رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

في الذكرى الـ 75 لرحيل قيثارة السماء (محمد رفعت): ننشر لأول مرة زجل بيرم التونسي عنه

في الذكرى الـ 75 لرحيل قيثارة السماء (محمد رفعت): ننشر لأول مرة زجل بيرم التونسي عنه
اتجه لدراسة الموسيقى كعلم له قواعد وأصول، فدرس موسيقى بيتهوفن، وموتسارت، وفاجنر

كتب: أحمد السماحي

كان شهر مايو من الشهور التى لعبت دورا مهما في حياة الشيخ (محمد رفعت)، الذي نحيي هذه الأيام ذكرى رحيله الماسية، حيث ولد قيثارة السماء يوم 9 مايو عام 1882، عند آذان الظهر، ورحل في اليوم نفسه عام 1950 عند الفجر.

وأول جمعة قرأها الشيخ (محمد رفعت) كانت في مسجد (فاضل باشا) في شهر مايو عام 1897 وهو في الخامسة عشر، وعندما ظهر صوته للناس لأول مرة، كان ذلك في إفتتاح الإذاعة المصرية في 31 مايو عام 1934.

وما بين الميلاد والرحيل كانت حياة الشيخ (محمد رفعت)، ولم يكن قيثارة السماء فنانا في أدائه الصوتي فحسب، كما يقول الكاتب (صفوت عكاشة) مؤلف كتاب (محمد رفعت صوت الخلود)، بل كانت روح الفنان تغمر جوانب مضيئة من حياته.

 فلم يكتف بما كان يحصله من ثقافة القرآن الكريم وعلومه، كعلم القراءات وبعض التفاسير، وإنما اتجه أيضا لدراسة الموسيقى كعلم له قواعد وأصول، فدرس موسيقى بيتهوفن، وموتسارت، وفاجنر.

وكان يحتفظ بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية في مكتبته، واهتم بشراء الكتب لدراسة الموسيقى الرقيقة والمقامات الموسيقية، وتعرف إلى كبار الملحنيين.

وحفظ منهم عشرات الأدوار والتواشيح والقصائد الدينية، كما تعلم أيضا العزف على آلة العود، ومبادئ العزف على بعض الآلات الأخرى.

في الذكرى الـ 75 لرحيل قيثارة السماء (محمد رفعت): ننشر لأول مرة زجل بيرم التونسي عنه
عرف عن الشيخ (محمد رفعت) أنه عفيف النفس، زاهد في الحياة

زاهد في الحياة

عرف عن الشيخ (محمد رفعت) أنه عفيف النفس، زاهد في الحياة، فبعد وفاة والده وهو في العاشرة من عمره، كانت أسرته مكونة من والدته، وخالته، وشقيقه (محرم)، فأصبح هو العائل الوحيد للأسرة.

وكان بارا بهم، ومن رهافة حسه أنه كان يعطي خالته الأجر الذي يحصل عليه من القراءة حتى لا يشعرها بأنها غريبة، بل ليؤكد أمومتها له وبنوته لها، وكأنه جاء من رحم الغيب لخدمة القرآن الكريم والأنفاق على أهله.

فلم يكن طامعا في المال لاهثا خلفه، وإنما كان ذا مبدأ ونفس كريمة، وفي فترة الإذاعات الأهلية عرض عليه المسئولين فيها أن تذيع له بعض هذه الإذاعات آيات من الذكر الحكيم، فرفض.

وقال: (إن وقار القرآن الكريم لا يتماشى مع الأغاني الخليعة التى تذيعها إذاعتكم)، وعندما افتتحت الإذاعة المصرية يوم الخميس 31 مايو عام 1934، كان الشيخ (محمد رفعت) أول من إفتتحها بصوته العذب، وقرأ ما تيسر من سورة (الفتح).

