(فاطمة جعفر): كتبت (شنطة سفر) لأنغام، وأنا في المطبخ بأغسل الأطباق وأبكي!

كتب: أحمد السماحي
(فاطمة جعفر) شاعرة مصرية كان وجودها في الساحة الغنائية بمثابة نسمة رقيقة في نهار صيف قائظ الحرارة، حيث قدمت عددا قليلا جدا من الأغنيات لأمير الغناء العربي هاني شاكر، وصوت مصر أنغام، والمطربة الرقيقة منى عبدالغنى، والمطربة المغربية فاطيما، والمطربة المغتربة أميرة.
ولحن لها أغنياتها كبار نجوم التلحين في مصر وهم (حلمي بكر، صلاح الشرنوبي، مدحت الخولي، إبراهيم نصير، ومحمد علي سليمان).
ورغم قلة إنتاجها الغنائي لكن أغنيات (فاطمة جعفر) وضعتنا أمام أنفسنا، ومشاعرنا بلا زيف وبلا تجميل وبلا تضليل، كانت أغنياتها مليئة بالصور الشعرية الرائعة، التى توسع المدارك.
وتفتح العيون، وتنير الأفئدة، وتشحن القلوب والصدور بتجارب إنسانية حية تدفع المتلقي إلى الإمام، وتغيره إلى الأفضل، وفي قيادته إلى المشاركة العاطفية والإنسانية الإيجابية في معترك الحياة.
ورغم كل هذا اعتزلت (فاطمة جعفر) الشعر الغنائي وارتدت النقاب، نظرا لظروفها الشخصية والعائلية، ولأن الله وهبها روحا فطرية محبة للعلم والثقافة.
فقد اشتغلت على نفسها كشاعرة وإنسانة، ولأن العلم كالمال يفتح شهية من يحبه للإستزادة منه إلى ما لا نهاية، لهذا لم يقف طموح (فاطمة جعفر) عند حد كتابة الشعر الغنائي فقط بل حصلت على الدكتوراه في الصحة النفسية، ودبلومة في التنمية البشرية، ودبلومة في الإرشاد الأُسري.
ولأنها ذات حس أدبي مبكر، وعلى علم بمصادر الأدب العربي، واللغة العربية، فقد صدر لها بالعامية المصريةً، ديوان (ورد ودم)، وديوان (غيْبوبة) عام 2022، وديوان (الأُخري) عام 2023، وتحت الطبع ديوان (ألوان ميَّة).

سر اعتزالها الشعر الغنائي
(شهريار النجوم) دق باب (فاطمة جعفر) وسألها عن سر ابتعادها عن الساحة الغنائية فقالت: أعتزلت الشعر الغنائي، نظرا لإقامتي في الإسكندرية، والساحة الغنائية كلها تتركز في القاهرة.
وكان من الصعب عليّ كإمرأة أن أترك بيتي، وأتواجد يوميا، في القاهرة، أو أتواجد بصفة منتظمة، لمتابعة أغنياتي وهى تلحن، خاصة أن الضرورة أحيانا تحكم الملحن أو المطرب لحذف أو إضافة كلمة أو جملة أو معنى!
لكن عموما لم أعتزل الشعر، وطوال السنوات الماضية اشتغلت على نفسي، وحصلت على الدكتوراه في الصحة النفسية، وأكثر من دبلومه، وأحاضربأكاديمية (La Foi، لافوا).
وأنا عضو في جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين بالقاهرة، وعضو الساسيم (sacem) الفرنسية، وعضو إتحاد كتَّاب مصر، عضو رابطة العالم الإسلامي العالمية.

معجبة بمنة القيعي
أكدت صاحبة أغنية (مش حبيبتك): أن الساحة الغنائية مليئة بالأصوات الحلوة، لكن نظرا لظروف عملها بالإضافة إلى التشابه بينهم لا يستفزها كي تتابع!، لكن من المفضلين لديَّها المطرب (بهاء سلطان) لأنه جمع بين التميُّز في الصوت والكلمة واللحن .
وعن الشعراء الذين ينالوا إعجابها حاليا قالت شاعرة (غلطة، وافرض، غنوا، طمن قلبك، نداني): (فيه شعراء كثيرين عندهم كلمة رائعة، يأتي في مقدمتهم الشاعر (وائل هلال) الذي يأتي على قمة الشعراء، وغيره من الشعراء الجادين).
و(لفت نظري مؤخرا بنت جديدة إسمها (منة القيعي) عملت حالة من البهجة في الأغنيات التى كتبتها وخرجت من حالات الحزن المسيطرة على الأغنية المصرية).


