا أقل من عشرة في المائه من قدراته فهو كتلة إبداع من ثقافه وإخراج وتمثيل ودارس للموسيقى في جامعة استانفورد في أمريكا وتعزف موسيقاه في فرنسا والصين.
وقدم مع (صلاح چاهين، وجلال الشرقاوي) أهم أوبرا شعبية موسيقية مسجلة مع الفولهارموني بلندن، إنها دعوة لتكريس الجراءة على ممارسه الإبداع دون خوف ولا حسابات، أنتج وأكتب وأعزف والأيام تحكم على ما قدمت، قد تنتج إبداعاً في زمن طيب أدعوك أن تستمر القادم قد يكتشف مواهبك.

العبقري (حسين كمال)
(سيد درويش) زادت جماهيريته بعد أن ترك الحياة بما يقرب من ثلاثون عاماً، كذلك فيلم باب الحديد فشل في السينما في عرضه الأول في الخمسينيات، الان من علامات الإبداع وبالمثل فيلم (المستحيل) للعبقري (حسين كمال) وبطولة (نادية لطفي، وكمال الشناوي وسناء جميل)، والقصة لمصطفي محمود تأكيداً لعظمة الابداع حين يتوافق الإرسال مع الاستقبال.
إن الفن يعرض ولا يفرض، والفنان لدية حتمية الصدق لما يراه يجعلنا نتصالح مع الجمال، وننبذ القبح من (فنون ساذجة)، ومن هنا أنادي أن يكون الفن قادراً على تقديم قيمة مضافه لا (فنون ساذجة)، وليس لتكريس البسمة والضحك الأجوف، وأعتقد تلك مرحلة في أشد الحاجة لتأكيد قيم الولاء والانتماء.
الفن التشكيلي أصبح بلا فرز، واختلط الصالح بالطالح رغم وجود عمالقة نحن بلد (محمود سعيد ومختار وسيف وأدهم والي وراغب عياد وفاروق حسني والبناني والدواخلي والجزار) وإعداد كبيره.
الآن الكل يرسم (فنون ساذجة)، ويبدأ بالتجريد وهو لا يستطيع أن يرسم بطة بالنسب السليمه مجرد خطوط وألوان وناس بعضها طيب.
لدينا عظماء أنبهر بهم لكن وسط تلال إرهاصات دون فرز ونقد موضوعي للتصالح مع الجمال الحقيقي.. الجمال ياساده يبدأ بإحساس فردي كحب الحبيب بجمال حبيبته وهو متغير في التفاحه ويصيبها، عطب والسيدة الجميله يفترس جمالها الزمن.
وهنا يتدخل الفن بالتدريب والتعليم وخلق مناخ للإحساس بالجماليات، وهنا يتحول وينتقل إلى سلوك، وكما عرفة الفيلسوف الألماني (ألكسندر بو مجارتن) في القرن الثامن عشر (المعرفه العقلية تبحث عن الحقيقة اما المعرفه الحسية غايتها الشعور والسمو والارتقاء فتبحث عن الجمال)، ويأتي من التناسق والتوازن والتناغم والترابط فيأتي بشعور السعادة.. حفظ الله مصر عريقة جميله تنطلق وتستحق.