وقبل أن يظهر صوته في الإذاعة المصرية، سأل هيئة من كبار علماء الأزهر الشريف، عما إذا كانت إذاعة القرآن الكريم حلالا أو حراما، فجاءت فتواهم بأنها حلال.

ولقد كان يخشى أن يستمع الناس إلى القرآن الكريم وهم في الحانات والملاهي الليلية، فجاء صوته عبر الإذاعة المصرية نديا خاشعا وكأنه يروي آذانا وقلوبا عطشى إلى سماع القرآن الكريم.

وكأنها تسمعه لأول مرة، فلمع اسم الشيخ (محمد رفعت)، وعشقت الملايين صوته.

في الذكرى الـ 75 لرحيل قيثارة السماء (محمد رفعت): ننشر لأول مرة زجل بيرم التونسي عنه
حديث صحفي لمحمد رفعت في مجلة الراديو المصري

حديث نادر للشيخ

كان الشيخ (محمد رفعت) من المقلين في أحاديثهم الصحفية والإذاعية، لكننا عثرنا في الأرشيف على حديث نادر له في مجلة (الراديو المصري) سنكتفي فقط بسؤالين، لأن باقي الحوار يتحدث فيه عن مسيرته التى ذكرنا بعض منها في السطور الماضية:

* هل مررت بلحظات حرجة في عملك؟

** ما أكثر اللحظات الحرجة التى مررت بها في حياتي، ولكني أحمد الله على أنها انتهت بسلام، وما أذكره من هذا القبيل إنني ذهبت مرة لإحياء ليلة في أحد الأقاليم، فسافرت في سيارة تعطلت في الطريق.

وتقدم نفر من الأهالي لمساعدتنا في العطل الطارئ، وما كادوا يسمعون إسمي حتى أقسموا لأذهبن معهم إلى بلدتهم غير مصغين إلى إعتذاري بالذهاب إلى موعد سابق.

وأخيرا رضوا بأن يتركونني أذهب لهذا الموعد بعد أن وعدتهم بأن أعرج عليهم في طريق عودتي.

* كيف تحافظ على صوتك؟

** أحافظ على صوتي بتجنب البرد، وعدم البقاء في مكان به رائحة قوية عطرية كانت أم كريهة، وعدم تناول الأطعمة التى تحتوي على مواد حريفة كالفلفل والشطة، ولا الأطعمة التى يعسر على معدتي هضمها، كما أنني لا أتعشى ولا أدخن.

في الذكرى الـ 75 لرحيل قيثارة السماء (محمد رفعت): ننشر لأول مرة زجل بيرم التونسي عنه
وجدت في صوته الخشوع والرهبة، والإيمان تترقرق في أعماقي، وتسود الجميع طمأنينة الإيمان

شهادة الموسيقار مدحت عاصم

ذكر الموسيقار الشهير (مدحت عاصم) ذكرياته مع الشيخ (محمد رفعت) عندما استمع إليه لأول مرة، فيقول: لا أنسى يوما لقيني فيه الصديق الحبيب (محمد عبدالوهاب) ونحن بع في فجر الشباب، ليقول لي إنه يدعوني إلى صلاة الجمعة في مسجد (فاضل باشا) بدرب الجماميز.

فأثارت هذه الدعوة دهشتي، فقال لي محمد عبدالوهاب إنه يحرص على مصاحبته لأمر سوف يتكشف لي فيما بعد، وذهبت إلى مسجد (فاضل باشا) مع محمد عبدالوهاب.

وهناك وجدت جمعا غفيرا من الناس يجلسون في خشوع وهم يتجهون بأبصارهم وأسماعهم إلى شيخ معمم نحيل الجسد، رقيق البنيان، وأجلسني عبدالوهاب قريبا من الشيخ (محمد رفعت).

ويلفت: فوحدت مجموعة من أئمة القراء وأعلامهم يجلسون في الصف نفسه، منهم (الشيخ درويش الحريري، والشيخ علي محمود، والشيخ محمود صبح) وغيرهم.