حدوتة شنطة سفر
عن ظروف كتابتها لأغنية (شنطة سفر) رائعة المطربة (أنغام) والموسيقار (محمد علي سليمان) قالت (فاطمة جعفر): كتبتها بدموعي!، والحكاية ببساطة أننا كنا 8 أخوات، نعيش مع بعض على الحلوة والمرة، مثل كثير من البيوت المصرية.
وفي أحد الأيام كنت في المطبخ أغسل أطباق الغذاء، ففوجئت بأقرب أشقائي إلى قلبي يخبرني بأنه قرر بصفة قاطعة السفر إلى دولة الإمارات، وأنه على وشك السفر، فظللت أستعطفه وأقول له لسه مصمم على السفر، طب ما تقعد شوية معانا.
وكنت في حالة حزن شديدة واستنكار لسفر أخي الحبيب، ووقفت أكمل غسيل الأطباق بشكل عشوائي مش مركزة خالص، وذكرياتنا المشتركة تتداعى، وتنهال علي.
فجاءت الأسئلة في ذهني متوالية: (لسة ناوي ع الرحيل؟ تفتكر مالهوش بديل؟ أعمل ايه) فجريت على غرفتي، وايديا مبلولة وطلعت القلم، وسجلت على الورق بداية الأغنية، وعدت لما كنت أفعله!
وفي آخر اليوم أخذت الورقة والقلم، وكتبت باقي الكلمات كلها بلا فاصل، إلَّا من بكائي، وانتهيت من كتابة الأغنية، وتركتها مع باقي كتاباتي.
وظلت الأغنية عندي، إلى أن دعيت لحفل زفاف كبير لإبنة إحدى معارفنا من الإسكندرية مقيمة بالقاهرة، وبعد الحفلة وأثناء (الدردشات) الليلية همستُ لصديقتي: (أنا حزينة لأني في معقل المبدعين من ملحنين ومطربين ولا أعرف حتى تليفون لأحدهم ليسمع أشعاري!).
فقالت لي: (لحظة واحدة ) وفتحت (الإيندكس)، وطلبت رقم أنا ماسمعتش الطرف الأخر، لكني سمعتها تقول: (عايزة أي رقم لأي ملحن عندكم).
وأخذت ورقة وقلم وكتبت رقم، وأعطتني الورقة وقالت لي: (معلهش هو معندوش حالياً إلا رقم محمد علي سليمان، ومحمد سلطان).
يومها (مانمتش)، وسهرت أرتب في النصوص، وفي الصباح اتصلت بالموسيقار (محمد علي سليمان) الذي رحَّب بي، وقال: (سمَّعيني)، فأسمعته نص غير (شنطة سفر)، فقال لي: (إنت شاعرة فعلاً يافاطمة، ممكن تيجي بكرة ومعاكي أشعارك).
وأعطاني عنوان البيت وقال لي: (إذا ماكنتش موجود فأنغام، ومامتها موجودين، لحد ما أوصل) فرحت جداً.

اتصلت برقم (محمد سلطان)
بعدها اتصلت برقم (محمد سلطان) وسبحان الله، رد عليَّ وأنا في ذهول وقال: (أنا في البيت قدامي ساعتين قبل ما أخرج تقدري تيجي وتسمَّعيني؟)، قلت له طبعاً حالاً
ووصلت وجلست أمامه، وقرأت عليه أكتر من نص اختار منها نص واحد كان بعنوان (يافارسي)، ووعدني أن يشتغل فيه ويكلمني.
وفي اليوم الثاني ذهبت للموسيقار (محمد علي سليمان)، وبدأت أقرأ عليه بعض أشعاري، وكل ما أقرأ نص يقول جميل، وفي النهاية، قال لي: (سيبي الورق كله، وأنا لما أختار أكلمك).
ورجعت اسكندرية ، وبعد (كام يوم) اتصل بي وحدد معي موعد، وقال لي في مطربة من المغرب ستكون موجودة معانا، وفي الموعد المحدد كنت في منزل (محمد علي سليمان).
وكان موجود هو وأنغام، والمطربة المغربية (فاطيما)، فلما قرأت عليهم كلمات (شنطة سفر)، قالت فاطيما: (أنا عايزة الكلمات دي)، فردت عليها (أنغام) قائلة: (لاااااا أنا اخترتها خلاص، قلَّها يابابا).
وضحكنا كلنا واختارت معها كلمات أغنية أخرى هى (مين اللي ادَّاك الحق)، وكانت ليلة ظريفة جداً ..
وبعدها رجعت إسكندرية، وفي أحد الأيام اتصلت بي (فاطيما) ودعوتها لمنزلي بالأسكندرية، وجاءت واختارت أربع نصوص لحنهم جميعا الموسيقار (صلاح الشرنوبي) هى: (وافرض، وغنوا) توزيع طارق عاكف، و(غلطة، وطمن قلبك) توزيع عماد الشاروني.
وعندما نزلت أغنية (شنطة سفر) مصورة بكليب رائع قام بإخراجه المخرج السينمائي عاطف الطيب، وشارك في بطولته النجم (طارق لطفي)، كسرت الأغنية الدنيا، ومازالت إلى اليوم ناجحة ومطلوبة.
هذه هي حكاية أغنية (شنطة سفر) على لسان صاحبتها الشاعرة (فاطمة جعفر)، وليست هناك حكايات أخرى، خاصة أن كثير من رواد مواقع التواصل الإجتماعي كتب أكثر من قصة حول هذه الأغنية تحديدا، فمنهم من قال أنها قصة حقيقية لأنغام، وغيرها من القصص.