وبدأ الشيخ (محمد رفعت) يتلو آيات الذكر الحكيم، وسكن الناس حتى لا تسمع أنفاسهم، وانطلق الصوت هادئا خفيضا، وإذا بالشحوب في وجهه تكسوه نورانية، وإذا بالنبرات تنساب وكأنها صادرة من آلة ربانية، لا هي بالكمان ولا هي بالناي.

ولكن فيها شيئ من هذا وذاك تزواجا ليكون منهما سحر ينساب إلى الأسماع ويتسلل إلى أعماق الروح فتصفو وتسمو، ودموع الخشوع والرهبة، والإيمان تترقرق في أعماقي، وتسود الجميع طمأنينة الإيمان.

ومحمد عبدالوهاب إلى جانبي يضغط على ذراعي كلما بلغ شيخنا قمة من قمم الأداء حتى فرغ، وقام الناس إلى الصلاة، وما إن انتهينا حتى قام عبدالوهاب ليعرفني بالشيخ (محمد رفعت)، وكان هذا أول لقاء بيننا.

وتوطدت بيننا أخوة صافية، وعرفت من خلالها أن الشيخ محمد رفعت موسيقي من الطراز الأول، وكان هذا شأن أغلب قراء القرآن، وكان يعزف على العود، ويؤدي بمصاحبته التواشيح الدينية كما لم تؤدها حنجرة مدربة على الغناء.

ومحمد عبدالوهاب بجانبه يصاحبه بصوت خفيض، وكأنه يتلقى أصول الأداء وأساليبه، والحق أن أداء الشيخ (محمد رفعت) لم يكن له مثيل، ولا شبيه، وأكثر ما تميز به إلى جانب خشوعه هو الأنسياب والتسلسل بين الكلمات والنغمات).

في الذكرى الـ 75 لرحيل قيثارة السماء (محمد رفعت): ننشر لأول مرة زجل بيرم التونسي عنه
ودموع الخشوع والرهبة، والإيمان تترقرق في أعماقي، وتسود الجميع طمأنينة الإيمان

زجل بيرم التونسي

هذا الأسبوع في باب (صحافة زمان) ننشر لأول مرة بمناسبة اليوبيل الماسي لرحيل قيثارة السماء (محمد رفعت) الزجل الذي كتبه شاعر العامية العظيم (بيرم التونسي) عام 1950، بعد رحيل الشيخ (محمد رفعت) مباشرة حيث قال:

الدنيا حزنت لفقدك يا بلال الجيل

لك صوت جميل في الوجود نادر مالهش مثيل

ياما رويت القلوب بالسحر في الترتيل

يا بخت أهل الجنان اللي أنت رحت لهم

وإحنا دموعنا عشانك كل يوم بتسيل

في مصر والهند وبلاد الحجاز والشام

حتى في أوربا عشانك عشقم الإسلام

ده أنت قرايتك تقوبشي وحي أو إلهام

إنت ملاك صوره المولى لنا إنسان

وقدرة المولى فوق الشك والأوهام

ده الفاجر اللي إستمع لك تاب عن العصيان

والمؤمن إزداد وثوق بالله وزاد إيمان

وإن قلت آية بتوصف جنة الرحمن

تتهيأ الجنة وتشوفها في لمحة عين

وينفتح بابها ويهلل لنا رضوان

وإن قلت آية وعيد فيها جحيم النار

تفزع قلوب البشر من خشية الجبار

والمذنبيين يفضلا في ذل واستغفار

لأن صوتك بيوصل للقلوب في الحال

أنعم بتقواك يا رفعت في نعيم الدار

ولما قالوا مرض كان قلبنا وياك

ياما دعينا عشان يعطف عليك مولاك

وصبرت والصبر طال لما الأجل وافاك

والسهم والله نفذ راضيين بحكم الله

ومهما طال الزمن مين اللي راح ينساك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.